Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

“حرير الغزالة” .. جديد جوخة الحارثي

محمود الرحبي

أصدرت العُمانية، جوخة الحارثي، أخيرا روايتها “حرير الغزالة” (دار الآداب، بيروت، 2021)، وهي جديد الكاتبة بعد فوز سابقتها “سيدات القمر” بجائزة مان بوكر في 2019، وحظيت بترجمة إلى عدة لغات. وعلى غرارها، حاولت “حرير الغزالة” أن تشقّ طريقها انطلاقا من محكياتٍ عن سير نساء “قويات” يصارعن محيطا اجتماعيا ذا واجهة ذكورية.

بدت نساء الروايتين هن من يتسيّدن مساحات الحياة، ويثبتن حضورهنّ في مجرياتها. واستندت “سيدات القمر” إلى غطاء ميثولوجي ميّزها، وأضفى بعدا سحريا على عوالمها، من خلال سردها مفردات حياة القرية المتخيلة (قرية العوافي)، إذ استطاعت، بهذه “الحيلة السردية”، أن تضمّ مختلف محكيات القرى العُمانية من دون تحديد، في كل ما يتعلق بالعادات والأمثال واللباس والتقاليد. اختارت الكاتبة في روايتها الجديدة كذلك خلفية قروية متخيلة، وهي “شعرات باط”، ولكنْ من دون أن تمنحها ذلك الاستناد الكبير الذي كانت عليه “العوافي” في “سيدات القمر”، إذ نراها تتساوى في مساحة السرد مع بلدان وأماكن، كصحار والخوير وتايلاند. وعلى الرغم من وجود أسماء حقيقية في “سيدات القمر”، وادي عدي ومطرح ومسقط، فإن المكان القروي المتخيَّل يأخذ المساحة الأكبر، وتعود إليه الشخصيات بعد كل رحلة في الواقع وفي الذاكرة.

وكما في شخصيات “سيدات القمر”، ميا التي استطاعت، بقوتها، أن توجه حياة أسرتها، وتسمّي مولودتها الأولى “لندن” تيمنا بأحداث ذكرى سابقة، والأم سالمة التي تدير، بصبر وعناد، حياة عائلتها وزوجها الذي دخل في علاقة مع امرأة من الصحراء تسمى “نجية القمر”، والخادمة “ظريفة” التي كان لسانها الناطق (الرسمي) للأمثال القديمة، وتفاصيل حياة الهامش (تتردّد على لسانها في الرواية أمثال عُمانية متصدّرة بلازمة “قال المتوصف” التي تذكّر بـ”قال الراوي”) ..

وبرعت “سيدات القمر” في رسم شخصية ظريفة التي قابلتها في “حرير الغزالة” شخصية “مديحة” التي عُرفت بقفشاتها وذكرياتها الغريبة، حين سعت، هي وأخوها، إلى ابتكار أول سينما في الصّحراء.. هذا الحدث الغريب الذي قدّمته الكاتبة في حدود المعلومة كان ممكنا أن يلقى تركيزا أكبر. ونتذكّر هنا كيف فعل الروائي العراقي، فاضل العزاوي، بدخول أول منطاد إلى بغداد في روايته الفريدة “آخر الملائكة”، وكيف استثمر هذا الحدث (الفضائي) في غرابته، وأفرد له فصلا كاملا.

وفي رواية “حرير الغزالة”، هناك شخصية “حرير”، التي تعيش “فصولا من العشق”، عبر أبواب الرواية التي حملت عناوين تتعلق بها وبحياتها الخاصة، كحفلة الأوركسترا وزهو الحياة ومغني الملكة وعام الفيل، وعبر شخوصٍ تدخل معهم في علاقاتٍ بعد انفصالها عن زوجها العازف، كشخصية مغنّي الملكة العراقي، ذي الجنسية السويدية، والذي تعيش معه علاقة مرتبكة، تبدو للقارئ افتراضية، وشخصية الفيل، زميلها في الشركة، والذي تعيش معه علاقة مباشرة (تصف جسده المتناسق في أربع ورقات).

وإذا كانت “حرير” توجه مسار السرد من الداخل، عبر مونولوغات العشق، فإن “غزالة” توجهه من الخارج، عبر الوصف العيني والمباشر وعبر التذكّر، تصف أباها السفير وعلاقته الغامضة بالعائلة، ووالدتها المريضة، وتصف تايلاند، أرض العلاج. كما تصف بيت طفولتها وفترة حياتها الجامعية.

إلى جانب هذه الشخصيات، تزخر الرواية بشخصياتٍ أخرى بدت كثيرة، تبرُق كالسهام في الصفحات المحدودة للرواية (183 صفحة). لنقف، بالتالي، أمام استسلام للحكي والتذكّر، فتمر بذلك شخصياتٌ بدت، في بداية الرواية، أساسية، كشخصيتي “آسية” ووالدها، لكنها لا تلبث أن تتوارى وتختفي، ثم يأتي ظهورها خافتا.

الزمن في الرواية، وعلى غرار “سيدات القمر”، بدا مفتوحا وممتدّا، ينتقل بحرية كاملة بين الماضي البعيد والحاضر. وإن كان الحاضر في “حرير الغزالة” متسيّدا، فإنه متقطع، معزولةٌ شخوصه عن بعضها بعضا. لذلك كان الرجوع إلى تفاصيل الماضي والطفولة البئرَ التي يمتح منها السرد محكياته الجماعية. وربما هذا “القفز الحر” بين الأزمنة هو ما جعل شخصيات الرواية تتكاثر وتتزاحم أمام عين القارئ الذي سيبذل مجهودا في تذكّرها، ناهيك عن ربطها بالأحداث المتقاطعة للشخصيات الرئيسة.

Share

التصنيفات: ثقافــة,عاجل

Share