Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

قارئة الودع

نشوان زيد عنتر

بخطى ثابتة ملؤها الحذر الشديد والانتباه التام ،ومع التسلل الخجول لأشعة الشمس المنذرة بقدوم ضوء الصباح الباكر، اجتازت “فتون حسين” بنجاح درب قريتها الواقعة في عمران ، الجبلي الشديد الوعورة و الغارق في الوحل حتى إذنيه  من جراء الأمطار الغزيرة التي هلت عليه قبل أسبوعين لأول مرة رغم أنها فقدت بصرها منذ سنة تقريبا ،ومع ذلك مازالت تجيد عبور أمثالها بغاية البراعة غير مبالية لمخاطرها الجسيمة ، فمنذ أن فقع والدها عينيها ظلما و جورا بعد تعرضها للاغتصاب من احد أبناء المشايخ في المنطقة الذي وقع أسير جمالها الأبيض الخلاب و شعرها الأشقر القصير نوعا ما وهي لا تكترث للحياة أو الموت ، فكلاهما سيان بالنسبة لها ، لذا فهي لا تبالي للمخاطر و الأهوال التي تواجهها أثناء عملها كقارئة للودع .

تقرا لزبائنها بختهم عبر فرك أصدافها البيضاء الفارغة و تضعهما في إذنيها فتعطيهم مقابل أجرها الخبر اليقين حسب زعمها بعدما أن تسحرهم و تخلب مسامعهم بأغانيها الشعبية و صوتها الجميل ، سيما بعدما أخذت بثأرها من أبيها و مغتصبها و والده عبر قراءة الطالع المزيفة لثلاثتهم دون أن يتعرفوا على صورة ضحيتهم ،و التي أسفرت عن رمي أنفسهم في ماجل القرية العميق و يموتوا غرقا في لجته لعدم إجادتهم السباحة أو ممارستهم ، و ما أن سمعت بوفاتهم حتى طغت الفرحة أرجاء جسدها الهزيل، واهتز طربا و فرحا فأنساها حذرها الذئبي المعتاد ،وزلت قدمها عند أول منحدر صغير لتسقط جثة هامدة مهشمة الرأس على الأرض بصدر رحب يعلو وجهها ابتسامة مضيئة ارتسمت على شفتيها الورديتين أنار القدر من خلالهما سماء قريتها الكئيب منذ قرون .

 

 

Share

التصنيفات: ثقافــة

Share