Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

في‮ ‬محاضرة له بجامعة حضرموت‮:‬ د‮. ‬الدغشي‮: ‬صراع المناهج الدعوية واختلاف الرؤى والأفكار أنتج التطرف

‬التطرف هو الخروج عن حدود الاعتدال له أنواع عدة منها ما‮ ‬يتصل بالفكر ومنها ما‮ ‬يتصل بالسلوك كالتطرف الفكري‮ ‬الذي‮ ‬ينتج عنه التكفير والتفجير والتزوير والتبرير والتطرف النفسي‮ ‬والتربوي‮ ‬والإعلامي‮ ‬والسياسي‮ ‬والتطرف في‮ ‬الانتماء المجتمعي‮ ‬والعرقي‮ ‬ونحوهما‮.‬
ويؤكد الأستاذ الدكتور أحمد محمد الدغشي‮ – ‬أستاذ أصول التربية وفلسفتها بجامعة صنعاء‮ – ‬في‮ ‬المحاضرة التي‮ ‬القاها الأحد الماضي‮ ‬بقاعة باكثير في‮ ‬جامعة حضرموت وبمشاركة منظمة‮ »‬اليمن أولاٍ‮« ‬ضمن فعاليات الطالب الجامعي‮ ‬حول التطرف‮ – ‬فلسفته وأبعاده‮ – ‬أن ضعف التأهيل العلمي‮ ‬ورقة دين المتطرف وانحراف شخصيته وغيرها تعتبر أسباباٍ‮ ‬رئيسية للتطرف‮.. ‬فإلى نص المحاضرة‮.‬
متابعة/عبده حسين
alakoa777@hotmail.com

تمثل مشكلة التطرف ظاهرة مؤرقة لمجتمعاتنا الإسلامية المعاصرة على نحو‮ ‬غير مسبوق‮ – ‬في‮ ‬اعتقاد البعض‮- ‬رغم أنها داء قديم ظهر في‮ ‬تاريخ الدعوة الإسلامية منذ وقت مبكر‮. ‬وقد برزت بوادره في‮ ‬عهد النبي‮ ‬محمد‮- ‬صلى الله عليه و آله وسلم‮- ‬فتصدى لها بمختلف الأساليب والوسائل‮ ‬مذ ظهرت بوادرها على سلوك بعض‮  ‬من انتسب إلى دينه‮ .‬
لقد عبر نبي‮ ‬الإسلام‮- ‬عليه الصلاة والسلام‮- ‬عن هذه الظاهرة بألفاظ عدة‮  ‬كالغلو‮ ‬والتشدد‮ ‬والتنطع‮ ‬والتكلف‮ ‬ونحو ذلك‮ ‬كما تصدى لمواجهتها العلماء‮  ‬والمربون والمصلحون على امتداد العصور‮.‬
مفهوم التطرف‮: ‬
يعرف مجمع اللغة العربية مادة التطرف بقوله‮:” ‬تطرِف أتى الطِرِف‮ ‬ويقال تطرِفت الشمس‮ : ‬دنت للغروب‮” ‬ويوصف المتطرف بأنه‮  ” ‬جاوز حد‮ ‬الاعتدال‮ ‬ولم‮ ‬يتوسِط‮”( ‬إبراهيم أنيس ورفاقه‮ ‬معجم اللغة العربية‮ ‬جـ‮ ‬2ص555‮(‬مادة طِرِفِ‮)‬‮ ‬د.ت‮ ‬د.ط‮ ‬بيروت‮: ‬دار إحياء التراث العربي‮).  ‬
والمقصود أن التطرف هو الخروج عن حدود الاعتدال‮ ‬وموقع الوسط‮. ‬و قد أطلق مصطلح التطرف في‮ ‬الأصل على‮” ‬الحسيات كالتطرف في‮ ‬الوقوف أو الجلوس أو المشيº ثمِ‮  ‬انتقل إلى المعنويات كالتطرف في‮ ‬الدين أو الفكر أو السلوك‮” ( ‬يوسف القرضاوي‮ ‬الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف‮ ‬ص‮ ‬23‮ ‬1405هـ‮- ‬1985م‮ ‬الطبعة الرابعة‮ ‬كتاب الأمة2‮ ‬الدوحة‮: ‬وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية‮ ‬وبيروت‮: ‬مؤسسة الرسالة‮).‬
ومن ثم‮ ‬فكل من خرج عن حدود الاستقامة‮  ‬ودائرة الوسط‮ ‬‮ ‬ووقع في‮ ‬الغلو‮- ‬وهو المصطلح الأكثر أصالة في‮ ‬الأدبيات الإسلامية‮-  ‬ذات اليمين‮ ‬أو ذات الشمال فإنه‮ ‬يصبح واقعاٍ‮ ‬في‮ ‬دائرة التطرف‮ ‬وبقدر خروجه عن دائرة الاعتدال والوسطيةº‮ ‬ينجر‮  ‬إلى دائرة التطرف‮. ‬
أنواع التطرف‮: ‬
التطرف أنواع عدة منه ما‮ ‬يتصل بالفكر‮ ‬ومنه ما‮ ‬يتصل بالسلوك‮ ‬ويمكن تفصيل ذلك على النحو التالي‮: ‬أولاٍ‮: ‬التطرف الفكري‮: ‬
ويقصد به الانطلاق في‮ ‬التفكير وإصدار الأحكام من رؤى وقناعات فكرية‮ (‬شاذة‮) ‬خاصة بمدرسة معينة‮  ‬في‮ ‬القديم أو الحديث‮ ‬تنبع من مرجعيتها الخاصة‮ ‬ومقرراتها المغلقة‮  ‬فتصدر عن رموز تلك المدرسة‮ ‬إزاء المخالف‮ – ‬على وجه الخصوص‮- ‬بعيداٍ‮ ‬عن الاحتكام إلى منهج جمهور العلماء‮ ‬ومحققي‮ ‬الفقهاء‮  ‬في‮ ‬القديم والحديث‮. ‬
ويمكن أن‮ ‬يضرب المثال لذلك بأربعة نماذج متضادة‮ ‬غير أن التطرف‮ -‬بتناقضاته‮- ‬يجمعها‮.‬
النموذج الأول‮: ‬أنموذج التكفير‮: ‬
أي‮ ‬إصدار حكم التكفير في‮ ‬حق كل مخالف لفهم تلك المدرسة‮  ‬أو متباين الوجهة مع رموزها‮ ‬في‮ ‬المسائل الكلية أو الجزئية‮. ‬وقد بدأ الشطط في‮ ‬نمط التفكير لدى أرباب هذه المدرسة‮ ‬ْمْذ قال قائلهم للنبي‮- ‬صلى الله عليه و آله وسلم‮-  ‬في‮ ‬إحدى الغزوات‮  :” ‬إعدل‮ ‬يا محمد‮” ‬فأجابه‮ – ‬عليه الصلاة والسلام‮-:” ‬ويحك من‮  ‬يعدل إن‮  ‬لم أعدل‮”. ‬وحين هم‮ ‬بعض الصحابة بتأديبه‮ ‬نهاهم النبي‮- ‬صلى الله عليه وآله وسلم‮- ‬عن ذلك مبيناٍ‮ ‬واحدة من دلائل النبوة بقوله‮: “‬يخرج من ضئضي‮ ‬هذا‮ ‬من تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم‮ ‬يقرئون القرآن لا‮ ‬يجاوز حناجرهم‮” . ‬وهؤلاء هم الذين‮ ‬يقتلون أهل الإيمان‮ ‬ويدعون أهل الأوثان¿‮.  ‬وهذا أسوأ أنواع التطرف الفكري‮ ‬بإطلاق‮ ‬لأن ماعداه فرع عنه‮.‬
النموذج الثاني‮:  ‬أنموذج التفجير‮ :  ‬
أي‮ ‬التعبير عن الفكرة بتصفية الخصم مادياٍ‮- ‬وهو الغالب‮- ‬عن طريق استحلال دمه لأدنى اختلاف معه‮ ‬في‮ ‬مسألة كلية أو جزئية‮ – ‬وإن كان‮ ‬يرى كل شيء عنده كلياٍ‮ ‬نتيجة التنشئة المتطرفة ذاتها‮- . ‬ونموذج هذا ماثل في‮ ‬أكثر من قطر‮- ‬ومنه اليمن‮-  ‬وأبرزه في‮ ‬العراق‮ ‬إذ بلغت العدمية ببعض هؤلاء أن‮  ‬يفجر نفسه أو آخرين في‮ ‬مسجد أو حسينية‮ ‬أو سوق عام‮ ‬أو حافلة ركاب مدنية‮. ‬وبلغت ذروة ذلك في‮ ‬اليوم الثاني‮(‬28‮/٢١/٨٠٠٢‬م‮) ‬لمجزرة‮ ‬غزة الشهيرة‮ ‬حين فجر أحد هؤلاء نفسه في‮ ‬وسط محتشد‮ ‬يقوده‮  ‬الحزب الإسلامي‮ ‬العراقي‮ ‬تعبيراٍ‮ ‬عن انزعاج المحتشدين من جرائم الصهيونية في‮ ‬غزة‮ ‬لكن هذا الانتحاري‮ ‬عبر عن انزعاجه من تعبير خصومه في‮ ‬ذلك اليوم بهذه الطريقة‮!! ‬ولايخرج عن ذلك التفجير الذي‮ ‬تبنته ما تعرف بـ‮( ‬دولة العراق الإسلامية‮) ‬التابعة لتنظيم القاعدة كنيسة سيدة النجاة في‮ ‬منطقة الكرادة‮  ‬وسط بغداد في‮ ‬31تشرين الثاني‮/‬نوفمبر‮ ‬2010م‮ ‬وأسفر عن‮ ‬125‮ ‬بين قتيل وجريح‮  ‬حسب بعض المصادر المسيحية‮ ( ‬الاتحاد الكاثوليكي‮ ‬العالمي‮ ‬للصحافة في‮ ‬الأردن أو الاعتداء التالي‮ ‬على كنيسة الاسكندرية رأس السنة الهجرية‮ ‬2010م‮ ‬وهو الذي‮ ‬أدى كذلك إلى فتنة لايعلم عواقبها إلا الله تعالى‮!‬
النموذج الثالث‮:  ‬أنموذج التزوير‮: ‬
ويقصد به تزوير حقائق التاريخ‮ ‬المدعمة بشواهد القرآن الكريم‮ ‬ودلائل السنة المطهرة الصحيحة القولية والعملية‮ ‬و ذلك حين‮ ‬يتوجه الثلب والانتقاص إلى القمم الكبيرة في‮ ‬صدر هذه الأمة‮ ‬وطمس معالم الأحداث الكبرى المشرقة في‮ ‬تاريخ الرعيل الأول‮ ‬مع اعتساف لمنهج الاستدلال‮ ‬حين‮ ‬يختزل في‮ ‬جماعة معينة‮ – ‬على جلالة قدرها‮- ‬فإن القول بذلك الحصر‮ ‬ينسف تاريخ خير أمة أخرجت للناس‮ ‬ويصم تربية سيد الخلق وإمام المربين محمداٍ‮ – ‬صلى الله عليه وآله وسلم‮- ‬بالفشل الذريع‮ ‬إذ لم تدم فاعليتها الإيجابية سوى في‮ ‬حياته‮ – ‬عليه الصلاة والسلام‮- ‬بينهم‮ ‬ويصبح الاستنتاج المباشر‮ -‬من ثم‮-  ‬أننا نشك في‮ ‬سلامة هذا الدين ودقة مصدريته‮ ‬مادامت منقولة عن‮  ‬أولئك القوم الذين باشروا في‮ ‬مشروع عصيان الرسول فور وفاته‮ ‬فغيروا وبدلوا‮ ‬وتهافتوا على حطام الدنيا‮ ‬وكرسي‮ ‬الزعامة‮ ‬على ذلك النحو الذي‮ ‬لا‮ ‬يميزهم عن آخرين‮ ‬لم‮ ‬يشرفوا بتربية المربي‮ ‬الأعظم محمد‮ – ‬صلى الله عليه وآله وسلم‮-  . ‬
النموذج الرابع‮: ‬أنموذج التبرير‮:‬
‮ ‬ويقصد به التطرف المتمثل في‮ ‬تبرير مسالك الطغاة والمستكبرين‮ ‬وأصحاب الحظوظ الدنيوية من ذوي‮ ‬الجاه والسلطان أو المتاع الدنيوي‮ ‬بكل صوره‮. ‬وهذا النموذج جاهز لتقديم التبرير ونقيضه‮- ‬إن اقتضى الأمر‮-‬‮ ‬بحسب طلب أرباب نعمتهم‮ ‬ومن‮ ‬يعتقدون أن رزقهم وعيالهم‮ ‬ومصير حياتهم مرهون برضاهم عنهم أو سخطهم عليهم‮.  ‬ويظهر‮  ‬أن ذلك ضرب من الشرك عملي‮ ‬وإن لم‮ ‬يقصد سالكوه إلى ذلك سبيلاٍ‮ ‬لكن هل قصد أنموذج التكفير أو التفجير أو التزوير إلى مآلات مسالكهم سبيلاٍ‮ ‬كذلك¿‮!  ‬فنحن إنما‮  ‬نحاسب المنهج لا النوايا‮. ‬وقد وصفت بعض الآثار الصحيحة رؤوس المكفرة بـ(أنهم أصدق لهجة‮)‬‮ ‬فهل‮ ‬يعفيهم ذلك من تحمل عبء مسئولية التكفير¿‮! ‬
ثانياٍ‮: ‬التطرف النفسي‮:  ‬
والمقصود به أن المتطرف من هذه الزاوية‮ ‬يعاني‮ ‬من اضطراب نفسي‮ ‬عميق‮ ‬وقلق في‮ ‬تدينه‮ ‬غريب‮ ‬إذ‮ ‬يظهر نفسه أحرص على الدين من المشرع‮  ‬نفسه‮ ‬فتراه‮ ‬يقدم سوء الظن بالآخرين على حسنه‮ ‬وأسوأ المحامل لمسالك المختلف معهم على البحث عن عذر‮ – ‬ولا نقول سبعين عذراٍ‮- ‬‮ ‬مصوراٍ‮ ‬نفسه ومن تابعه الأحرص على الحق‮ ‬والأتقى لله‮  ‬والأعلم بشرعه‮ ‬مع أن الحقيقة قد تشهد بأنه الأجبن في‮ ‬موطن الاستحقاق‮ ‬والأجرأ على الفتوى برعونة‮ -‬لايحسد عليها‮- ‬‮ ‬والأجهل بتعاليم الدين كما شرعها رب‮ ‬العزة والجلال‮ ‬غير أنه‮ ‬يستعيض عن ذلك بالصوت العالي‮  ‬والشِغِب على‮  ‬المخالف‮ ‬مع دروشة‮ ‬يابسة‮ ‬وشنشنة محدودة‮!! ‬
ثالثاٍ‮: ‬التطرف التربوي‮:‬
ونعني‮ ‬به التطرف في‮ ‬التنشئة‮ ‬حيث الالتزام المتطرف برأي‮ ‬مدرسة تربوية‮  ‬أو فقهية‮ ‬أو فكرية واحدة‮ ‬أو شيخ واحد‮ ‬أو لون واحد من التفكير‮ ‬لايجوز تخطيه‮ ‬منذ نعومة الأظفار‮ ‬ومن رام الخروج عن ذلك‮ ‬أو محاولة إدراك ما‮ ‬يجري‮ ‬حولهº‮  ‬فإنه قد‮ ‬يقابل‮ -‬من قبل بعض‮  ‬المربين والشيوخ‮- ‬بتعنيف ولوم‮ ‬وربما‮ ‬يصل حد‮ ‬العقاب القاسي‮!! ‬ومن مظاهر ذلك‮: ‬الحرص على حضور خطبة جمعة بعينها لخطيب بعينه‮ ‬أو محاضرة لمتحدث بعينه‮ ‬أو درس ما لشيخ أو مرب‮ ‬بعينه‮ ‬على نحو مضطرد صارم‮ ‬قد‮ ‬يقضي‮ ‬في‮ ‬ملازمتها‮  ‬السنين المديدة‮ ‬من‮ ‬غير أن‮ ‬يخطر ببال المتلقي‮ ‬أن هناك آخرين‮ ‬ربما كانوا مثله‮- ‬إن لم‮ ‬يكونوا أجود وأدق منه‮- ‬‮ ‬مع إطراء له وإعجاب‮ ‬يصغر أمامه خطباء العرب المشاهير‮ ‬في‮ ‬القديم والحديث‮ ‬و جهود علماء الرعيل الأول‮ ‬وفقهاء الإسلام عبر العصور والأمصار‮. ‬وذلك كفيل بتخريج جيل من المتربين المصابين بداء الأحادية المعرفية‮ ‬والقولبة الفكرية والسلوكية‮ ‬والتنميط في‮ ‬الحكم على الظواهر والأشياء‮ ‬والوقوع‮ – ‬من ثم‮- ‬في‮ ‬الانشطار في‮ ‬الشخصية‮ ‬إذ تلمس إغراقاٍ‮ ‬في‮ ‬جانب على حساب‮ ‬غيره‮ (‬روحي‮- ‬عقلي‮- ‬سياسي‮- ‬اجتماعي‮ – ‬ترفيهي‮)‬‮ ‬وكأن كل جانب من تلك الجوانب ضد‮ ‬لغيره‮ ‬لا‮ ‬يلتقي‮ ‬معه في‮ ‬بنية شخصية واحدة‮ ‬تْعرف‮ – ‬عند علماء السلوك في‮ ‬القديم والحديث‮- ‬بالشخصية‮  ‬النموذجية السوية المتكاملة‮.‬
رابعاٍ‮ : ‬التطرف الإعلامي‮: ‬
ويبرز التطرف هنا في‮ ‬ذلك الاهتمام المبالغ‮ ‬فيه عند المرسل بنمط واحد من بث أو إذاعة أو نشر لون واحد من ألوان المعرفة أو الأخبار أو الترفيه‮ ‬أونحو ذلك‮ ‬مما قد لايراعي‮ ‬أحياناٍ‮ ‬أحكام الحل‮ ‬والحرمة‮ ‬والمناسب وغير المناسب‮ ‬والأخلاقي‮ ‬وما‮ ‬يتعارض معه‮ ‬وهو ما‮ ‬ينعكس تلقائياٍ‮ ‬على ذوق المتلقي‮ – ‬بمن فيهم الداعي‮ ‬والمربي‮- ‬ومنهج تفكيره ونمط سلوكه‮. ‬فتراه تارة‮  ‬منفعلاٍ‮ ‬بما‮ ‬يشاهد أو‮ ‬يسمع أو‮ ‬يقرأ‮ ‬وقد‮ ‬يؤدي‮ ‬ذلك إلى رد‮ ‬فعل متطرف حال المشاهدة أو السماع أو القراءة‮ ‬لما‮  ‬يعتقده تجاوزاٍ‮ ‬للثوابت‮ ‬أو مصادماٍ‮ ‬للقيم والأعراف الحميدة‮  ‬أو خادشاٍ‮ ‬للحياء‮  ‬وقد تراه تارة مغرقاٍ‮ ‬إلى‮  ‬حد‮  ‬الغرام أحياناٍ‮ ‬بلون واحد من تلك الألوان‮ ‬ومن مصدر‮ (‬مدرسي‮) ‬واحد‮ ‬غالباٍ‮ – ‬حتى لو اختلفت العناوين‮- ‬وتراه قد زهد أو بدأ في‮ ‬الثقافة الجادة‮ ‬من مصادرها‮ ‬لحساب المتابعة الإعلامية الخفيفة‮ ‬والتنقل بين هذه القناة وتلك‮ ‬أو هذا الموقع وذاك‮ ‬وتصفح‮  ‬المطبوعة والأخرى‮ ‬وقد لا تجد في‮ ‬المضمون جديداٍ‮ ‬أحياناٍ‮ ‬وهكذا‮ ‬يستهلك الجهد‮ ‬وتستنفد الطاقات في‮ ‬متابعات قد لا تخلو من السطحية‮- ‬إن لم‮ ‬يكن ذلك هو الغالب عليها‮- ‬وضياع للوقت والجهد والمال‮ ‬وربما التفريط بمسئوليات أولى وأحق‮ ‬مع أنه كان بالإمكان تحقيق قدر معقول من ذلك‮ ‬بضبط‮  ‬نسبي‮ ‬لنوعية ما‮ ‬يقرأ‮ ‬والوقت المتاح لذلك‮ ‬ليتميز ذوو الشأن‮ ‬‮ ‬وأصحاب الهمم‮ ‬عن الرعاع‮  ‬والدهماء‮! ‬
خامساٍ‮: ‬التطرف السياسي‮:‬
وما‮ ‬يعنينا في‮ ‬التطرف السياسي‮ ‬هنا هو ذلك القدر المشترك بين الناشطين في‮ ‬العمل السياسي‮-‬عادة‮-  ‬في‮ ‬السلطة أو المعارضة‮ ‬المتمثل في‮  ‬نمط الإقصاء‮ ‬وقمع الحريات‮ ‬والضيق بالآخر المخالف‮ ‬وعدم أو ضعف الاعتداد برأيه أو مشورته‮ ‬أو حتى معارضته‮ ‬بل تصوير كل ذلك ضرباٍ‮ ‬من العداوة‮ ‬بل المؤامرة أحياناٍ‮ ‬وهو ما‮ ‬يْنتج ردحاٍ‮ ‬وقدحاٍ‮ ‬وتراشقاٍ‮ ‬متزايداٍ‮ ‬بالاتهامات‮ ‬من كل طرف تجاه الآخر‮. ‬وبدلاٍ‮ ‬من الاستفادة من كل نقد بناء‮ ‬أو نصيحة صادقة‮ ‬يفسر كل ذلك بأسوأ المقاصد‮ ‬ويسعى كل طرف للتربص بالآخر‮ ‬بغية الانقضاض على السلطة بالنسبة للمعارضة‮ ‬والتشبث بالكراسي‮ ‬حتى انتزاعها بوسائل العنف أو ما في‮ ‬حكمها بالنسبة للسلطة‮ ‬وهكذا‮. ‬ولو أمعنا النظر في‮ ‬أسباب ذلك ودوافعه لوجدنا نمط التنشئة الاجتماعية في‮ ‬الأسرة والمسجد والمدرسة والإعلام ونحوها قد أسهم في‮ ‬صناعة ذلك المسلك السياسي‮ ‬بنصيب وافر‮ ‬وهو ما‮ ‬يفرض ضرورة إعادة النظر في‮ ‬أنماط التنشئة في‮ ‬تلك الوسائط‮.  ‬
سادساٍ‮: ‬التطرف في‮ ‬الانتماء المجتمعي‮ ‬والعرقي‮ ‬ونحوهما‮:‬
ويقصد به عد‮ ‬مجتمع‮ ‬أو عنصر‮ ‬أو سلالة‮ ‬أو بلدة‮ ‬أو منطقة بعينها خيراٍ‮ ‬من‮ ‬غيرها في‮ ‬أصول معدنها‮ ‬ونقاء أصولهاأو إصدار حكم تعميمي‮ ‬مطلق‮ ‬يشهد بالسلب أو الإيجاب في‮ ‬حق بلد بعينه أو مجتمع معين‮  ‬بصرف النظر عن مدى استقامة أبنائه على الطريقة‮ ‬فيما‮ ‬يتم ازدراء من عداهم‮ ‬ووصمه بكل نقيصة‮ ‬حتى لو كان أحسن مسلكاٍ‮ ‬أو أقرب إلى معايير الشرع وتوجيهاته‮. ‬وفي‮ ‬ذلك تجاهل للحكم القرآني‮ ‬الصريح‮: (‬يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباٍ‮ ‬وقبائل لتعارفوا‮ ‬إن أكرمكم عند الله أتقاكم‮) (‬الحجرات‮:‬13‮)‬‮ ‬ولتوجيه النبي‮ – ‬صلى الله عليه وآله وسلم‮- :” ” ‬يا أيها الناس إن ربكم واحد‮ ‬‮ ‬وإن أباكم واحد‮ ‬ألا لا فضل لعرب على عجمي‮ ‬‮ ‬ولا عجمي‮ ‬على عربي‮ ‬‮ ‬ولا لأحمر على أسود‮ ‬‮ ‬ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى‮ “(‬أخرجه أحمد ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي‮)‬‮ ‬كما أن في‮ ‬مثل ذلك الاعتزاز بالانتماء الأهوج ضعف وعي‮ ‬بحقائق التاريخ‮ ‬ومعطيات الواقع‮  ‬ونتائج‮  ‬العلم‮  ‬ومنطق الأشياء‮  ‬القاضية‮  ‬كلها‮  ‬بأن الاعتبار الأساس للسلوك وحده‮.‬
أسباب التطرف‮: ‬
للتطرف جملة أسباب‮ ‬يمكن إيجازها في‮ ‬التالي‮: ‬
أولاٍ‮: ‬رقة في‮ ‬دين المتطرف‮ ‬وضعف في‮ ‬إخلاصه أحياناٍ‮ ‬وغياب لمعاني‮ ‬الخوف من الجليل‮ ‬وتجاوز في‮ ‬مراقبة من‮ (‬يعلم خائنة الأعين وما تخفي‮ ‬الصدور‮)‬  ‮(‬غافر‮:‬19‮).‬
ثانياٍ‮: ‬ضعف في‮ ‬التأهيل العلمي‮ ‬وتسطيح لكثير من القضايا التي‮ ‬تثير التطرف‮ ‬وتبعث على النزاع‮ ‬وفساد ذات البين‮. ‬
ثالثاٍ‮: ‬انحراف في‮ ‬الشخصية‮ ‬وشذوذ في‮ ‬التفكير‮ ‬حتى إن البدهيات العقلية‮ ‬والأبجديات الشرعية والعلمية لتغيب أحياناٍ‮ ‬في‮ ‬لجة اللدد‮ ‬وغمرة الصراع بين ذوي‮ ‬السلوك المتطرف ومخالفيهم‮.‬
رابعاٍ‮: ‬المنزع‮  ‬الأحادي‮ ‬في‮ ‬المعرفة‮ ‬والنظرة الجزئية في‮ ‬الحكم على الأشياء والظواهر‮. ‬
خامساٍ‮: ‬الإغراق في‮ ‬جانب من جوانب الشخصية على حساب‮ ‬غيره‮( ‬ضعف في‮ ‬التربية المتوازنة المتكاملة‮). ‬
سادساٍ‮: ‬غياب أنموذج القدوة‮ ‬والافتقاد للقيادة العلمية والدعوية الراشدة‮. ‬
سابعاٍ‮: ‬الأزمة الأخلاقية العامة‮ ‬ومنها ضعف في‮ ‬أخلاق بعض الدعاة‮ ‬وقد‮ ‬يكون مبعث ذلك ضعفاٍ‮ ‬في‮  ‬التأهيل التزكوي‮ ‬واستسهالاٍ‮ ‬لأمراض القلوب‮ ‬من مثل الوقوع في‮:  ‬آفات الغيبة والنميمة والكذب والرياء وحب‮ ‬الظهور والنفاق العملي‮ .‬
ثامناٍ‮: ‬صراع المناهج الدعوية‮ ‬واختلاف أصحابها التضادي‮ ‬في‮ ‬الرؤى والأفكار‮ ‬مع إقصاء كل رأي‮ ‬يخالف السائد في‮ ‬أدبيات هذه المدرسة أو تلك‮ ‬مما‮ ‬يثير الحيرة والتشكك في‮ ‬نفوس الناشئة وجمهور المتلقين‮ ‬وهو ما قد‮ ‬يدفع لرد‮ ‬فعل عدمي‮ ‬نسميه‮ (‬التطرِف‮)  .‬
تاسعاٍ‮:  ‬فشو الظلم والقهر في‮ ‬مجالات الحياة المختلفة‮: ‬والسياسية منها بوجه خاص‮ ‬على المستوى الدولي‮ ‬أو المحلي‮ ‬ويغذي‮ ‬التطرف في‮ ‬الموقف إزاءها تلك الفئة ممن تنتسب‮  ‬إلى ميدان الدعوة وعلوم الشريعة‮ ‬حين تتسابق‮  ‬لتقديم التسويغ‮ ‬لذلك الظلم والقهر و(شرعنته‮).‬
عاشراٍ‮: ‬ظاهرة تبعية الأنظمة السياسية في‮ ‬عالمنا العربي‮ ‬والإسلامي‮ ‬للمستكبرين الكبار‮ ‬يولد الرغبة الجامحة لدى بعض الناشئة للانتقام والرغبة في‮ ‬الثأر‮ ‬لاسيما بعد أن‮ ‬يشاهدوا مظاهر الظلم للشعوب المستضعفة‮ ‬و(عربدة‮) ‬الدول الكبرى‮ ‬في‮ ‬تحالفها الأعمى مع الكيان الصهيوني‮ ‬واختطافها لما‮ ‬يسمى بالمنظمة الدولية‮ ‬لتقف ضد قضايا الأمة المصيرية باضطراد‮. ‬
حادي‮ ‬عشر‮: ‬التحلل من القيم والالتزام بتوجيهات الدين وضوابط الشريعة‮ ‬على مستويات الأسرة‮ ‬والمجتمع‮ ‬وأحياناٍ‮ ‬بعض الشخصيات المنتسبة إلى الدعوة‮ ‬بدعوى الوسطية والتسامح ومخالفة سلوك‮ (‬المتطرفين‮)!!.‬
ثاني‮ ‬عشر‮: ‬لاينبغي‮ ‬التقليل من أثر التعبئة الخاطئة‮ ‬وإن كانت مآلاتها‮ ‬غير مقصودة‮ ‬غالباٍ‮ ‬ومن هذا القبيل‮  ‬ذلك الإسفاف والتعدي‮ ‬في‮ ‬الدعاء الذي‮ ‬يقع فيه‮   ‬بعض الخطباء والوعاظ‮ ‬حين‮ ‬يدعون بالانتقام الإلهي‮ ‬من اليهود والنصارى جملة وتفصيلاٍ‮ ‬بلا تمييز بين محارب ومسالم‮ ‬أو ذمي‮ ‬ومستأمن أو معاهد‮ ‬مع أن النص القرآني‮ ‬صريح وواضح‮: (‬لا‮ ‬ينهاكم الله عن الذين لم‮ ‬يقاتلوكم في‮ ‬الدين ولم‮ ‬يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله‮ ‬يحب المقسطين‮. ‬إنما‮ ‬ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في‮ ‬الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن‮ ‬يتولهم فأولئك هم الظالمون‮) (‬الممتحنة‮:‬8‮-‬9‮)‬‮ ‬ناهيك عن الأحاديث المتضافرة من السنة التي‮ ‬توصينا بأهل الذمة والمعاهِدين والمستأمنين خيراٍ‮.‬
الحلول‮: ‬
ثمة تصورات في‮ ‬سياق البحث عن حلول‮ ‬يمكن أن تسهم في‮ ‬معالجة الظاهرة‮ ‬ويمكن إيراد أبرزها على النحو التالي‮: ‬
أولاٍ‮ : ‬إيلاء جانب التزكية للعاملين للإسلام بصورة عامة‮ ‬والمتصدين لمخاطبة الجمهور بوجه خاص الأهمية المفترضة‮ ‬عن طريق إدراج مناهج التزكية في‮ ‬المناهج الداخلية بالنسبة للعاملين في‮ ‬أطر‮  ‬جماعية منظمة‮ ‬وفي‮ ‬مناهج‮  ‬الكليات والمعاهد الشرعية‮ ‬المعنية بإعداد الدعاة وتأهيلهم‮ ‬ولا شك أن ذلك وحده‮ ‬غير كافُ‮ ‬مالم‮ ‬يعزز بسلوك المعلمين والمربين والموجهين والقادة‮ ‬بمستوياتهم المختلفة‮. ‬
ثانياٍ‮: ‬العمل على إيجاد تربية شاملة متوازنة تستهدف الناشئة بصورة عامة‮ ‬كي‮ ‬يتمكنوا من إبراز ذلك التوازن والشمول في‮ ‬الحياة العملية‮ ‬ومنها حياة الدعوة بالنسبة للدعاة‮. ‬
ثالثاٍ‮: ‬تكثيف جهود التوعية والأنشطة الثقافية اللازمة للدعاة عبر وسائل الإعلام الموجهة‮ ‬والمواقع الإليكترونية‮ ‬وإقامة الدورات وورش العمل الجادة المعدة إعداداٍ‮ ‬نوعياٍ‮ ‬لتحقيق التربية المستمرة‮ ‬والتزود المنشود بالتأهيل الثقافي‮ ‬اللازم‮ ‬وصولاٍ‮ ‬إلى‮  ‬تحقيق نموذج الداعية المتوازن الوسطي‮ . ‬
رابعاٍ‮:  ‬لا بد‮ ‬من إيلاء جانب القدوة في‮  ‬شخصية الداعية أو المربي‮ ‬الأهمية التي‮ ‬تستأهل الاقتداء المفترض‮ ‬مع التأكيد في‮ ‬الوقت ذاته للجمهور على أن الداعية القدوة المطلق لا‮ ‬يوجد في‮ ‬عالم البشر‮ ‬وأن النبي‮ ‬محمدا‮- ‬صلى الله عليه وآله وسلم‮-  ‬هو وحده القدوة المطلقة في‮ ‬ذلك‮: (‬لقد كان لكم في‮ ‬رسول الله‮  ‬أسوة حسنة لمن كان‮ ‬يرجو الله‮  ‬واليوم الآخر وذكر الله كثيراٍ‮) (‬الأحزاب‮ :‬21‮)‬‮ ‬وأن من عداه بشر‮ ‬يجري‮ ‬عليهم قانون النسبية في‮ ‬الصواب والخطأ‮ ‬والجهل والعلم‮ ‬والقوة والضعف‮. ‬
خامساٍ‮: ‬تجسيد مبدأ الأخوة الإسلامية العامة في‮ ‬حياة الدعاة والمربين‮ ‬من منطلق معياري‮: ‬الحب‮ ‬في‮ ‬الله والبغض في‮ ‬الله‮ ‬كي‮ ‬يتعامل الداعية أو المربي‮ ‬مع جمهوره وتلامذته من هذا المنطلق‮- ‬مع الاحتفاظ لنفسه بحق الأخوة الخاصة إن شاء‮-  ‬كي‮ ‬يتنزه الداعية المنشود‮ ‬عن بعض الأمراض الدعوية السائدة‮ ‬مثل الشللية‮ ‬والحزبية المقيتة المتطرفة‮ ‬والتعصب الأعمى لمدرسته‮ ‬أو مذهبه‮ ‬أو نحو ذلك‮. ‬
سادساٍ‮:   ‬لابد أن تتضافر‮  ‬في‮ ‬شخصية الداعية أو المربي‮ ‬المعاصر المنشود عناصر عدِة من مثل‮ : ‬الوعي‮ ‬بالتاريخ‮ ‬والفقه للشرع والواقع‮ ‬والتفاعل مع عالم التكنولوجيا والتقنية ذات الصلة بنشاطه الدعوي‮ ‬وحركته الرسالية المفترضة‮. ‬
سابعاٍ‮:  ‬لابد‮ ‬أن‮ ‬يتميز الداعية أو المربي‮ ‬النموذج بحس حواري‮ ‬ينعكس على منهجه في‮ ‬الدعوة فكراٍ‮ ‬وأسلوباٍ‮ ‬مع جمهوره‮ ‬بمن فيهم من‮ ‬يتفق معه‮ ‬أو‮ ‬يختلف‮. ‬
ثامناٍ‮: ‬لابد‮ ‬أن‮ ‬يطلق الداعية أو المربي‮ ‬النموذج منهج العنف في‮ ‬تعامله الشخصي‮ ‬أو في‮ ‬مسلكه العملي‮ ‬مع أسرته‮ ‬‮ ‬أو تلامذته‮ ‬أو جمهوره‮ ‬فضلاٍ‮ ‬عن أن‮ ‬يفتي‮ ‬بجواز اللجوء إليه لحل‮ ‬الخلاف مع مسلم أو‮ ‬غير مسلم ممن‮ ‬يخالفه الوجهة في‮ ‬الفكر أو الاعتقاد‮ ‬مع التأكيد على مشروعية الجهاد‮ ‬خارج حدود المجتمع المسلم‮ ‬دفاعاٍ‮ ‬عن الدين أو المقدسات أو الوطن أو‮ ‬غير ذلك‮ ‬أو‮  ‬درءاٍ‮ ‬للفتنة‮ ‬وتحريراٍ‮ ‬للمستضعفين‮ ‬حين تتوافر الشروط وتنتفي‮ ‬الموانع‮. ‬
تاسعاٍ‮:  ‬إن الداعية أو المربي‮ ‬النموذج ملك للأمة كلها بمختلف مدارسها وأطرها الفكرية ومذاهبها وطوائفها‮ ‬ولذلك لا‮ ‬يجوز له أن‮ ‬يوظف منبره‮ – ‬ومنبر المسجد على وجه أخص‮- ‬للمهاترات السياسية والطائفية والمذهبية والعشائرية‮ ‬كي‮ ‬يبقى مرجعاٍ‮ ‬للجميع‮.‬
عاشراٍ‮:  ‬للوقاية من وقوع الأفراد بمختلف مستوياتهم من لوثة التطرف‮ ‬يجب أن تسعى الدول العربية والإسلامية إلى تحقيق هدفين مزدوجين‮: ‬
أحدهما‮: ‬إقامة العدل في‮ ‬مجتمعاتها عن طريق تحقيق الحاجات الأساسية للمجتمع من تعليم جيد‮ ‬وصحة‮  ‬متميزة‮  ‬وإعلام حر‮ ‬نظيف‮ ‬وقضاء عادل مستقل‮ ‬وخدمات أساسية تشمل جميع جوانب‮  ‬البنية التحتية‮ ‬إلى جانب منح الاهتمام بالحقوق والحريات أولوية في‮ ‬سلم خططها الاستراتيجية والتنموية‮ ‬ومالم تجسد ذلك عملياٍ‮ ‬وتثبت براءتها من تهمة انتهاك الحقوق والحريات بمختلف جوانبها‮ ‬تلك التي‮ ‬صارت سمة عموم أنظمتنا السياسية‮ – ‬بكل أسف‮ – ‬فإن بيئة التطرف ستنمو‮ ‬ورقعة العنف ستتسع‮ ‬ولن تجدي‮ ‬حينئذُ‮ ‬الشعارات المجلجلة‮ ‬ولا الأبواق المنافقة‮ (‬الصدئة‮) ‬من‮ ‬غضبة الجماهير ولعنة الشعوب المقهورة شيئاٍ‮ ‬بل هي‮ ‬أول من سيتبرأ حين تقع الواقعة‮ ‬وما انتفاضة تونس والجزائر عنا ببعيد‮.‬
‮ ‬والآخر‮: ‬تحرير سياسات الدول من التبعية العمياء لإملاءات المستعمر‮  ‬الأجنبي‮  ‬وفي‮ ‬مقدمته دولة الاستكبار والغطرسة الكبرى‮ (‬الولايات المتحدة الأمريكية‮)‬‮ ‬الهادفة إلى تخريب مجتمعاتنا وضرب قواها ببعض‮ ‬سواء كان ذلك عن طريق الإملاءات العسكرية والأمنية الهادفة إلى زرع الانتقام وبث بذور الحقد بين الدولة وشعبها‮ ‬وتوريث ذلك على مدى الأجيال القادمة‮ ‬أم عن طريق المؤسسات‮  ‬الاقتصادية الاستعمارية الكبرى‮ (‬صندوق النقد والبنك الدوليين‮)‬‮ ‬التي‮ ‬أتثبت إفلاسها في‮ ‬مجتمعاتها‮  ‬الأصلية‮ (‬الأزمة الاقتصادية العالمية أكبر الشواهد‮) ‬قبل‮ ‬غيرها‮ ‬كما جرت‮  ‬جوهر سياساتها تلك مجتمعاتنا إلى هذا التدهور المريع في‮ ‬الجانب الاقتصادي‮ ‬والمعيشي‮ ‬وانعكاسات ذلك على بقية مجالات الحياة‮ ‬وهو ما‮ ‬يؤدي‮ ‬إلى تدمير شامل وانهيار عام للاقتصاد الوطني‮ ‬والقومي‮ ‬أم عن طريق السياسات الإعلامية المضللة‮ ‬ونشر المشاهد الإباحية والمتنافية مع قواعد الدين وأساسيات الأدب العام‮ ‬وسوية الفطرة‮ ‬أم عن طريق‮  ‬السعي‮ ‬الحثيث لتغيير مناهج التعليم‮ (‬الديني‮) ‬وفلسفاتها‮ ‬بدعوى التطوير والتجديد وإصلاح الجيل عن طريق فرض الوصاية على مناهج التعليم وفلسفاتها‮ ‬أم كان ذلك عن طريق المنظمات الأجنبية لفرض ما تسميه ببرامج تنمية الأسرة ودعم حقوق المرأة‮ ‬والصحة الإنجابية وسياسة النوع الاجتماعي‮(‬الجندر‮)‬‮ ‬وذلك برغم ماقد‮ ‬يحتويه من جوانب ظاهرها إيجابي‮ ‬إلا أنه‮ ‬يتضمن في‮ ‬جوهره تخريباٍ‮ ‬متعمداٍ‮ ‬ومقصوداٍ‮ ‬لمؤسسة الأسرة‮ ‬وهي‮ ‬القلعة الأخيرة التي‮ ‬لاتزال تحظى بتحصين نسبي‮ ‬في‮ ‬بعض مجتمعاتنا‮ ‬والله وحده المستعان‮.

Share

التصنيفات: نور على نور

Share