Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

لعنة المومياء تحل باليمن !

حسن عبدالوارث

تكتنز اليمن آثاراً بالغة القِدَم، وتراثاً تاريخياً نفيساً للغاية.. وما تمّ اكتشافه منها حتى اليوم لا يُعَدّ إلاَّ النزر اليسير مما هو مخزون فيها، بحسب أطروحات أنثروبولوجية صادرة عن مراكز علمية وبعثات آثارية أوروبية زارت اليمن، ونقَّبت فيها، ودرست كنوزها الأثرية منذ النصف الأول من القرن الماضي.

غير أنّ قلَّة الخبرة لدى الجهات اليمنية المختصة، واستشراء الفساد، وانعدام الاهتمام لدى مؤسسات الدولة، وتعاقُب الأزمات السياسية المسلحة في البلاد، حالت دون الحفاظ على كثير من تلك الكنوز الأثرية شديدة الندرة التي صار حالها شديد الشبه بمكنون القول الأثير «جوهرة في يد فحَّام».

تعرَّض كثير من آثار اليمن وتراثه للتخريب والتهريب والاندثار على مدى عقود طويلة. وكانت الحرب الأخيرة من أكثر مظاهر الدمار شراسة التي تعرضت لها هذه الآثار وهذا التراث. وبات ما تبقَّى من تراث اليمن وآثاره، ومعالمه الحضارية القديمة، مهدداً بالزوال التام، ما لم تمتد إليه يد العناية لانتشاله من مصير محتوم، برغم أن هذا الرجاء يلُفُّه اليأس الشديد في ظل استمرار الحرب وتداعياتها الكارثية، وانعدام وجود مؤسسات الدولة بصورة شبه تامة في كل ميدان من ميادين الحياة، والحياة الثقافية بوجه خاص.

وشهدت صنعاء مؤخراً حادثة أثارت الرعب والأسى لدى كل من يعرف قيمة الحضارة اليمنية القديمة، فقد تعرَّضت مومياوات يمنية قديمة للتحلُّل والتعفُّن، بسبب انقطاع التيار الكهربائي عن العاصمة ومعظم مناطق البلاد جراء تداعيات الحرب التي دمرت ضمن ما دمرته، محطات توليد وتوزيع الطاقة الكهربائية، إضافة إلى نفاد مواد الترميم والتعقيم. وقد فاحت الروائح الكريهة مؤخراً من هذه المومياوات المحفوظة في المتحف التابع لقسم الآثار في جامعة صنعاء، ما يُهدّد البيئة بانتشار بكتيريا شديدة الخطورة من المتوقع أن ينتج عنها تفشّي أوبئة قد يغدو بعضها مستعصياً علاجه.

وقد أعادت هذه الحادثة إلى الأذهان تاريخ المومياء اليمنية التي يعود عمر المُكتشَف منها حتى الآن إلى فترات زمنية تتراوح بين 3020 و960 قبل الميلاد، إضافة إلى فن التحنيط اليمني القديم، وهو الفن الإعجازي الذي ارتبط في الذاكرة البشرية قبل اكتشاف المومياء اليمنية بعهد الفراعنة حصرياً.. وقد أكدت المعطيات التي كشفتها المومياء اليمنية، أن اليمنيين القدماء لم يكونوا على علم مُحيط بأسرار وفنون عمليات التحنيط منذ العصور السحيقة فحسب، بل إنهم كانوا سبَّاقين في مضمار هذه الممارسة قبل انتقالها إلى أيدي الفراعنة.

ففي سنة 1982 ظهرت المومياء اليمنية إلى العلن لأول مرة، حين عثرت إحدى فرق التنقيب الآثاري على نحو مائتي مقبرة أثرية منحوتة في صخور الجبال الشاهقة في منطقة شبام الغراس بمحافظة المحويت شمال غربي العاصمة صنعاء. وقد فوجئ علماء الآثار حينها بهذا الاكتشاف المذهل الذي أكد بالدليل القاطع، حقيقة هامة هي أن قدماء اليمنيين عرفوا وأجادوا فن التحنيط – وبمهارة كبيرة – بعد أن ساد الاعتقاد طويلاً باحتكار معرفة وإجادة هذا الفن من قبل قدماء المصريين وحدهم.

وحتى الآن لم تأخذ المومياء اليمنية نصيبها الوافر المستحَق من الاهتمام الجاد، والدراسات العلمية الدقيقة، برغم تمتعها بقيمة علمية، وأثرية نفيسة للغاية، ومن شأنها أن تكشف عن حقائق وأسرار بالغة الأهمية حول طبيعة المجتمع الذي تواجد قديماً في منطقة شبه الجزيرة العربية، وطبيعة السكان الذين عاشوا في ذلك المجتمع في حقبة زمنية غابرة. وقد وجد المكتشفون هذه المومياوات في حالة تحنيطية جيدة، حيث وُجِدتْ بملابسها وأحذيتها الأصلية التي كانت ترتديها في العادة، وكانت مُكفَّنة بجلود مدبوغة وملفوفة عدة لفَّات بقِطعٍ من الكتَّان. كما عُثِرَ بجوارها على أوانٍ فخارية، ورؤوس رماح من الحديد، وقطع خشبية ومواد أخرى، تُستخدم في أغراض شتى هي من طبيعة الحياة والسكان في ذلك الزمن في ذلك اليمن.

وتفيد المعلومات التي نشرتها تباعاً آنذاك مجموعة متاحف الإنسان في باريس والمعامل الفيزيائية التابعة لجامعة أوتراخت الهولندية، بأن معظم هذه المومياوات كانت لحظة اكتشافها في حالة القرفصاء في مقابر صخرية منحوتة في مواضع جبلية بالغة الوعورة. وكشف العلماء عن المواد التي كانت تستخدم في عمليات التحنيط، وهي الزبيب، ودهْن الجَمَل، وأوراق بعض أنواع الشجر، وعدد من نباتات الطبيعة المحيطة بتلك المنطقة التي تُعَدّ من أفضل مناطق اليمن طقساً وطبيعة.

وإذا كانت القبائل القديمة في مجتمعات وشعوب ما قبل الميلاد اعتقدت بما درجت تسميته «لعنة المومياء»، حيث تظن أن الشخص عندما يموت تظل روحه تتداخل مع عالم الأحياء، حيث ينبغي أن تُترك في مقابرها لتهنأ بالسكينة والسلام، لأن من يُضايقها بانتشالها من مخابئها تُلاحقه لعنة تلك الروح، فتُصيبه بأخطار مُحدقة قد تصل حدّ الموت.. فاِنَّ لعنة المومياء اليمنية تكاد تتجسّد في الحالة التي عاشها اليمنيون، وما زالوا، من احترابات متواصلة وقلاقل لا تهدأ لفترة طويلة، وما يستتبعها من وقائع الخراب والشتات ومآسي الوباء والمجاعة، لاسيما وأنها لم تُنتشَل من مقابرها فحسب، بل آلت حالتها اليوم إلى التحلُّل والتعفُّن، وهو ما قد يعني لعنةً مُضاعَفة !

Share

التصنيفات: ثقافــة

Share