Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

تخييل الواقع في أعمال الروائي اليمني بسام شمس الدين

يكتب بسام شمس الدين روايته في “لحظة غياب عن الإدراك” كما يقول، ويخلص إلى أن الأسوأ في سياق الكتابة السردية هو “الاعتقاد أن التجربة وصلت إلى ذروة النضج والكمال”؛ لأن من شأن ذلك أن “يقودنا إلى حالة دائمة من العمى والقصور.” وعن مهارة الروائي برأيه فهي تتجلى في قدرته على تحويل الواقع إلى خيال، وإيهام القارئ أن ما يقرأه حدثَ بالفعل.

إليكم مقال بسام شمس الدين متحدثًا عن تجربته:

أن تكتب عن تجربتك في الكتابة الأدبية، فذلك أمر استثنائي، ويُعدُّه البعض صعب؛ لأنك رغم اقترابك من نفسك لا تستطيع أن تنظر إلى أعماقك، لا تشعر كيف كتبت رواياتك، لأنك فعلت ذلك في لحظة غياب عن الإدراك، في الوقت ذاته. ما من شخص أكثر منك عالما بمظاهر كتابتك ومميزات وعيوب تجربتك، لكنك تتعمد إغفال العيوب، وتحاول دائما إبراز الجانب المميز أو خلقه من العدم. لا بأس، جميعنا نبرز المميزات ونتستر عن العيوب، أما الأسوأ دائما فهو الاعتقاد أن تجربتنا وصلت إلى ذروة النضج والكمال، وهذا يقودنا إلى حالة دائمة من العمى والقصور.

حققت روايتي الأولى الطاووسة بعض الاهتمام، وكُتب عنها ثلاث أو أربع مراجعات في الصحف، وهي رواية تدور أحداثها في الريف اليمني، في ريف الضباب بالتحديد، تتحدث عن معاناة الفتيات والفتيان من العادات، ومدى تأثيرها في تغيير خارطة مستقبلهم وحياتهم ككل. سيف شمسان شاب يقع في حب فتاة من قريته، ويصارع من أجل الحصول عليها، ويلاقي في طريقه متاعب كثيرة، يخدم في الجيش ويعاني من صرامة القوانين العسكرية، ويتعلم في الجامعة ويعاني من قوانينها، ويعاني من ويل العادات في قريته التي تهدد بحرمانه من حق الزواج بهدية القلوب. أثنى على الرواية ثلاثة نقاد ونسفها كاتب وحيد، قائلًا إنها “حبر على ورق”، وكلامه صحيح.

رواياتي الأخرى لاقت ترحيبا كبيرا، خصوصا من القراء، وتعرضت للنقد، أما روايتي الثانية “الدائرة المقدسة” فهي التي لفتت المشهد الأدبي إلى تجربتي، ورغم ذلك لم يكتب عنها مراجعات نقدية سوى دراسة صغيرة كتبها محمد عثمان، ونشرت في مجلة غيمان، وهناك من أخبرني عن دراسة كتبها أستاذ الأدب في جامعة عدن الدكتور عبد الحكيم باقيس، ونشرت في مجلة الثوابت أو مجلة ثوابت، لكني لم أقرأ هذه المراجعة. “الدائرة المقدسة” رواية تاريخية تتحدث عن الملوك السبئيين المتأخرين الذين حكموا قبل انهيار سد مأرب العظيم، وتتناول الصراع على السلطة، وتظهر بروز العنصر الديني، وتسلط الكهنة، والغزو الروماني وتعاونهم مع الأحباش، بأسلوب يمزج بين الوقائع والخيال. فشخصيات الملوك غير حقيقية، أخذت فقط روح ذلك العصر، ونسجت أحداث روايتي الكبيرة التي لم أطبع منها سوى 250 نسخة لأسباب مالية بحتة، ورغم حجم خطها الصغير وعدد صفحاتها التي تربو عن 400 صفحة، فقد وجدت من قرأها وأثنى عليها، وكان هذا يُعد انتصارا.

أصدرت روايتي “هفوة” في عام 2011م، أثناء ثورة الربيع العربي. كانت صنعاء وقتها تعج بالمظاهرات، فغاصت الرواية في جوف الزحام والضجيج، ولم تحصل سوى على القليل من الاهتمام. ثم فوجئت أن الأمريكي مارك وقنر يترجمها إلى الإنجليزية، ومازال مشروع طباعتها هناك متعثرا. الرواية عن علاقة حب بين شاب مسلم أتى فارا من عدن ويهودية تملك سمسرة في قاع اليهود. قاد هذا الحب الشاب والمرأة إلى الوقوع في ورطة إنجاب طفل غير شرعي، ما تسبب لهما بكثير من المتاعب من اليهود والمسلمين على حد سواء. هي رواية صغيرة، تقع في 120 صفحة فقط.

أما رواياتي اللاحقة فقد لاقت دراسات عديدة وإقبالا، خصوصا رواية “لعنة الواقف” و “نبوءة الشيوخ” و “نزهة عائلية”، وقد طبعت الأخيرتان في بيروت ضمن مشروع “ورشة الصندوق العربي للثقافة والفنون” (آفاق)، وهي لا تخرج عن العلاقات الاجتماعية والصراع السياسي والديني في اليمن واضطراب العلاقات بين الجنسين. وأتت رواية “نهاية رجل غاضب” لتشير إلى مدى توسع الخلل الاجتماعي بين الطبقات بما يؤدي إلى معاناة كثير من أفراد المجتمع، وانبثاق صراع مرير ومقاومة من الطرفين، أما رواية “زواج فرحان” فهي رواية اجتماعية بامتياز كما يوحي عنوانها، ومازالت ثلاثية “عصفور الحقل”، “النداء الأخير”، “العودة إلى رحم الأرض” تتوج روح هذا الخلل في شتى مناحي الحياة اليمنية، وتعكس روح الخرافة والسحر وانتشار حالة التدين بشكل غير طبيعي، واستغلال كل ذلك لقمع الشعب وخداعه.

أظن أن رواياتي تتسم بترابط الأفكار وانتقالها من مرحلة إلى أخرى في حياة مجتمعنا المحلي. وقد لفت انتباهي إلى ذلك الكاتب الروائي المعروف الأستاذ محمد الغربي عمران الذي تحدث ذات ندوة أقيمت للاحتفاء بإحدى رواياتي الأخيرة.

حين ننظر إلى المكان في رواياتي، فإنه يتراوح بين القرية والمدينة، فشخصيات قصصي الروائية تنتقل من هنا إلى هناك، يحركها عنصر العمل أو تقودها الحاجات والظروف، ومن ثم تدور الأحداث المتداخلة، فتظهر بعض أرياف محافظة إب في الغالب، تظهر مدينة يريم، أو رحاب مركز مديرية القفر وبعض قراها السفلى، تظهر صنعاء، بني حشيش، منطقة سعوان، مدينة مأرب، وصرواح، وبعض هذه الأماكن سكنتها أو عشت قريبا منها، والجزء الآخر، زرتها بشكل عابر في وقت سابق. وأما الزمان فهو الآخر، يتباين من عمل لآخر. هناك رواية “الدائرة المقدسة”، التي تدور أحداثها في العصور السبئية الأخيرة، وأخرى قبل عقود من الزمن. ورواية “لعنة الواقف” تدور في قرية بيت الهادي، حيث يسكن الناس في منازل بنيت فوق مقبرة، واسم هذه القرية ليس حقيقيا، لكنها تشبه قريتنا في مديرية القفر.

أما شخصيات الروايات، فإنهم في الغالب من صنع الخيال، باستثناء بعض شخصيات رواية “لعنة الواقف”، وكذلك روايتي الأولى “الطاووسة”، وتتسم الروايتان الأخيرتان بأن المكان فيهما واحد، رغم اختلاف الأسماء. أقصد أن ريف الضباب المتخيل وقرية بيت الهادي هما مكانان في الظاهر، غير أنهما في الحقيقة مكان واحد. أحيانا يضطر كتاب القصة إلى ابتكار أسماء مغايرة لأسماء الأماكن الحقيقية التي تدور فيها الأحداث، كما يتلاعبون بالزمن وأسماء الشخصيات، ويناورون بين الخيال والواقع، ويهربون إلى الترميز والإيحاء، وهذا لا يفقد نصوصهم وهجها ماداموا يمسكون جيدا بخيوط الحبكة، وأظن أن كُتاب القصة يصنعون مجد قصصهم بقدر مناوراتهم وإيغالهم في الخيال، وتتجلى حنكتهم في السرد كلما حوَّلوا الواقع إلى خيال، وأوهموا القارئ أن ما يتصفحه حدث في يوم من الأيام.

Share

التصنيفات: ثقافــة

Share