Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

د.هشام الشميري: الإستقرار القانوني ودوره في دعم وتشجيع الاستثمار

تحتاج معظم الدول إلى الاستثمار سواءً الوطني منه أم الأجنبي؛ لكونه يستطيع أن يؤدي دوراً أساسياً في عملية تنمية الدول المضيفة له، فهو يمكّنها من استغلال مواردها الطبيعية، كما يسهم في تنمية بنيتها التحتية وفي تدريب الأيدي العاملة المحلية وتنمية مختلف الصناعات وتطويرها من خلال ما يقدمه من أصول متنوعة، منها رأس المال والتكنولوجيا والقدرات والمهارات الإدارية والوصول إلى الأسواق الأجنبية، كما يعزز بناء القدرات التكنولوجية اللازمة للإنتاج والابتكار وروح المبادرة داخل الاقتصاد المحلي. وباعتبار الاستثمار يمثل أهمية قصوى للدول خصوصاً النامية منها، فإن هذه الدول تعمل جاهدة على توفير ظروف مواتية ومشجعة لجذب الاستثمارات الوطنية والأجنبية على السواء، فالمستثمر بطبيعة الحال يبحث عن الدولة التي تقدم له أفضل الفرص لنجاح مشروعه الاستثماري وحمايته من المخاطر.

وتحرص معظم الدول إعترافاً منها بأهمية الدور الذي يؤديه الاستثمار على توفير ظروف مواتية ومشجعة للاستثمار في أراضيها، حيث تتنافس الدول النامية حالياً فيما بينها من أجل جذب المستثمرين إليها من خلال توفير المناخ الاستثماري الملائم الذي يرتكز على توفير الإطار القانوني الخاص بالاستثمار لما له من دوراً مهماً في تحديد مناخ الاستثمار والفجوة الاستثمارية في الدول، فقد حرصت معظم الدول التي تبحث عن التنمية على تحسين نظامها القانوني من خلال إصدار قوانين الاستثمار لتوفير الحماية لتلك الاستثمارات ومنحها الضمانات والمزايا المختلفة التي من شأنها بث الثقة والطمأنينة وتشجيع المستثمرين على الاستثمار في أراضيها، فالفوائد المتعاظمة التي يوفرها الاستثمار للدولة المضيفة أوجب عليها تشريع قواعد قانونية خاصة منظمة لهذا الشكل من أشكال النشاطات التجارية، مما أدى إلى تجميع عدد من القواعد القانونية التي تتصف بانتمائها إلى أكثر من فرع من فروع القانون في قانون خاص سمي قانون الاستثمار. وإن تشجيع الاستثمار يقتضي وجود نظام قانوني متطور من شأنه أن يرسي الأسس التي تضمن تدفق الاستثمارات على نحو يرعى مصلحتها الوطنية المتمثلة في إنجاز خطوات واضحة في طريق التقدم، كما أن تشجيع المستثمرين الأجانب على الاستثمار في هذه الدولة يقتضي الترويج لفرص الاستثمار ومزاياه الكائنة فيها واطلاعهم على الأوضاع القانونية لأن المستثمر يبحث عن الدولة التي تقدم له أفضل الفرص لنجاح مشروعه الاستثماري وحمايته من المخاطر. كما أن تهيئة الإطار القانوني المناسب للاستثمار في ظل تعاظم حدة المنافسة الدولية على جذب الاستثمارات الخاصة يعد أحد العناصر المهمة لتحسين بيئة الاستثمار واستقرار المعاملات ورفع درجة الثقة في جدارة النظام الاقتصادي ككل، وهذه كلها تمثل شروطاً جوهرية لاستقطاب الاستثمارات الخاصة.

وفي سبيل استقطاب الاستثمارات الأجنبية وتشجيعها وحمايتها جاءت قوانين الاستثمار  بمجموعة من الضمانات والتحفيزات القانونية، أهمها مبدأ الثبات القانوني أو ما يعرف بشرط الاستقرار القانوني الذي كرسته الدولة في نصوصها القانونية والاتفاقية الدولية من أجل تشجيع وجلب الاستثمارات الأجنبية والذي من خلاله تلتزم الدولة بعدم إدخال تعديلات على النصوص القانونية والتنظيمية التي تحكم عقود الاستثمار المبرمة مع المستثمر الأجنبي، كما أن الطرف الأجنبي المتعاقد مع الدولة يسعى هو الآخر إلى ضرورة وجود هذا المبدأ في العقد تجنباً للمخاطر التي تنجم عن التغييرات القانونية التي تحصل داخل الدولة المضيفة والتي قد تضر بمصالحه. ويُعد مبدأ الثبات القانوني من أهم الضمانات التي تمنحها الدولة في مجال الإستثمار لجلب رؤوس الأموال الأجنبية خاصة، حيث يقتضي المبدأ تجميد النص القانوني الذي تم الإستثمار في ظله والذي خضع المستثمر فيه لشروط وحوافز كانت هي الدافعه للاستثمار ومنح المستثمر حصانة ضد النصوص القانونية التي ستصدر لاحقا حماية له من تغيير القواعد القانونية داخل الدولة التي يستثمر فيها. وبناءً على ذلك يعتبر هذا المبدأ من أهم العناصر التي يستند عليها لتحديد درجة الأمن القانوني للإستثمار في الدولة، فمن الضروري تعزيزه وضبطه وتفعيله بشكل دقيق في قانون الإستثمار دون الحاجة لإلغاءه حيث يتم ربطه بمبدأ إعادة التفاوض أو بالتعويض وذلك للمحافظة على الحقوق المكتسبة للطرفين المستثمر والدولة محل الإستثمار.

ويُعتبر الاستقرار القانوني أحد مقومات الأمن القانوني، ومحور اهتمام المستثمر الأجنبي في ظل تزايد تدخل الدول المضيفة في تعديل وتغيير النظام القانوني الذي يحكم الاستثمار بها، مما يؤدي إلى عدم اليقين من القوانين ويؤثر على استقرار الحقوق والمراكز القانونية المكتسبة، وهذا ما يستدعي ايجاد الآليات القانونية اللازمة لتحقيق الاستقرار في هذا المجال قد يكون ذلك بمبادئ عامة في القانون من شأن إعمالها تحقيق الاستقرار القانوني أو باللجوء لآليات خاصة في في شكل شروط يتم إدراجها في عقود الاستثمار أو في الاتفاقيات الدولية أو قوانين الاستثمار الداخلية والتي يكون الهدف منها تحقيق الاستقرار في النظام القانوني للاستثمار الأجنبي، كشروط الثبات القانوني وشروط عدم المساس بالعقد. فالاستقرار القانوني له أهمية كبيرة في ضمان وتكريس حقوق المستثمر الأجنبي وتحقيق توقعاته، كما له دور في تحسين مناخ الإستثمار في الدول المضيفة بما يضمن استقطاب وتدفق الاستثمارات الأجنبية إليها لتحقيق التنمية الاقتصادية، إلا أن الدول المضيفة بصدد ممارستها لسلطاتها وصلاحياتها قد تتسبب في الاخلال بالاستقرار القانوني في مجال الاستثمار الأجنبي، مما يؤدي إلى قيام مسؤوليتها عن التصرفات التي تضر مصالح المستثمر الأجنبي، وهذا ما يحقق الفعالية في النظام القانوني للاستثمار ويضمن لكلا الطرفين تحقيق أهدافهما من عملية الاستثمار.

وإن انعدام الاستقرار القانوني في مجال الاستثمار يؤثر سلباً على جذب الاستثمار الأجنبي وحتى تشجيع الاستثمار المحلين، باعتبار أن تغييرها بين الحين والآخر سيربك المستثمر الأجنبي وينظر إلى الدولة بعين من الريبة والشك، ومن ثم فإن مسألة استقرار القوانين تعد من بين العوامل الأساسية التي تثير مخاوف المستثمرين الأجانب الراغبين في الاستثمار، حيث إن عدم الاستقرار القانوني يؤدي إلى وجود مناخ استثماري يتسم بعدم التأكد والمخاطرة الاستثمارية ويجعل المستثمرين يترددون كثيراً في القيام باستثمارات جديدة أو يتجهون إلى التركيز على المشروعات ذات المردود الكبير والسريع والقليلة العائد التنموي. ولذلك يجب أن لا يخضع قانون الاستثمار للتعديل بين الحين والأخر، لأن انعدام الاستقرار القانوني سيؤدي إلى غياب الاستقرار الاقتصادي في الدولة نتيجة إلغاء القوانيين في كل مرة وبالتالي هروب الراغبين في الاستثمار وتسويد نظرة المستثمرين الأجانب حول مناخ الاستثمار في الدولة، فلابد من ضمان استقرار الإطار القانوني للاستثمار مدة طويلة وعدم تغييره خلال تلك المدة.

وإن تفضيل الاستقرار القانوني لا يعني تعطيل حركة التطور القانوني، كما لا يعني أيضاً التأخّر عن متابعة مظاهر الرقي في المجتمع، فالقانون لا يعارض تطلعات الأفراد لاستشراف آفاق المستقبل ولا يحول دون إعداد الحاضر لمجيء غدٍ أفضل، ولكن من طبيعة القانون أن لا يولي اهتمامه إلاّ للأوضاع المعاصرة له وقت نفاذه، فإذا كان المقصود من القانون حفظ النظام العام وسيادة القانون وضمان السلم الاجتماعي فإن هذه المقاصد مما يكفلها ثبات القانون لا تغييره. غير أن القانون لا يحرز خصلة الاستقرار إلاّ إذا بُني على قواعد سليمة وسديدة، وهذا يستدعي في مراحل إعداد المشروعات تكريس الأبحاث والدراسات المعمَّقة في فروعه ومواده، وذلك ضماناً لاتفاق القوانين مع التطلعات المستقبلية في مجال التجارة والاقتصاد. ولا يتيسّر للقانون الإحتفاظ بخصيصة الثبات إلاّ إذا كان تعبيراً حقيقياً عن الواقع وتطلعاته ليكون مرآة نقية تعكس ملامح المجتمع، حيث إن قرب القانون من الواقع يعني قربه من المخاطبين بأحكامه فهم يعرفونه ويألفونه ومن قربه ألاّ يغيّر من أنماط حياتهم إلاّ ما يرونه صحيحاً وعادلاً وهنا فقط يكون التغيير مقبولاً ومُرضياً. فالمتغيرات الدولية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية تفرض أداء جديدا لجلب الاستثمارات وفق استراتيجية واضحة ومرنة ومستقرة في الوقت ذاته، وتحتاج إلى عقليات تتمتع بالقدرة على الابتكار، ولديها الرؤية على تقييم المخاطر الحاضرة والمتوقعة على المدى القريب والبعيد، وتمتلك الشجاعة على التصحيح الذاتي أو بالتعاون مع متخذ القرار، وهى سمة التطور والتحديث الذي يواكب مستجدات العصر ومتطلبات الاستثمار المحلي أو الدولي.

وقد أصبح نمو الاقتصاد يتوقف على نمو الاستثمار الخاص وتعاظمه لا سيما في ظل تقلص الدور الاستثماري للدولة، الأمر الذي يتطلب تهيئة البيئة القانونية لدفع الاستثمار الخاص وتوطينه قطاعياً وجغرافياً على نحو يحقق للاقتصاد أكبر عائد ممكن وأعلى مردود من منظور التنمية الشاملة، وذلك من خلال وضع القوانين والنظم التي تساعد على تدفق الاستثمار من الناحية الضريبية وتسهيل دخول العمالة الأجنبية إلى البلاد، والعمل على توفير الضمانات في مواجهة نزع الملكية دون تعويض مناسب، وحماية سرية المعلومات المتعلقة بالمشروع، مع التشديد على مبدأ المساواة بين المستثمر الوطني والمستثمر الأجنبي أمام القانون خصوصاً في مجال سرية المعلومات الفنية الخاصة بالمشروع، وإعطاء الضمانات للمستثمر الأجنبي وحمايته من أي تعديلات قد ترد على القوانين القائمة التي أقام مشروعه في ظلها، وإزالة القيود المفروضة على هذا النوع من الاستثمار والتي تشمل التضارب في القوانين واللوائح ذات الصلة.

ويتعين في سياسات الاستثمار مراعاة أن الهدف منه ليس هو الاختيار بين الاستثمار المحلي والأجنبي وإنما الربط بينهما عن طريق سلسلة القيمة المضافة على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية، حيث يجب ألا يقتصر تركيز الإصلاح التنظيمي على القوانين المحلية بل ينبغي أن يسعى أيضاً لتحقيق الترابط بين هذه القوانين واتفاقيات الاستثمار الدولية التي تحكم على نحو متزايد الإنتاج على المستويين المحلي والدولي. وليس من الضروري أن يتم التعامل مع جميع أنواع الاستثمار الأجنبي المباشر على قدم المساواة، إذ يكون للأنواع المختلفة من الاستثمارات تأثيرات مختلفة يجب معرفتها ودراستها ومعرفة يتباين تأثيرها على الأسواق المحلية، حيث أن جميع أنواع الاستثمار ليست متماثلة، فالأنواع المختلفة من الاستثمار لها آثار مختلفة على التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ومن ثم تستلزم سياسات مختلفة، فلا يوجد حل واحد يناسب جميع حالات وضع سياسات فعالة للاستثمار، فقد يكون النهج الذي يحقق النجاح في أحد البلدان من أجل نوع واحد من الاستثمار في وقت معين بحاجة إلى مراجعة وتنقيح وإصلاح مستمر ليأخذ في الاعتبار التغيرات أو الظروف الفريدة التي تطرأ على الاقتصاد. ولذلك تختلف قوانين الاستثمار من دولة إلى أخرى باختلاف عدة عوامل عادة ما تحدد توجهات المشرع في هذه الدولة أو تلك في صياغة القانون، ومن أهم هذه العوامل الظروف الاقتصادية السائدة مثل احتياج الدول المضيفة إلى القطع الأجنبي أو إلى التكنولوجيا ومدى حاجتها إلى الموارد الطبيعية، ومدى توافر اليد العاملة الوطنية وحاجتها إلى تخديمها، وحجم السوق المحلي ومدى استيعابه لمنتجات المشاريع الاستثمارية والقدرة الفنية والمالية لتصدير تلك المنتجات، يضاف إلى ذلك كله الظروف السياسية السائدة في الدولة والتي عادة ما تحدد السياسات الاقتصادية التي تنعكس بالضرورة على ما يتبناه المشرع من تلك القوانين.

ويتعين أيضاً في سياسات الاستثمار وجود الحوافز والمحفزات، حيث يجب أن تتضمن قوانين الاستثمار مجموعة من المزايا والحوافز والضمانات التي تهدف إلى استقطاب الاستثمارات وتشجيعها وجلب التكنولوجيا الحديثة وتحفيز دور القطاع الخاص الوطني والأجنبي وتوسيع حجم الصادرات وتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني بما يؤدي إلى خدمة الخطط السياسية والاجتماعية والاقتصادية، حيث تسعى قوانين الاستثمار إلى تحقيق هدفين في آن واحد هما تشجيع الاستثمارات عن طريق وضع قواعد محددة لمعاملتها وتوفير بعض المزايا والحوافز لها وحماية هذه الاستثمارات من المخاطر السياسية وما في حكمها. كما يتعين في سياسات الاستثمار اعتبار أن الاستثمارات في كل المجالات والقطاعات هى الوجهة الآمنة للاستفادة من الأموال وتعظيمها بغض النظر عن مكانها أو موطنها أو حجمها، مع وجود الحوافز والمحفزات وتوافر موارد الطاقة والأيدي العاملة الفنية، ومراعاة مدى القدرة الاستهلاكية في الأسواق المحلية التي تشجع المستثمرين على ضخ المزيد من التدفقات مع التطوير والتحديث سيما في الأسواق التي تسعى إلى طرح نفسها كمركز تجاري عالمي ينافس على خريطة الاستثمارات العالمية والإقليمية ولديها مشروعات مستقبلية ضخمة في حاجة إلى التمويل وإلى التكنولوجيا المتقدمة.

Share

التصنيفات: أقــلام,عاجل

Share