Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

الدكتور سعيد الشيباني .. من هنا مر الغناء دافئاً

محمد عبد الوهاب الشيباني

ليس هناك ممن اعرف من الشخصيات المرموقة ، ولم يزل عائشا بيننا ، يمكن ان يكون شاهدا حياّ على تاريخ اليمن المعاصر في اكثر من سبعة عقود مثل الدكتور سعيد الشيباني الشاعر والاقتصادي والمثقف المرموق.

فمنذ كان طفلا في احدى قرى بني شيبة التي ولد فيها في العام 1939، يُقوم برعي الاغنام وحراسة الحقول الزراعية من القرود والثعالب والجراد والجُدم وتعلمه مبادئ الكتابة والقراءة وقراءة القرآن على يد احد فقها القرية، وتاليا انتقاله الى مدينة عدن وتحديدا منطقة التواهي في العام 1949، حيث كان والده يمتلك مخبازة بالقرب من جامع الهتاري ، وتعلمه الخط والحساب والعلوم والنحو والبلاغة من فقهاء الجامع ، ومبادئ اللغة الانجليزية من الاستاذ علي عبد الكريم الشيباني في نادي الاتحاد بالطويلة . واكمل تعليمه المتوسط في المدرسة الاهلية في التواهي، بعد ان تعذر التحاقه باي من مدارس المستعمرة الانكليزية حين كانت ترفض استقبال التلاميذ غير المنتمين لمدينة عدن او المولدين فيها.

في عام 1953 تحصَّل على منحة الى القاهرة بواسطة الاتحاد اليمني ضمن 12 طالباً من انحاء اليمن منهم “احمد الشجني وعبد الوهاب عبد الباري وفتح الاسودي وقائد محمد ثابت وفيصل الاصنج علي عبدالله الاغبري، وهي اجمالي المنح التي تحصل عليها الشيخ عبدالله علي الحكيمي شخصيا من الرئيس جمال عبد الناصر، ابان رئاسته للاتحاد، وقبل وفاته بعام.

واصل دراسته للثقافة العامة والثانوية في مدرسة “الجيزة” في ذات الفترة التي الذي بدأ فيه وعيه السياسي يتشكل وفي ذروة المد القومي، حيث كان حزب البعث حينها ملاذا لعشرات الشبان، حين كانت علاقة الحزب لم تزل ممتازة بالقيادة المصرية ، لكن مع اختلاطه بشخصيات مثل ابوبكر السقاف وعمر الجاوي ومحمد عبد الولي وعبدالله حسن العالم صار اقرب للماركسيين ، لهذا غدا واحدا من رموز رابطة الطلاب اليمنيين التي عقدت مؤتمرها العام الموحد في يوليو من العام 1956، وحين كان احد رموز مكتبها الدائم، لكنه لحسن حظه لم يُطرد من القاهرة مثل بقية الماركسيين.

حين اكمل دراسته الثانوية في العام 58 التحق بجامعة القاهرة ، حيث انهى دراسة التجارة في قسم المحاسبة ، واتبع البكالوريوس بدبلوم الادارة العامة من ذات الكلية في العام 1963.

وخلال هذه الفترة صار اسماء شعرياً معروفاً تغنى بنصوصه الشعرية الغنائية العديد من الفنانين منهم محمد مرشد ناجي واحمد قاسم ، وفرسان خليفة واذاعت له ” صوت العرب”، التي استمر يتعاون معها اكثر من عامين بين 61 و63، عشرات القصائد بعضها وجد طريقه الى حناجر الفنانين الكبار، وعلى رأسها النصوص التي تغنت بالثورة والارض والانسان.

وأول نص غنائي له هو الذي لحنه واداه الفنان الكبير محمد مرشد ناجي والمعنون “يا نجم يا سامر” ولتلحين وغناء النص قصة يرويها الشاعر نفسه الذي يقول ” اتممت كتابته في العام 58 وسلمته للفنان احمد السنيدار الذي كان حينها زميلا لنا في القاهرة، لكنه بعد اشهر اعاده لي ولم يلحنه، فأبقيته لدي لقرابة عام، ثم ارسلته للفنان المرشدي الذي بدا نجمه في الظهور حينها عن طريق اذاعة عدن، ليظهر على المستمعين في العام 1961″

هذا النص بكلماته

يا نجم يا سامر فوق المصلى/ كل من معه محبوب وانا لي الله/ الأخضري من العدين بكَّر /مشدته بيضاء ومشقره أخضر

فرحي أنا فرح الثمر بمبكر/ فرح الشجر ساعة نزول الأمطار/ لما تعود شهديك ألف حُلّه / ومن هجير الشمس أنا مظلّه

شوقي إليك شوق الزهور مُطلّه / شصبر عليك لما يُردّك الله/ هجرتني والقلب غير سالي/ كل السبب عساكر الحلالي

بكّر من التربة غبش يلالي/ بيده سبيل بجيبه أمر عالي …. الخ

و بلحنه الجميل وصوت المرشدي العبقري صار ايقونة تبشيرية ، وسرى في السنة الناس ووجدانهم ولم يزل حتى الان كنبع شجن دفاق.

عاد من القاهرة الى عدن اواخر 63 وبعدها انتقل الى صنعاء مطلع عام 1964 حيث عمل مباشرة في المؤسسة اليمنية للهندسة والمقاولات كنائب مدير حسابات ولمدة عام ، قبل ان يعمل علي محمد سعيد ومحمد سعيد العطار على ندبه للبنك اليمني للإنشاء والتعمير، فعيِّن من وقتها مديرا عاما للشركة اليمنية للتجارة الخارجية ” احدى شركات البنك” وقبل ان ينتقل للعمل مديرا عاما لشركة كهرباء تعز حتى العام 1967. قبل ان يترشح في منحة دراسية الى باريس عن طريق “ايفت فيالار” رئيس البعثة الفنية الفرنسة في تعز ” القنصل” .

صادف وقت سفره انقلاب 5 نوفمبر، فكتب نصا شعريا عنوانه ” شعبي جمهَّر حتى أشعار آخر” فقاده الى سجن الشبكة في تعز.

تسعة اعوام كاملة قضاها كطالب دراسات عليا في باريس ، بعد خروجه من شبكة تعز ، تحصَّل خلالها على ” دبلوم الادارة العامة من معهد تابع لوزارة الخارجية الفرنسية، ثم ماجستير ودكتورتان في الاقتصاد السياسي واقتصاد التنمية، من كلية العلوم الاقتصادية – جامعة السوربون –

عاد في العام 1976 الى صنعاء مواصلا عمله في البنك اليمني وفي مواقع شتى في العلاقات العامة والدولية وفي الدراسات و التدريب والاستشارات ومحاضرا في المعهد المصرفي حتى تقاعده في العام 1999.

من سيرته الغنية وحضوره في الحياة العامة كخبير اقتصادي ومصرفي مرموق لكنه ظل عالقا في اذهان الناس كشاعر رائد تدل عليه اغانيه ، وساهم هو ايضا في تكريس ذلك في الوعي العام من خلال نشاطه الفاعل في الحياة الثقافية ومنها اسهامه في تأسيس اتحاد الادباء والكتاب اليمنيين.

انتظر قراؤه نصف قرن تقريباً حتى يروا له شيئا من الشعر مطبوعا، فخرج اليهم في العام 2003 بديوانه الفصيح المسمى “رسائل استبراء الى مجلس الامن الدولي” لكنه بالنسبة لهم لم يكن كافيا ، ويرغبون في قراءة نصوصه الغنائية، وهو ما كان بالفعل مع مجموعة (يا نجم يا سامر) بعد عامين “2005” ، النصوص التي تتجاوز الاربعين نصا غنائيا لم يكن فيهم نصوص راجت بالأغاني مثل ” حقول البن، يا طير يا رمادي، من العدين يا لله، ريح الشروق، يا رشا يا بارديه ” وغيرها

ومثل اي شاعر غنائي كبير شكل سعيد الشيباني ثنائيا مع الفنان “فرسان خليفة” الذي غنى له مجموعة كبيرة من النصوص مثل”ريح الشروق، حنت رعود على حرض وصرواح، طير الحمام، حامل الجرة، اب الغروب ومشرقه المشنة، جبل صبر، يارشا ياباردية، وغيرها ” لكنه ايضا انجز مع المرشدي واحمد قاسم اغان خالدة لم تمحها تقلبات الزمن، فمن منا لم يسمع “حقول البن ،ومن العدين يا لله ،ويا طير يا ردمادي، وصنعاء الكروم” وخلد نصوصه فنانون عرب امثال فائزة احمد وفهد بلان ورويدا عدنان.

 

Share

التصنيفات: ثقافــة,عاجل

Share