Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

من رسالة المدرسة نحو الطلاب والمجتمع

د. أحمد هادي باحارثة ٭

 

يأتي الطالب إلى مدرسة حية بعد تسجيله فيها من قبل والديه اللذين آنسا فيه القدرة على التعلم والتحصيل يأتي منبهراٍ بعالم جديد وبيئة مفتوحة بعد أن كان منغلقاٍ على بيئة أسرته التي لا يجد فيها غير والديه الشفيقين وإخوته ومن ثم تأتي المهمة الأولى للمدرسة في دمج هذا الطالب في مجتمعه الصغير من معلمين وإداريين وزملاء ليألفه ويحبه تمهيداٍ لجعله مستعداٍ للتخلق بالقيم والخصال التي ستبثها المدرسة في نفسه سواء ما كان منها علمياٍ معرفياٍ أو مهارياٍ سلوكياٍ أو مثلا وقيما أخلاقية وحضارية.

 

إن من أولى رسائل المدرسة تنمية شخصية طلابها وبناؤها بناء نفسياٍ وجسمياٍ سلمياٍ وتطوير ما يملكونه من مواهب وصقل ما لديهم من استعدادات عقلية وفطرية ليكون هؤلاء الطلاب في قابل أيامهم مشعلاٍ للفكر المستنير والسديد وطوعاٍ للفعل الصالح والحميد ومحصنين من الانجرار خلف أي دعوة لرذيلة أو الميل نحو أي نهج منحرف بل يكونون أسوة يقتدى بسلوكهم النبيل والواعي ويحتذى بتوتجهاتهم الحصيفة بين بني وطنهم في كل ما يخدم مجتمعهم وينفع موطنهم ويدفع إلى استعادة مجده ومآثره وبناء حضارته المواكبة لتطورات المجتمعات العصرية الحديثة..

 

ويتم ذلك السمو والارتقاء بجناحين اثنين هما التربية المثلى والعلم النافع فنحن نفترض في كل معلم أياٍ كانت مادته في أي مدرسة أساسية كانت أو ثانوية أن يكون أسوة حسنة وقدوة طيبة لطلابه وأن يسلك الطرق الرشيدة في تغذية الطلاب بالعطاء العلمي وتقديم ذلك العطاء لا بوصفه مقررات تحشى به الأذهان أو كتباٍ تثقل كاهل التلاميذ بل بوصفه محركاٍ للقرائح نحو التفكير الإيجابي والمبتكر وشاحذاٍ للهمم نحو العمل الجاد والمثمر لمصلحة المجموع في المجتمع ابتداءٍ من الحارة وامتداداٍ إلى كل أرجاء الوطن.

 

ونتوقع من آبائنا المعلمين وأمهاتنا المعلمات لمختلف المواد الدراسية أن يعنوا عناية دائمة ومطردة بتنمية وتجديد وسائلهم المهارية والمادية في توصيل علومهم ومعارفهم إلى ناشئتنا الطلاب إذ أن المعلومات والمعارف تحتل جزءاٍ مهماٍ من خبرات الطلبة فعلى قدر هضمهم لها وقدرتهم على تمثلها واستعادتها يكون تعلمهم ومن ثم استفادتهم الحقيقية منها في حياتهم العملية في خدمة ذويهم ومجتمعهم ووطنهم..

 

إلا أن التحصيل المعرفي بدوره لا يقتصر فقط على مجرد حشر المعلومات في رؤوس الطلاب وحفظها في صدورهم وتسويد كراريسهم بها على أهمية تلك المعارف إلا أن التحصيل والتعلم كذلك ينبغي  أن يضم إليه الجوانب المهارية والفكرية إذ أنه ما من شك أن اكتساب المهارات في فن معين أو مجال بعينه هو نتيجة مهمة من نتائج التعلم في المدرسة بل أنه يعد من المظاهر العصرية للتعليم الحديث في العالم المتحضر.

 

ويأتي مثله على قدرا لأهمية تنمية الملكة الفكرية للناشئة من طلاب المدرسة إذ أن أساس نجاح الجيل وتفوقه إنما يتمثل بقدر كبير في تعليمه عادة التفكير الجاد والسليم وتعويده على تحفيزها بحيث يمتلك مستقبلاٍ القدرة التامة في أن يفكر في أي مشكلة تواجهه وتعترضه تفكيراٍ علمياٍ سديداٍ بعيداٍ كل البعد عن التعصب المقيت والمصلحة الشخصية والعوامل الذاتية بل يعالج المشاكل معالجة موضوعية علمية رصينة..

 

كما أن المدرسة ينبغي أن تعود طلابها على تعدد مصادر الحصول على المعلومة الهادفة والخبرة السوية فدورها هو دور المساعد للطالب وقدح استعداداته الكامنة وتوجيهها نحو اكتساب العلم النافع والخبرات الصالحة سواء داخل الصف المدرسي أو في محيطه العام ولا سيما ارتياد دور الكتب وحضور ما يقام من محاضرات وندوات في المساجد أو مراكز الدراسات والمنتديات بحيث يتيسر للنشء أن ينمي معارفه ويكون لبنة في صرح حضارة موطنه.

 

إن عملية التعلم في البيئة المدرسية لا تقتصر – أو هكذا ينبغي – على التحصيل العلمي والمعرفي ولكنها تتسع وتمتد لتشمل تغيير انماط السلوك والعادات وتنظيمها لدى الطلاب فالتعلم هو عملية نمو شاملة ومتكاملة تشمل مختلف وظائف الكائن الحي المتمثل في حالتنا بتلميذ المدرسة والعادة هي نمط معين من السلوك المكتسب وتحتل مكانة كبيرة في حياة الفرد إذا اكتسبها صغيراٍ في مدرسته كما قيل قديماٍ التعلم في الصغر كالنقش في الحجر.

 

وتأسيساٍ على ذلك كان من رسالة المدرسة العناية الجادة بالجانب السلوكي لدى طلابها بحيث ينشأون وقد اكتسبوا عادة حب العمل المشترك والتفاعل مع النشاط الاجتماعي في مجتمعاتهم المحلية ابتداءٍ بخدمة البيئة المدرسية بما تشمله من مرافق عامة سواء تتعلق بالنشاط الدراسي كالصفوف أو بوظائف أخرى تغطي جوانب جمالية كساحة المدرسة أو ضرورات حيوية كدورات المياه على سبيل المثال..

 

ويأتي في مقدمة وأولويات الجانب السلوكي والاجتماعي لرسالة المدرسة غرس المثل والقيم التي تعزز فطرة حب الوطن عند طلاب المدرسة وتدعيم روح المواطنة الصالحة والإيجابية لديهم فالعناية بفعاليات قد تبدو بسيطة في ظاهرها كتأدية النشيد الوطني وترديد بعض الشعارات الداعية للرفع من المثل والرموز الوطنية مع رفع العلم على السارية أثناء الطابور صباحياٍ كان أو مسائياٍ كل تلك الأنشطة لها وقعها المؤثر والعميق الذي تتركه وتغرسه في نفوس الناشئة من رفع معنوية الولاء والانتماء الوطني.

 

ومن ثم يصبح من حصيلة تلك التربية العالية المثلى وذلك العلم الطيب النافع جيل مستنير من الطلاب النابهين يفاخر بهم وطنهم ومجتمعهم إذ إنه سوف يصبح عمدة كل صلاح يرتجى وكل فضيلة تبتغي ويكلل ذلك بحرص عال للتمسك بأهداب ديننا الشريف وتمثل كل ما يدعو إليه من مثل عليا وأخلاق كريمة وهدى مستقيم كي تستقيم بذلك جميع أمورنا وكل شؤوننا وعلى الله العون والتكلان ومنه نستمد الهداية والتوفيق..

٭ عضو مجلس أمناء «منارات»

Share

التصنيفات: منوعــات

Share