Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

أد على ضرورة قبول الآخر في إطار تعايشي د. العلواني: ائتلاف الأمة وبقاؤها يربو فوق إزالة المنكر

تب/ عبده حسين :

 

يؤكد الدكتور مصطفى جابر العلواني – أستاذ النظرية السياسية والفكر السياسي الإسلامي – بالمعهد العالي للتوجيه والإرشاد على أن أئتلاف الأمة وبقاءها يربو فوق إزالة المنكر مستدلاٍ بقول أبن القيم »إذ كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره وإن كان الله يبغضه يمقت أهله وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم فإنه أساس كل شر وفتنة« ومثله كان مقصد رسول الله »ص« في ترك الكعبة دون إعادتها إلى قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام فيه من مقاصد الحفاظ على وحدة الأمة بما لا يثير فيها الأختلاف ولا الفتنة ما لا يخفى أثره.

 

مشدداٍ على أن من أدق مقاييس صحة الاختلاف في ما كان من تاريخ الأمة وحدتها وتآلف المسلمين فيها دونما صراع فيكون عندها الاختلاف محموداٍ جسراٍ يوصل إلى الحق والتصالح عليه لا سيما في حال تحكيم الوحي وهيمنته..

 

في البدء تحدث قائلاٍ: بما أنِ الإسلام هو مضمون الرسالة التي شكِلت مضمون الدعوة ومادِتها وغايتها وأنِ المخصوص بها هو الإنسان – كلْ إنسان- فلا بدِ أن يكون تحقيق الدعوة كامناٍ في توجيه خطاب يحملها ويحمل مضمونهاولكن في إطار خطابيُ يجعل الدعوة عمليِةٍ اتصاليِةٍ بين طرفين:حاملُ لمضمونها عارفُ بها وقاصدُ غيرِه ممِن هم من أشخاص الرسالة والدعوة ومضمونها وهم المدعوون ممِن يجهل المضمون أو لا يعمل بمقتضاه والغاية منها تبليغه الرسالة بتعريفه مضمونها ومقتضاه.

 

وبعد أن أنعم الله تعالى على النبيْ عليه الصلاة والسلام بالإسلام لرب العالمين بما كان من تحقْق قراءته باسم ربه الذي خلق أمره الله تعالى بأن يقرئ الناس كافِةٍ ما يتنزِلْ عليه من القرآن ويتحقِق ذلك بدعوتهم قال تعالى: ((يِا أِيْهِا النِبيْ إنِا أِرúسِلúنِاكِ شِاهدٍا وِمْبِشرٍا وِنِذيرٍا))(الأحزاب:45) وقد كان ومن ثمرته ودلائله إسلامْنا.

 

وبناءٍ على ما كان من أمر الله تعالى رسولِه عليه الصلاة والسلام بتبليغ رسالته الناس جميعاٍ وتلبيةٍ لعالمية الخطاب القرآني وعموم الشريعة كان لا بدِ أن تمتدِ مهمة التبليغ لتبلغ المؤمنين قال تعالى:((قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومِن اتِبعني…))(يوسف:108)وقد جاء التكليف بالدعوة عاماٍ للمؤمنين بخطاب الجمع المؤمن مباشرةومنهم الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله تعالى:((كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله))(آل عمران: 110) ولابدِ من تقيد الداعي بمراد الله تعالى وبالدعوة إلى سبيله وإلا خرج الداعي عن دائرة الإيمانقال تعالى:((المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف…))(التوبة: 67)

 

وفي صحيح البخاري “عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم -أنه قال-: بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب علي متعمداٍ فليتبوأ مقعده من النار”.

 

مضيفاٍ أن الواجب في الدعوة تحقيق بلوغ كنههِا ومرادهِا والأدلِة المسوغِة لتشغيلها وليس تحقق الاستجابة بالهداية من المدعو فالسعيْ للهدى متِصل بالمدعو ومترتب على اختياره هو ولا يكون للداعي إلزامه بمقتضاها قال تعالى:((لا إكراه في الدين…))(البقرة:256) والكفاية تتحقق بوقوع البلاغ.

 

والبلاغ له معانُ: منها: الوصول من البلوغ والفصاحة والبيان من البلاغة والنضوج من البلوغ قال تعالى:((…وما على الرسول إلا البلاغ المبين))(النور:54) والخطاب الموجه لدعوة الآخرين من أحسن ما يقوله المؤمن ولاسيما حال وجود الطغيان وتمكنه قال تعالى: ((ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحاٍ وقال إنني من المسلمين))(فصلت:33) فمكانة الداعي تتحصِل مما وصفته به الآية: فهو مؤمن ويعمل الصالحات وقد وِالِى المسلمين وصرح بانتمائه على سبيل الدعوة بأنú ينسب فضل إيمانه وعمله الصالح لانتمائه لأمة المسلمين فهو يدعو الناس ليكونوا أعضاء في أمة الدعوة العالمية ويحببها إليهم.

 

 ومن مؤهلات الداعي للدعوة العلم وتقديم العلم على العمل يعين في تحديد مقاصد العمل ومنهج تنفيذه وفق ما يريده الله تعالىº فعاقبة الجهل الزلل والانحراف والقصور في الأداء فتنحرف الدعوة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتكون الدعوة شراٍ لا خيراٍ وعلى الداعي إذن أن يدعو على بصيرة وعلم)) قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة…))(يوسف:108)وفضل العلم أكده القرآن الكريم والسنة المطهِرةْ: قال تعالى: ((يرفع الله الذين آمنو منكم والذين أوتوا العلم درجات))(المجادلة :11) وفي الحديث: ((من يْرد الله به خيراٍ يفقهه في الدين))º فكانت الدعوة بمثابة الشهادة لله تعالى(شِهدِ اللِهْ أِنِهْ لا إلِهِ إلاِ هْوِ وِالمِلائكِةْ وِأْولْو العلúم قِائمٍا بالقسúط لا إلِهِ إلاِ هْوِ العِزيزْ الحِكيمْ)) (آل عمران:18) وأن  يتحلِى الداعي بسمِة المؤمن فيشعْ إيمانه: محبة للناس وحكمة وليناٍ وصبراٍ.

 

وقد أكِد القرآن الكريم والسنة المطهرة على سلامة الفطرة الإنسانية وقد شهدت لربها بالوحدانية قال تعالى: ((وِإذú أِخِذِ رِبْكِ منú بِني آدِمِ منú ظْهْورهمú ذْريِتِهْمú وِأِشúهِدِهْمú عِلِى أِنúفْسهمú أِلِسúتْ برِبكْمú قِالْوا بِلِى شِهدúنِا أِنú تِقْولْوا يِوúمِ القيِامِة إنِا كْنِا عِنú هِذِا غِافلينِ))(الأعراف: 172) ولهذا وصفت الدعوة إلى التوحيد “بالتذكرة” لأنِ التوحيد قد أدركته الفطرة من قبل وبما أنِ الله تعالى ضمن التنزيل منظومة القيم الكلية وأدرجها في إطار القيم بقوله: ((إنِ اللِهِ يِأúمْرْ بالعِدúل وِالإحúسِان وِإيتِاء ذي القْرúبِى…))(النحل:90) أو في إطار أضداد القيم بقوله: ((…وِيِنúهِى عِن الفِحúشِاء وِالمْنúكِر وِالبِغúي يِعظْكْمú لِعِلِكْمú تِذِكِرْونِ))(النحل: 90) فكانت معرفة الاستقامة من الانحراف أمراٍ قريباٍ من الإنسان وأن يتآلفوا على تفعيل القيم ومقتضياتها وعلى تهميش وتجاوز أضداد القيم ومنزلقاتها يسوغه ويدعمه وجود القرآن محفوظاٍ في الأمة.

 

 ومع ما سبق إلا أنِ الأمة قد أصيبت بداء الاختلاف والمخالفة فاستشرى الداء حتى بلغ: العقائد والعبادات والأفكار تجاوزاٍ لحقيقة الإسلام كونه الجامع للمسلمين المانع دون وقوع الاختلاف وبلوغه مستوى التنازع أو تفاقمه إلى مستوى الصراع إذا ما ردوها إلى  الله ورسوله عليه الصلاة والسلام.

 

– الاختلاف سنة ربانية: وتضرب جذور الاختلاف إلى سنن الله في خلقه ولاسيما لدى الإنسان بل شكِل الاختلاف آيةٍ بينةٍ على وحدة الخالق جلِ شأنه ((وِمنú آيِاته خِلúقْ السِمِاوِات وِالأِرúض وِاخúتلافْ أِلúسنِتكْمú وِأِلúوِانكْمú إنِ في ذِلكِ لآيِاتُ للعِالمينِ)) (الروم:22) وقد روعي التفاوت في القدرات وفي الوسع في الشريعة وعْدِت من مسوغات التفاوت في التكليف ومن مبررات الرخص.

 

– من مقاصد سنة الاختلاف: وإذا كان اختلاف الألسن والألوان من آيات الله  فإنِ اختلاف مداركنا وعقولنا وما تثمره آية هي الأخرى وهي من مبررات التساخر والتعاون والتكامل وصولاٍ إلى تحقيق وظائف الإنسان في الأرض وتحقيق غايات استخلافه فيها.

 

-المقصود بالاختلاف: هو المغايرة في الاعتقاد أو القول أو الرأي أو الهيئة أو الموقف ولا يبلغ الاختلاف درجة السوء إذا تقيِد بآدابه فكان من دواعي البحث عن الحق وعن الموقف القريب له ومن أدق مقاييس صحة الاختلاف في ما كان من تاريخ الأمة: وحدتْها وتآلفْ المسلمين فيها دونما صراع فيكون عندها الاختلاف محموداٍ فيكون جسراٍ يوصل إلى الحق والتصالح عليه ولاسيِما في حال تحكيم الوحي وهيمنته.

 

 ويرتقي الاختلاف إلى الجدل إذا ما حاول طرف ما الدفاع عن موقفه وحاول إقناع الآخرين به هادفاٍ من ذلك المنازعة والمغالبة وقد يبلغ الاختلاف الشقاق: بتمسْك كلُ من المختلفِين بما يرى ويعتقد دون أن يسلما للحق فيفصل بينهما حاجز التقوقع على الذات ورفض الآخر فيتعدى الاختلاف المواقف إلى الأشخاص.

 

– أثر الاختلاف في تشغيل الدعوة: ينبغي أن يحرك الاختلاف في الفهم وفي معرفة الوحي إلى تشغيل العملية الاتصالية الخطابية بين من يدعي أنه الأقرب إلى العلم وحقائقه وإنú افترض أن الآخرِ المخالفِ جاهلاٍ فليس ذلك مدعاةٍ للتعالي عليه بل يوجب على الأعلم دعوة الجاهل وعلى الأقرب للحق دعوةِ المخالف للحق وأن تكون الدعوة سائرة في مسارين: التخلية عن المخالفة والتحلية بالمطابق للوحي ولنعتبر من مشاهد سورة التوبة التي ترفع المشرك المتربص بدماء المسلمين إلى مصاف التآخي في الدين بكلمة واحدةُ هو قائلها فيتحول بسيفه الذي أثخن في المسلمين الجراح ليكون واحداٍ من لبنات صف المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم قال تعالى: ((فِإنú تِابْوا وِأِقِامْوا الصِلاةِ وِآتِوْا الزِكِاةِ فِإخúوِانْكْمú في الدين وِنْفِصلْ الآيِات لقِوúمُ يِعúلِمْونِ)) (التوبة:11).

 

– مقاصد الاختلاف: يأتي الاختلاف “اتباعاٍ للهوى” للتباهي والتفاخر وهو مذموم كلْه ومذمومةَ دوافعه وعواقبه ومخذولَ صاحبه بمجانبته الحقِ إلى الباطل فالهوى ضدْ العلم ونقيض الحق ورديف الفساد قال تعالى: ((وِإنú تْطعú أِكúثِرِ مِنú في الأِرúض يْضلْوكِ عِنú سِبيل اللِه إن يِتِبعْونِ إلاِ الظِنِ وِإنú هْمú إلاِ يِخúرْصْونِ))(الأنعام:116) ويعرف تأثير الهوى في موقف ما: بابتعاده عن صريح الوحي ومناقضته لمقتضيات الفطرة السليمة ولتحكيم شريعة الله تعالىومن الاختلاف ما يكون بدافع “إحقاق الحق” وقد دِفِعِ إليه العلمْ وأوقدته الغيرة على الحق سعياٍ لنصرته فهو من الواجب على المسلم تشغيله ضدِ من كفر أو أشرك أو دخل في النفاق ومنها اختلاف المسلم مع أهل الأديان الأخرى والعقائدومن الاختلاف ما يكون في قضية فرعية تقبل تعدد الأحكام إزاءهاكاختلاف العلماء في القراءة خلف الإماموقراءة البسملة قبل الفاتحة.

 

-الموقف من الاختلاف: الاختلاف منهيَ عنه بصريح النص وفق قوله تعالى: ((فِأِقمú وِجúهِكِ للدين حِنيفٍا فطúرِةِ اللِه الِتي فِطِرِ النِاسِ عِلِيúهِا لا تِبúديلِ لخِلúق اللِه ذِلكِ الديúنْ القِيمْ وِلِكنِ أِكúثِرِ النِاس لا يِعúلِمْونِ*مْنيبيúنِ إلِيúه وِاتِقْوهْ وِأِقيمْوا الصِلاةِ وِلا تِكْونْوا منِ المشúركينِ*منِ الِذينِ فِرِقْوا ديúنِهْمú وِكِانْوا شيِعٍا كْلْ حزúبُ بمِا لِدِيúهمú فِرحْونِ)) (الروم:30-32) والاختلاف أمر مبتدِع في ذاته ولا يمتْ إلى منهج الرسول عليه الصلاة والسلام بصلةُ فهو بعيد عن إرادة الله الشرعية ومذموم وفق قوله تعالى: ((إنِ الذين فرِقوا دينهم لست منهم في شيء…))(الأنعام:159) وفي الحديث الشريف:  ((…فإنما هلكت بنو إسرائيل بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم)).

 

والأمة في أصل نشأتها صيغت بتآلف القلوب والمؤلف بينها هو الله تعالى بإيمانهم به وكثيراٍ ما نهى رسول الله عليه الصلاة والسلام عن الاختلاف فقال: ((لا تختلفوا فتختلف قلوبكم)) وقد درج الصحابة على نبذ الخلاف وعلى ذمه وذم عواقبه بما كان من تعليم رسول الله عليه الصلاة والسلام لها فقد خرج رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى رجلين اختلفا في آيةُ وقد بدا عليه الغضب فقال: ((إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم في الكتاب)) .

 

-الاختلاف في فهم النص: الاختلاف في فهم النص أمر طبيعيَ شهده تأريخ المسلمين ويشهده واقعهم وسيشهده مستقبلهم ومع أنِ للنص القرآني لسانِه ولغتِه الخاصة به والتي تميزه عن سواه من النصوص في” لفظه ومعناه ومبناه” إلا أنِ استخدامنا للغة يبقى له أثره في فهمنا للنص وفي تأويلنا له ما بقيت قراءة النص ذاتْها ومع أننا مختلفون في التأويل فإنِ الله تعالى يقبل منا جهدنا ما خلصت فيه نوايانا وصلحت إزاءه منا سرائرنا وبذلنا وسعِنا في تدبْره.

 

– مراعاة أدب الاختلاف سنة نبوية ثابتة:  وكان عليه الصلاة والسلام يعلم أصحابه أدب الاختلاف حتِى على قراءة القرآن وعلى معانيه فأمرهم بترك أسباب الاختلاف وإن كان قراءة القرآن حتى تهدأ نفوسهم وتستقرِ منهم الخواطر »اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم فإذا اختلفتم فيه فقوموا« ودرج الصحابة الكرام على هدي معلمهم عليه الصلاة والسلام فكانوا يتحاشون الاختلاف وإن وقع ردوه إلى حكم الله تعالى ورضوا به وقبلوا ما كان أقرب للحق من الآراء والمواقف بنفسُ هادئة ونية صادقة وتحرُ رشيد.

 

– مواقف الاختلاف بين الصحابة: مع ان الصحابة الكرام اختلفوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن خلافهم لا يبلغ أبعد من قول الرسول الكريم للفصل فيه ثمِ اختلفوا من بعده- فدته نفسي-لكنهم بلغوا ما ينهي اختلافهم على قاعدة رده إلى الله ورسوله ومنها اختلافهم في تحقْق وفاته عليه الصلاة والسلام وفي مكان دفنه وفي خلافته وفي قتال أهل الردة من مانعي الزكاة إلا أن اختلافهم كان مبنياٍ على نواياهم الصادقة لبلوغ الحق ولم يكن اختلافهم إلا لغياب الوضوح في موقف الشريعة مما اختلفوا عليه أو لغياب الدليل عن بعضهم.

 

متسائلاٍ: ما الذي ينبغي مراعاته في اختلافنا¿ مما سبق يتضح أنِ الاختلاف أمر واقع  وقابل للاتساع ولابدِ من تجنب تكريسه أو تعميقه أو تصعيده فتغثو الأمة بسببه ويغيبú فاعليِتِهِا فلا بدِ من التأدْب بأدب الاختلاف واحترام الآخرين من الذين نختلف معهم وأن لا نحكم على غيرنا بالجهل ونحكم لأنفسنا بادعاء العلم فالله تعالى وحده هو العالم الذي يمتلك مفاتح الحق وأن نحتاط من رواسب الاختلاف الموروث من الحقب التي مرت الأمة بها في خلافات سياسية.

 

ولابدِ من قبول الجماعات التي دبِ بينها الاختلاف المخالف لها وأن تعتبر وجوده طبيعياٍ ولا تعدْه شاذاٍ ولا مبتدعاٍ بل تقيد موقفه ورأيه بمستوى فهمه وتأويله للنص ولابدِ من قبول التعدْد والتنوع مبدءاٍ في التعايش بين المسلمين أفراداٍ وجماعات وأن يْصارِ إلى تشغيل وقبول مفهوم الائتلاف الذي يتضمن قبول الآخر كما هو في إطار تعايشي مقبول لا يتجاوز ثوابت الإسلام وأن لا يصار إلى الدعوة إلى الوحدة المرادفة لمعنى التفرد وليس التجميع لأن الوحدة بهذا المعنى تلغي المخالفين ولا تسمح إلا بالرأي المنفرد وعلينا إذن: مراعاة النص وحكمه ومراعاة وجود المخالف فنكون إزاء التسديد والمقاربة وثمة قاعدة ذهبية تنسب إلى رشيد رضا تبنى على بْعدين:

 

الأول: ما نتفق عليه مع الآخرين: نعمل به سويةٍ.

 

الثاني: وما نختلف عليه: يعذْرْ بعضنا بعضاٍ عليه.

 

 وثمة أصول استنبطها بعض الباحثين من مواقف شيخ الإسلام ابن تيمية في إطار الاختلاف على البدع تندرج في الآتي:

 

(1) الاعتذار لأهل الصلاح والفضل عن زلاتهم وحمل كلامهم على الوجه الأحسن.

 

(2) عدم تأثيم مجتهد أخطأ في مسائل أصولية أو فرعية.

 

(3) عذر المبتدع لا يبرر بدعته بل يسوغ الإنكار عليه في حدود الأدب.

 

(4) لا يحكم على المبتدع أنِه من أهل الأهواء والبدع ولا يعادِى إلا إذا كانت مشتهرةٍ مغلظة عند أهل العلم بالسنة.

 

(5) لا يجزم بالحكم بهلاك مخالف في الاعتقاد وغيره ولا على طائفة بأنها من الفرق الضالة الثنتين والسبعين إلا إذا كانت المخالفة غليظةٍ.

 

(6) التحري في حال الشخص المرتكب لموجب كفر أو فسق لإقامة الحجة عليه.

 

(7) الحرص على تأليف القلوب واجتماع الكلمة وإصلاح ذات البين وأن لا يسبب الخلاف نقض عرى الأخوة والولاء والبراء بين المسلمين.

 

(8) إنصاف المبتدعة بذكر محامدهم ومذامهم وقبول ما عندهم من حق ورد الباطل وهذا هو سبيل الأمة الوسط.

 

(9) رعاية شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالأمر بالسنة والنهي عن البدعة وتقديم الأهم

 

(10) مشروعية عقوبة الداعي للبدعة بما يزجره عن إفساده غيره.

 

(11) صحة الصلاة خلف المبتدع ولاسيما بغياب المتبع.

 

(12) قبول توبة الداعي إلى البدعة.

 

مشيراٍ إلى أن هناك مسألتان بين: مراعاة أصول الدعوة ودرء الاختلاف:

 

المسألتان الأولى: تتصل في إزالة المنكر فمع ثبات وجوب إنكار المنكر وأنه يزال إلا أن أمر ائتلاف الأمة وبقاءِها يربو فوق إزالة المنكر وبمثله قال ابن القيم يرحمه الله: بقوله: ” إذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنِه لا يسوغ إنكاره وإن كان الله يبغضه يمقت أهله وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم فإنه أساس كل شرُ وفتنةَ إلى آخر الدهر.” ومن مثله كان مقصد رسول الله عليه الصلاة والسلام في ترك الكعبة دون إعادتها إلى قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام فيه من مقاصد الحفاظ على وحدة الأمة بما لا يثير فيها الاختلاف ولا الفتنة ما لا يخفى أثره.

 

المسألة الثانية: ما كان من تحديد مرتكزات الدعوة بما يحفظ وحدة المسلمين ويحول دون استفزاز المدعو منهم واستثارة جاهليته فكان أن جعلت أبرز المرتكزات للخطاب الدعوي في: الانفتاحية على الآخر ومراعاة التيسير ورفع الحرج ومراعاة التدرج في التطبيق والتنزيل.

Share

التصنيفات: نور على نور

Share