Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

ملحمة أبطالها الشباب

ملحمة أبطالها الشباب
الثورات العربية مشروع مستمر ضد الفساد والاستبداد
عبدالله القاضي
> بغير مقدمات ودون سابق إنذار وخلافا لكل النظريات والتنظيرات وبعيدا عن تنبؤات المفكرين والسياسيين فاجأت ثورات الربيع العربي الجميع متجاوزة كل الخطوط التي رسمتها ونسجتها الأنظمة العربية حول نفسها وركنت إلى أجهزتها القمعية وظنت أنها في مأمن من شعوبها وإلا معقب لها تمادت في غيها وأمعنت في فسادها واستأثرت بكل مقدرات أوطانها..
محمد البوعزيزي ذلك الشاب التونسي البسيط العاطل عن العمل رغم أنه يحمل مؤهلا كبيرا ليس الوحيد بين أقرانه من ملايين العاطلين في البلدان العربية الذين سدت أمامهم أبواب الرزق ولجأوا للعمل كباعة متجولين أو في بسطات على أرصفة الشوارع ولكنه ربما كان الوحيد الذي تلقي لطمة من شرطية في مسقط رأسه في مدينة سيدي أبو زيد جنوب تونس في 17 ديسمبر2010م تلك اللطمة التي جرحت كرامته وهزت كبرياءه وأرغمته على وضع حد لحياته بتلك الطريقة المعروفة مفضلا الموت على حياة الذل والقهر والظلم الاجتماعي..
لم يكن البوعزيزي يدري أنه بفعلته تلك قد قدح شرارة ثورة كانت إيذانا بتحرير شعب وإيقاظ أمة..
ثورات الربيع العربي التي أطاحت ثلاثة أنظمة من أعتى الأنظمة العربية الاستبدادية وما تزال مستمرة في أكثر من قطر عربي لا شك أنها اثارت جدلا واسعا في الأوساط السياسية والفكرية ومراكز الابحاث كونها العملية الثورية الأولى التي أخذت فيها الشعوب العربية زمام المبادرة وتغيير الأنظمة بطرق سلمية وكسرت القاعدة على الغلبة والانقلابات في تغيير الأنظمة.
تأييد لا نظير له
ولهذا يقول المفكر العربي الدكتور سليمان عربيات عندما تفجرت ثورات الربيع العربي لقيت ترحيبا وتأييدا لا نظير لهما منذ سقوط المشروع النهضوي العربي وانهيار الدولة العربية وسيطرة العثمانيين على الوطن العربي لفترة طويلة ثم قيام اتاتورك والدولة العثمانية في تركيا وقيام الثورة العربية الكبرى وخيانة بريطانيا وفرنسا للأمة العربية من خلال مشروع سايكس بيكو الذي أدى إلى فشل مشروع الثورة العربية ونتج عنه قيام دول ودويلات عربية متناحرة وأدى إلى قيام دولة اسرائيل وزرعها في قلب العالم العربي لخدمة مصالح القوى الامبريالية العربية ثم صعد بعد ذلك إلى الحكم حكام عرب مستبدون وديكتاتوريون وفاسدون قمعوا شعوبهم وكمموا أخواههم لفترات طويلة امتدت إلى عقود حتى جاءت ثورات الربيع العربي مستمدة قوتها وعنفوانها من المقاومة السلمية والمدنية مستخدمة أحدث ما انتجته تكنولوجيا الاتصالات وثورة المعلومات والتواصل الاجتماعي..
ويرى الدكتور حمدي عبدالرحمن استاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن ما احدث في العالم العربي من ثورات لم يكن يتوقعه أحد ولا حتى الحكام أنفسهم على الرغم من بوادر الثورة الظاهرة للعيان كما هو الحال في مصر والتي كانت عوامل ومقومات الثورة موجودة فيها منذ فترة طويلة فقد كان هناك حالة حمل ثوري ولكن الميلاد لم يكن معروفاٍ تاريخه وعندما أكتمل الحمل ولد وتحول العمل النخبوي إلى جماهيري وقال أن ما حدث في مصر لم يكن مؤطرا ولا مؤدلجا وإنما كانت التيارات تمثل قمة الوطنية المتطورة وتعاملوا مع الأوضاع بمسؤولية بعيداٍ عن المزايدات السياسية والانتماءات الضيقة مما أفشل نظرية أميركا في الشرق الأوسط الجديد الذي بدأته بالعراق وارادت أن تستكمله لكن المفاجأة كانت في النموذج الجديد من ثورات الربيع العربي.
وأضاف أن الغرب كان ينظر إلى مصر وتونس بمنظار النجاح من الناحية الاقتصادية لأنهما يلتزمان بمقاييس البنك الدولي ولكنها في المقابل كانتا بعيدتين عن الشفافية والديمقراطية الأمر الذي أدى إلى ظهور الدولة البوليسية القمعية والمحتكمة فيها المؤسسات المملوكة للنظام الحاكم ما أدى إلى زواج مقدس بين رأس المال والسلطة الحاكمة حتى بلغ الفساد قدراٍ كبيراٍ كما هو الحال في مصر وتونس وليبيا..
دور الشباب
وعن دور الشباب واستخدامهم للتكنولوجيا الحديثة في التواصل الاجتماعي أكد الدكتور حمدي أن الديمقراطية الافتراضية هي التي أدخلتنا إلى عالم التكنولوجيا حيث يمثل الشباب 75% من السكان في الوطن العربي وكثير منهم يتعاملون مع التكنولوجيا بسلاسة متناهية ولهذا عندما تمت دعوة الشباب للثورة عبر الفيس بوك كانت الاستجابة فورية وتدافع الشباب إلى الميادين بشكل غير متوقع وقال أن الثورات العربية لا تدخل في إطار نمطية عمل عام بقدر ما تعبر عن فروقات اجتماعية وأوضاع سياسية مختلفة ولكن يجمعها قاسم مشترك هو نزع حاجز الخوف من وعي المواطن العربي والذي وجد أن هذا الوعي هو العامل الحقيقي الذي قاد به الشباب العربي هذه الثورات وإصراره على عدم الرجوع إلى الخلف حتى تحقق الثورات جميع أهدافها..
من جهته يرى الخبير السياسي العربي الدكتور حسن حاج علي أن ما حدث في المنطقة العربية كان مفاجئاٍ حتى للباحثين الغربيين ناهيك عن الحكام العرب الذين كانوا يرون أن هذه المنطقة جامدة وميؤوس من التغيير فيها وبنيت على ذلك عدة دراسات مؤداها أن الأنظمة العربية قوية وقادرة على البطش والإكراه لشعوبها ولكن مر زمن توازنت فيه حالة الرعب مع الشعوب وأصبحت طبيعية الأمر الذي أدى إلى أنقلاب المعادلة حيث أصبحت الشعوب لا تهاب ألة القمع والخوف ولا تخشى هيمنة السلطة على الإعلام القومي وغيره..
تفاؤل أم تشاؤم
ورغم الجدل والانقسام الحاصل في الأوساط السياسية والثقافية حيال الثورات العربية ومستقبلها ومآلاتها بين منشائم حد العدمية ومتفائل حد الرومانسية وواقعيين هم في توصيفهم أقرب إلى الواقع إلا أن ما يجري في المنطقة العربية يمكن توصيفه إجمالاٍ بحسب ما يرى كثير من المراقبين بأنه ثورة ذهنية شاملة لم يكن المطلب السياسي إلا أحد تجلياتها وبالتالي فإن الاحتجاجات والانتفاضات العربية ما هي إلا نتجية الأخيرة لتحولات فكرية في التصور والرؤى هي من ولد هذا الزخم الشبابي الثوري السلمي الذي حطم حواجز الخوف مواجهاٍ أعتى آلات القمع البوليسية متخطياٍ كل أشكال التمايزات الاجتماعية المذكاة سياسياٍ من طائفية أو مناطقية أوفئوية أو قبلية وكلها أعدت لمثل هذا اليوم غير المتوقع عربياٍ لدى الانظمة أو داعميها من الدول الغربية..
ووفقاٍ لكثير من المراقبين السياسين والأكاديميين فإن سلميات الثورات العربية وجماهيرية مطالبها بالإضافة إلى الاصطفاف الشعبي حولها وانفراد الشباب بإشعالها بوصفهم الجيل الصاعد الصافي الذهن من ركام الأيديولوجيا والحساسيات الاجتماعية والدينية كلها حقائق تقول أن شيئاٍ ما قد حدث في التفكير هو من أحدث هذه الثورات بعناوينها الواضحة المطالبة باسقاط الأنظمة الاستبدادية كمقدمة ضرورية للإصلاح الشامل في البلدان العربية..
ومهما اختلفت الأراء والرؤى في مقاربة ما يجري من تحولات بفعل الثورات العربية فإن الشيء الذي لا يختلف عليه أثنان هو أن علينا أن ندرك حجم تعقيدات المشهد السياسي والاجتماعي القائم وحجم موروث الفساد الذي تركته الأنظمة الاستبدادية التي أطيح بها أو التي في طريقها إلى السقوط ليس فقط في أجهزة الدولة ودوائرها بل حتى في ضمائر الناس وأخلاقهم وأن التغيير عملية تدريجية تربوية تؤتي ثمارها مع المدى وليس عملية فجائية كما قد يتصور البعض..
وسيظل الأجماع الشعبي والزخم الجماهيري الذي تتمتع به الثورات العربية وما تتحلى به هذه الجماهير من وحدة وطنية «لم يسبق لها مثيل» ووعي سياسي يقظ هو الضامن لنجاح هذه الثورات وتحقيق أهدافها كاملة..<

Share

التصنيفات: خارج الحدود

Share