Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

سؤال النهضة والبحث عن علة العلل‮!‬

سؤال النهضة والبحث عن علة العلل‮!‬
د‮. ‬عبد الحميد الأنصاري
‮> ‬كان من أبرز تداعيات الصدمة الحضارية المباشرة بالغرب المتقدم في‮ ‬أواخر القرن الثامن عشر صدمة الحداثة‮ ‬وما جلبه الغازي‮ ‬المتفوق في‮ ‬ركابه من مظاهر تحديث‮ ‬أبرزها دخول المطبعة‮ ‬وعلوم ومعارف وخبرات ونظم وتقنيات علمية وعسكرية لم‮ ‬يعرفها العرب من قبل إلى دنياهم ومجتمعاتهم‮ ‬أن أفاقوا من سباتهم الطويل ليكتشفوا واقعهم المتردي‮ – ‬وقد كانوا‮ ‬يتوهمون أنهم السادة وأصحاب القوة والمنعة‮ – ‬وليدركوا حجم الفجوة الواسعة التي‮ ‬تفصل العالم العربي‮ ‬والإسلامي‮ ‬عن العالم المتقدم‮ ‬ومن ثم ليتساءلوا‮: ‬كيف ولماذا تقدم الغرب وتراجعنا¿‮! ‬لماذا تفوقوا علينا علمياٍ‮ ‬وتكنولوجياٍ‮ ‬وعسكرياٍ¿‮! ‬ماهي‮ ‬المقومات التي‮ ‬تحقق ازدهار المجتمعات¿‮! ‬ماهي‮ ‬عوامل الخلل¿‮!‬
هذه التساؤلات الوليدة في‮ ‬بدايات القرن التاسع عشر‮ ‬هي‮ ‬بداية تساؤلات فكر النهضة‮ ‬والتي‮ ‬شغلت نخبنا الفكرية والثقافية على امتداد القرنين التاسع عشر والعشرين وصولاٍ‮ ‬إلى‮ ‬يومنا‮ ‬انشغل رواد الفكر النهضوي‮: ‬الطهطاوي‮ ‬التونسي‮ ‬الكواكبي‮ ‬العطار وابن باديس والأفغاني‮ ‬وعبده بتشخيص الخلل‮ ‬كما انشغل به المفكرون العرب والمسلمون في‮ ‬القرن العشرين‮ ‬قاسم أمين وطه حسين والعقاد وابن عاشور والوردي‮ ‬وباقر الصدر والبنا وعلي‮ ‬شريعي‮ ‬ومحمد إقبال وأحمد أمين‮ ‬وظهر أصحاب المشاريع النهضوية كالجابري‮ ‬وطرابيشي‮ ‬والعروي‮ ‬ومروة وحنفي‮ ‬وأبو زيد والفيهوم وطه عبدالرحمن وأركون وأبوشقة وزكي‮ ‬محمود وفؤاد زكريا وجمال البنا‮ ‬وفي‮ ‬الخليج برز مفكرون كأحمد البغدادي‮ ‬ومحمد جابر الأنصاري‮ ‬وعبدالله الحامد وراشد المبارك وإبراهيم البليهي‮ ‬وعلي‮ ‬الكواري‮ ‬والقصيبي‮ ‬وتركي‮ ‬الحمد وغيرهم‮ ‬وبنظرة عامة على مجمل محاولات تشخيص عوامل الإخفاق العربي‮ ‬فإن أبرزها‮:‬
‮(‬1‮) ‬العامل الديني‮: ‬لا صلاح للعرب والمسلمين إلا بالعودة إلى تعاليم دينهم‮ ‬باجتهاد جديد وفهم متحرر من قيود الخرافات والتقاليد‮ ‬فلا‮ ‬يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها‮ ‬وهو الإسلام الذي‮ ‬وحد العرب وعليه قامت حضارتهم‮ ‬وقد تبلورت مضامين هذه الدعوة في‮ ‬الشعار الذي‮ ‬اتخذته بعض الحركات الإسلامية‮ “‬الإسلام هو الحل‮” ‬وإن لم‮ ‬يبينوا لنا بالتحديد كيف¿ وأين¿‮ ‬
‮(‬2‮) ‬العامل السياسي‮: ‬ويقصد به تجذر بنية الاستبداد ورسوخها التاريخي‮ ‬في‮ ‬المجتمعات العربية‮ ‬وهو ما أشار إليه الكواكبي‮ ‬في‮ “‬طبائع الاستبداد‮” ‬عندما قال إن الاستبداد السياسي‮ ‬أصل الداء وأساس البلاء‮ ‬ولا حل إلا بتفكيك بنية الاستبداد وترسيخ الفكر والثقافة الديمقراطية‮.‬
‮(‬3‮) ‬العامل الفكري‮: ‬أصحاب هذه المدرسة من نقاد الفكر العربي‮ ‬يرون أن العلة الأساسية في‮ ‬الإخفاق العربي‮ “‬العقلية العربية‮” ‬المحكومة بأوهام الماضي‮ ‬الزاهر‮ ‬لا تعيش عصرها‮ ‬تعيد إنتاج مقولات القدماء وتبحث في‮ ‬الماضي‮ ‬حلولاٍ‮ ‬لمشكلات الحاضر‮ ‬لا تؤمن بالتعددية فتقصي‮ ‬الآخر وتضيق برأيه ظناٍ‮ ‬بتملك الحقيقة الكاملة والصواب المطلق‮ ‬كما أن هذه العقلية تنزع إلى تمجيد الذات وتعظيم محاسنها في‮ ‬مقابل الانتقاص من الآخر والمغالاة في‮ ‬إظهار سلبياته‮!‬
‮(‬4‮) ‬العامل التربوي‮: ‬يشكو التربويون من أن نظامنا التربوي‮ ‬لا‮ ‬يؤهل الأفراد للبناء والتنمية والإنتاج وأبرز من تصدى لهذه المشكلة هشام شرابي‮ ‬في‮ ‬دراسته للمجتمع العربي‮.‬
‮(‬5‮) ‬العامل التعليمي‮: ‬شخِص خبراء التعليم نظامنا التعليمي‮ ‬بأنه لا‮ ‬يؤهل الخريجين للانفتاح على معطيات العصر والتفكير العلمي‮ ‬الناقد بسبب آفتي‮ ‬التلقين والرأي‮ ‬الأحادي‮.‬
‮(‬6‮) ‬العامل العلمي‮ ‬التقني‮: ‬يرى أنطوان زحلان أن التحديات التي‮ ‬واجهت العرب خلال الخمسة قرون الماضية تحديات علمية تقنية لم تجد استجابة مناسبة من العرب بدءاٍ‮ ‬من سنة‮ ‬1498‮ ‬ومن خلال‮ ‬5‮ ‬سفن حاملة للمدافع تمكنت البرتغال من السيطرة على الخليج‮.‬
‮(‬7‮) ‬العامل الاجتماعي‮: ‬ويقصد به هامشية دور المرأة المجتمعي‮ ‬في‮ ‬ظل سيادة النظام الأبوي‮ ‬والمستقر في‮ ‬أدبيات التنمية‮: ‬أن النهضة مرتبطة بوضعية المرأة المجتمعية ارتقاء أو نزولاٍ‮.‬
‮(‬8‮) ‬العامل الاقتصادي‮ ‬الريعي‮: ‬اليساريون‮ ‬يرون أن علة الإخفاق كامنة في‮ ‬بنية المجتمعات العربية القائمة على الدخل الريعي‮ ‬وعلى العقلية الريعية المتغلبة على مراكز الإنتاج في‮ ‬الوطن العربي‮ ‬والريع‮ ‬يمثل نوعاٍ‮ ‬من الدخل‮ ‬غير المرتبط بقيم الإنتاج وبذل الجهد وتحمل المخاطر والحضارات السابقة ومنها العربية والإسلامية كانت ريعية وغير تنموية لا تعرف أساليب نماء الثروة إلا بما تأخذه من‮ ‬غيرها عبر أساليب الغزو والتغالب والتوسع وجموع الأسرى الذين‮ ‬يتجولون إلى أرجاء‮ ‬يباعون كالبضائع والبهائم وتْسبى النساء وتْباع كالأغنام‮.‬
‮(‬9‮) ‬العامل الخارجي‮: ‬المتمثل في‮ ‬التآمر الغربي‮ ‬الصهيوني‮ ‬ضد وحدة الأمة العربية وتقسيم أوطانها وتعطيل تنميتها واستنزاف ثرواتها والتحكم في‮ ‬مْقدِراتها‮.‬
‮(‬10‮) ‬عامل التأزم السياسي‮: ‬كما‮ ‬يراه المفكر البحريني‮ ‬محمد جابر الأنصاري‮ ‬في‮ ‬كتابه‮ “‬العرب والسياسة‮: ‬أين الخلل¿‮” ‬فعلة العلل تكمن في‮ “‬الإخفاق المستمر في‮ ‬إدارة الأزمة السياسية في‮ ‬الانتقال السلمي‮ ‬للسلطة منذ انتهاء الخلافة الراشدة‮” ‬بسبب‮ ‬3‮ ‬محددات‮: ‬عامل التجزئة السياسية بفعل الاجتياح الرعوي‮ ‬والفراغ‮ ‬الصحراوي‮ ‬وعامل الانفصال بين مجتمع‮ ‬ينتج الحضارة وسلطة رعوية حاكمة تنتج السلطة‮ ‬وعامل الرفض والإدانة للدولة القْطúرية من قبل القوميين باعتبارها مؤامرة استعمارية‮.‬
‮(‬11‮) ‬العامل الثقافي‮: ‬وأخيراٍ‮ ‬فإن المفكر السعودي‮ ‬إبراهيم البليهي‮ ‬يرى أن المعوق الثقافي‮ ‬هو المعوق الأم‮ ‬ويشرح البليهي‮ ‬ذلك بقوله‮: “‬الثقافة العربية كسائر الثقافات التقليدية‮ ‬يتشربها الأفراد‮ – ‬تلقائياٍ‮ – ‬من بيئاتهم ويتبرمجوا بها منذ الطفولة‮ ‬فتحتل عقولهم وتصوغ‮ ‬عواطفهم وتوجه سلوكهم ثم‮ ‬يأت التعليم ليرسخ قناعاتهم ويشحن عواطفهم وتوهمهم بأن ما هم فيه من أوضاع وتقاليد وثقافة هي‮ ‬الأفضل مقارنة بالثقافات الأخرى‮ ‬فتشكل حاجزاٍ‮ ‬نفسياٍ‮ ‬منيعاٍ‮ ‬ضد إرادة التغيير‮ ‬فهم قد امتصوا أوهام الامتياز وشحنوا به عقولهم‮ ‬فلا‮ ‬يخضعونه للفحص والتمحيص ولا‮ ‬يغيرون طريقة تفكيرهم ولا‮ ‬يتقبلون الأفكار الجديدة‮ ‬لأن العقل‮ ‬يحتله الأسبق إليه وهذا الأسبق‮ ‬غالباٍ‮ ‬الثقافة التلقائية المعروفة‮ ‬وهكذا تواصل الثقافة التقليدية الدوران في‮ ‬نفس مساراتها وتعيد إنتاج ذاتها‮ ‬وتجهل أسباب الإعاقة الحضارية لمجتمعاتها وتكتفي‮ ‬باستهلاك المنجزات الحضارية التي‮ ‬أبدعتها المجتمعات المزدهرة‮ ‬فعجز الثقافة المغلقة عن رؤية أسباب الإبداع الجديد ومعوقات الخلل وعوامل الإخفاق‮ ‬يمثل عجزاٍ‮ ‬بنيوياٍ‮ ‬لا عرضياٍ‮ ‬وهذا ما‮ ‬يثبته عجز مجتمعاتنا على مدى قرنين وهي‮ ‬تحاول النهوض وقد أنفقت الكثير من المال والجهد لتحقيق التقدم لكنها أخفقت ومع ذلك فهي‮ ‬مغتبطة بأوضاعها توهْماٍ‮ ‬أنها خير أمة‮!..<‬
عن‮ »‬الاتحاد الإماراتية‮«‬

Share

التصنيفات: منوعــات

Share