Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

عباقــرة ومجانـــــين! تركوا بصمات واضحة في تاريخ الفكر الإنساني!

تب/ نيـــــزان توفيـــق

ليس كل عبقري مجنونا وليس كل مجنون عبقريا أن أزمة المجنون تبدو مجانية ولا تؤدي إلا إلى الهذيان الفارغ والتدمير المستمر من هذه الرؤية انطلق الكاتب الكبير رجاء النقاش ليقدم لنا كتابه المدهش عباقرة ومجانين الصادر عن دار أطلس للنشر والإنتاج الإعلامي.. حيث قال المؤلف في مقدمة الكتاب: اخترت عنوان هذا الكتاب من واقع الشخصيات المعروضة على صفحاته فهم عباقرة أو مجانين وبين العبقرية والجنون خيط رفيع فالعبقرية استثناء وخروج عن المألوف وكذلك الجنون ولكن العبقرية تبني وتضيف عناصر إيجابية إلى حياة صاحبها وحياة  الناس  أما الجنون فهو تدمير لصاحبه ومحاولة لتدمير  الآخر ولعلنا بالفهم والمعرفة والثقافة نقف في وجه الجنون ونستفيد من العبقرية.

ولقد استعرض المبدع الكبير رجاء والنقاش حياة »361« من العباقرة والمجانين تركوا بصمات واضحة في تاريخ الفكر الإنساني..

 

 وأكد المؤلف أن منهج الكتاب يقوم على أساس السياحة الروحية المتنوعة في الحياة والفن والتاريخ.. فتجده  يرحل بك من الوطن العربي إلى بلدان العالم المختلفة من العصر الحديث إلى القديم من الأدب والفلسفة إلى السياسة وهكذا..

بدأ رجاء النقاش كتابه بتقديم السيرة الذاتية الأولى لشاعره معروفة في التاريخ هي »سافو« وهي يونانية عاشت في الفترة بين 610و560 قبل ميلاد السيد المسيح أما مكان ميلادها فهو جزيرة ليسوس اليونانية ولقد قال أفلاطون مشيرا إلى الأساطير اليونانية يقولون إن ربات الشعر تسع ألا ما أعظم غباءهم فليعلموا أن سافو هي العاشرة..

ولو تتبعنا حياة »سافو« لعرفنا أنها أصبحت معروفة بقدرتها الفنية العالية قبل أن تبلغ العشرين وكان لها نشاط سياسي مؤثر ما أدى  بها إلى التعرض للنفي مرتين وبعد أن عادت من منفاها الثاني الذي استمر خمس سنوات تزوجت من تاجر ثري ولكنه توفي بعد سنوات قليلة من الزواج فورثت عنه ثروة ضخمة الأمر الذي ساعدها على فتح أول مدرسة معروفة في التاريخ لتعليم الفتيات فنون الشعر والموسيقى والرقص وكانت سافو في هذه المدرسة هي الأستاتذه الأولى والوحيدة لأنها شاعره وذات موهبة موسيقية كبيرة وصاحبة صوت جميل وجذاب ومن المعروف أنها أضافت وزنا جديدا إلى الأوزان الشعرية التي كانت شائعة في  عصرها وهو معروف حتى الأن باسمها »الوزن السافوني«.

كانت علاقة »سافو« بتلميذات مدرستها علاقة حميمة مليئة بالعاطفة القوية المندفعة وبسبب هذا نشأت تلك  الشائعات عن شذوذ الشاعره ولذلك فقد أمرت الكنيسة سنة 1079 ميلادية بإحراق اشعارها جميعا وما بقي من شعرها لا يزيد على ستمائه بيت فحسب.

عبقري آخر

وبين العبقرية والجنون يقدم لنا النقاش نموذجا آخر للعذاب الذي يتعرض له العباقرة من أجل تحقيق أهدافهم كالأديب الفرنسي »بلزاك« الذي ولد في سنة 1799م في مدينة تور الفرنسية واسمه الكامل أونريه دي بلزاك وقد نشأ في أسرة تعاني الاضطراب وعدم  التماسك حيث  كانت أمه أصغر من أبيه باثنين وثلاثين عاما وكانت عصبية وقاسية أما الأب فيعيش مع خيالاته أكثر مما يعيش في واقع حياته وعندما دخل المدرسة كان تمليذا بليدا مصابا بدأ السرحان الدائم في أثناء الدروس ومع ذلك استطاع أن ينهي دراسة القانون انتقل إلى باريس وكان يحلم بأن يكون مثل نابليون وأن يحقق بقلمه ما حققه نابليون بسيفه فبلزاك مصر إلا أن يكون أديبا.

وكانت مشكلة بلزاك الأساسية هي أنه بحاجة إلى المال لكي يتفرغ للكتابه الأدبية ويستطيع أن يجد طعامه ويدفع إيجار غرفته المتواضعة جدا لذلك قد أن ينتحر ويتخلص من حياته لولا السيدة »دبيروني« التي أحبته وانقذته من الانتحار  ولأنه لم يجد حلا للمشكلة المالية فكر في أن يدخل ميدان الأعمال التجارية ودخل بالفعل فأنشاء دارا للنشر ومطبعه وعمل في استيراد الأخشاب ولكن هذه المشروعات جميعها فشلت وأغرقته في الديون.

هكذا لم يبق أمام بلزاك إلا أن يعمل بالكتابه وبالفعل اندفع نحو الكتابه بجنون وكان يعمل أربع عشرة ساعة في اليوم الواحد ويسرف في تناول القهو ة فانهارت جحته بصورة سريعة ولكنه انتج إنتاجا غزيرا.

لا مثيل له في فخامته إذ كتب ما يقرب من سبعين رواية في أقل من ثلاثين سنة ولعل من أهم أعمال بلزاك السلسلة الروائية المعروفة باسم الكوميديا الإنسانية« وبين هذه السلسلة روايتان مشهورتان في الأدب العالمي هما »أوجيني غرانديه« و»الأب جوريو« وفي سنة 1850م كان بلزاك قد وصل إلى قمة الشهرة والمجد وبدأ يجني ثمار عبقريته حيث أثث بيتا فاخرا في باريس وتزوج إحدى معجباته هانسكا« ولم يمض على هذا الزواج سوى ثلاثة شهور حتى سقط بلزاك ميتا قبل أن يتم عامه الثاني والخمسين.

مجانين

وبعد أن عشنا مع أحد العباقرة الذين قدمهم لنا الكاتب الكبير رجاء النقاش سنكمل عرض الكتاب بتقديم نموذج لحكام طغاة اجتمعوا على شيء واحد وهو »حريق الثقافة« وقتل المفكرين والغاء الرأي الحر ولقد قال أحد المسؤولين النازيين مسؤول لجنة المسرح« إنني أحس بالرغبة في إشهار مسدسي لإطلاق النار كلما استمعت إلى شخص يتفوه بكلمة الثقافة أمامي لقد كان نيرون وهو طاغية مجنون حكم روما من سنة 54 إلى سنة 68 ميلادية يضيق بأي رأي مخالف لرأيه حتى لو جاء من أقرب الناس إليه وبدأ له ذات يوم في نشوة الطغيان والجنون أن مدينة روما ليست جميلة وأنها لابد أن تزول من الوجود لتحل محلها مدينة أخرى رائعة ولذلك قام بإشعال النار في روما سنة 64 ميلادية.

ولعل أهم نموذج الصراع بين الطغيان من جانب والفكر والثقافة من جاب آخر يتمثل في شخصية هتلر حيث كان يكره العقل الحر والفكر المستنير ويرى أن المصدر الأساسي للفكر والرأي هو عقل الزعيم الطاغية هتلر لأنه يفكر بالنيابة عن الجميع وعلى كل مواطن أن يكون في تفكيره وتصرفاته صورة مصغرة من الزعيم الأوحد للبلاد ولذلك أقام حدثا فريدا من نوعه في تاريخ الإنسانية وهو حريق الثقافة الذي أقيم كأنه احتفال وطني حيث شهدت برلين  في العاشر من مايو 1933م عرضا قام به ألوف من الطلاب يحملون المشاعل عند منتصف الليل ووصلوا إلى ساحة عامة تقع مقابل جامعة برلين وسرعان ما اشتعلت النيران في كومه هائلة من الكتب وضعت في الساحة وقد بلغ عدد ما أحرق من الكتب نحو عشرين ألفا.

ختاما

ومما سبق بعض الشخصيات التي جاءت في كتاب رجاء النقاش الذي جاء في »351« صفحة والذي يهدف من خلاله النقاش إلى أن »أثير عند الشباب شغفا بالثقافة وشهية للقراءة واحساسا بأن عالم الثقافة هو نفسه عالم الحياة التي يعيشها الإنسان..

Share

التصنيفات: ثقافــة

Share