Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

شعراء وأدباء الأندلس لم يكتفوا بكتابة النصوص الأدبية

بيروت – يرى الباحث صلاح جرّار أن أهميّة ما وصل إلينا من التراث الأدبي الأندلسي، شعراً ونثراً وموشحات وأزجالاً، تكمن في كشفه عن جوانب خفيّة اجتماعية وحضارية وثقافية وسواها في الحياة الأندلسية، وبذلك “يكون الأدب رديفاً للتاريخ وأداة مهمّة من أدوات تعزيزه وتوثيقه وتصويبه وتصحيح ما وقع فيه من أوهام”.

ويضيف جرّار في مقدمة كتابه “أبحاث في الأدب الأندلسي” بأنّ بين الأدب والتاريخ من الوشائج ما لا يجوز إغفاله، فبعضُ الأدب صدىً لأحداث تاريخية، وهو بذلك يعزّز الرواية التاريخية ويجلّي بعض حقائقها، وبعضُ الأدب يصنع التاريخ من خلال دوره في التحريض وبثّ الحماسة ورفع المعنويات والاستنجاد والاستنهاض والحثّ على ما ينفع الناس والدول، وبعضُ الأدب يتضمن، بتلقائية وعن غير قصد، إشارات إلى تفاصيل في الواقع الاجتماعي لم يتعرّض لها المؤرّخون.

ويشير جرّار في كتابه الذي صدر مؤخراً عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، إلى أن النّص الأدبي لا يكتفي بتعزيز الواقعة التاريخية والكشف عن بعض خفاياها من خلال تسليط الضوء على تفصيلات صغيرة قد لا تستوقف المؤرخ، وإنّما ينقل لنا أثر الحدث التاريخي في وجدان الناس وعواطفهم، وموقف الناس من ذلك الحدث.

ويؤكد الباحث أن الأدب الأندلسي ما يزال يزخر بعدد كبير من المواضيع والقضايا التي تستحقّ الدراسة والبحث والتنقيب والتحقيق، فـ“لا يكاد الباحث يطالع شيئاً من هذا التراث أو نصاً من نصوصه حتى تتدفق أمامه أسئلة كثيرة تثير شهية المتابعة والبحث عن إجابات عنها، وحتى ينطلق تفكيره نحو آفاق واسعة وممتدة من جوانب الحياة الأندلسية أدباً وحضارةً وثقافةً وتاريخاً”.

ويشتمل الكتاب على أربعة مباحث تتوزع على 208 صفحات تغطّي مختلف عصور الأدب الأندلسي، من خلال استعراض سيرة الشاعر إسماعيل بن بدر وشعره، ودراسة تجلّيات الشخصية الأندلسية في شعر وصف الطبيعة، والبحث في سبب اتخاذ بني نصر اللون الأحمر شعاراً لدولتهم وتجلّيات ذلك في الأدب، والتوقف عند مقامة “الوباء” للزجّال المالقي.

“أبحاث في الأدب الأندلسي” كتاب ينقل أثر الحدث التاريخي في وجدان الناس وعواطفهم وموقف الناس من ذلك الحدث

ويعرّف المبحث الأول بالشاعر القرطبي إسماعيل بن بدر المتوفى سنة 351 هـ، وهو أحد شعراء أواخر عصر الإمارة الأموية والنصف الأول من عصر الخلافة الأموية في الأندلس، وكان شاعراً مشهوراً في عصره وشهد له بذلك عدد من مؤرخي الأدب الأندلسي. ويستعرض جرّار سيرة الشاعر ومواضيع شعره وخصائصه، جامعاً ما تبقى منه، إذ عثرَ على ثلاث وعشرين قصيدة ومقطوعة قام بتخريجها من مصادرها وتوثيقها وتحقيقها.

ويلقي المبحث الثاني الضوء على تجليات الشخصية الحضارية الأندلسية في شعر وصف الطبيعة الأندلسي، وقد وقف جرّار فيه على جوانب واضحة من الشخصية الأندلسية عبّر عنها شعرُ وصف الطبيعة مثل: سلامة الذوق، والميل إلى الراحات والتبسط والفكاهة، وحب الجمال، وحب الوطن، وحب الزينة، ورقّة الطباع، ورهافة الحس، وحب النظام، وعشق الفن. ويستشهد المؤلف على كل عنصر من هذه العناصر بمقطوعات قالها شعراء الأندلس في وصف الطبيعة.

أما المبحث الثالث فيتناول اتخاذ اللون الأحمر في مملكة بني نصر (635 – 897 هـ) شعاراً رسمياً، ويحاول جرّار استجلاء هذه الظاهرة والبحث في أسبابها وتجلياتها في الحياة العامة في غرناطة وفي الشعر والنثر والموشحات، كما يرصد عدداً من النصوص والإشارات التي تتحدث عن اتخاذ بني نصر الرايات الحمراء والقراطيس الحمراء والملابس الحمراء وركوب الخيل الحمراء وعلاقة ذلك باسم جدّهم ابن الأحمر وبمسمّى قصر الحمراء.

ويخصّص جرّار المبحث الرابع لدراسة “مقامة الوباء” لأبي علي عمر بن علي الزجال المالقي (المتوفى بعد 844 هـ)، مشيراً إلى أن في هذا النص من الأساليب الفنية ومن الدلالات والمضامين الموضوعية ما يستحق ّالدراسة والتأمل، فهو يتحدث عن وباء الطاعون الذي انتشر سنة 844 هـ في غرناطة، حيث أشفق كاتبها على سلطان غرناطة آنذاك الغالب بالله محمد الأيسر (ت. 857 هـ)، فكتب له هذه المقامة يدعوه إلى الانتقال إلى مالقة التي كانت خالية من الطاعون حينذاك. وقد اتخذت هذه المقامة شكلَ رسالة على لسان مدينة مالقة تخاطب بها الحمراء وتعاتبها على تمسُّكها بالسلطان في أثناء انتشار ذلك الوباء، وتقدّم لها الأدلّة والمسوغات التي تستدعي انتقال السلطان إلى مالقة.

يُذكر أن الدكتور صلاح جرار يحمل درجة الدكتوراه في الأدب الأندلسي من جامعة لندن، عمل أستاذاً في اللغة العربية وآدابها في عدد من الجامعات، وعُيّن وزيراً للثقافة في الأردن، وله العديد من المساهمات العلمية والأكاديمية والثقافية، إلى جانب العشرات من الأبحاث والكتب المنشورة والمحققة في النقد والتراث والأدب، منها في الشعر: “ترويدة الغيم والشفق”، و”في طريقي إليك”. وفي مجال الدراسات: “دراسات جديدة في الشعر الأندلسي”، “مدينة مالقة: أردن الأندلس، صفحة مجهولة من التاريخ الأردني”، “ولّادة بنت المستكفي”، “زمان الوصل: دراسات في التمازج الحضاري والتفاعل الثقافي في الأندلس”، “صلاة في أروقة الزهراء – قراءة في المشهد الحضاري الأندلسي في القرن الرابع الهجري” و“المثقف والتغيير: في المشهد الثقافي المعاصر”.

 

Share

التصنيفات: ثقافــة,عاجل

Share