Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

لماذا تراجعت السعودية عن صفقة القرن؟

ما تشهده الساحة العربية هذه الأيام من مراجعات بعض الأطراف الإقليمية، وخاصة السعودية بشأن ما يسمى “صفقة القرن” وطلبات تأجيل إعلانها من الطرف الأمريكى صاحب الصفقة يمكن أن يفسر فى إطار سياسات توزيع الأدوار داخل النظام السعودي ومحاولات امتصاص ثورة الغضب الفلسطيني الذي أبلغ الرياض مرارا رفضه لها؛ رغم الضغوط المتزايدة التي ظلت يمارسها النظام السعودي الجديد إلى حد التهديد بقطع المساعدات والتخلي عن الدعم السياسي للقضية برمتها، فالثابت أن الرياض تدعم الصفقة وتروجها بكل قوة، خاصة أن الجزء الآخر منها يتضمن تشكيل حلف إقليمي يتصدى لإيران شغل الرياض الشاغل بإشراف أمريكى؛ وهو ما راح يجري الإعداد لتشكيله فعليا الآن على الأرض.

مظاهر توزيع ولعب الأدوار السعودية تجسدها التصريحات الصادرة من الرياض في القمة العربية الأخيرة، بدءا من تسميتها “قمة القدس” ثم الإعلان عن تبرع المملكة بـ 150 مليون للأوقاف الإسلامية في القدس، بالإضافة إلى 50 مليون دولار لوكالة الأونروا. والإعلان عن رفع الدعم السعودي الشهري للحكومة الفلسطينية من 7.5 ملايين إلى 20 مليون دولار، وأن المملكة تقدّم 70 مليون دولار إلى صندوق “القدس” و”الأقصى”. فضلا عن تشديد المملكة على مركزية القضية الفلسطينية عند العرب.

تنامي العلاقات السعودية الإسرائيلية

والحقيقة أن تلك التصريحات السياسية والمالية تأتي ضمن حملة رد فعل -كما يبدو- لامتصاص تأثير تصريحات سعودية سابقة مع مجلة “ذي أتلانتيك” الأميركية عن حق اليهود في فلسطين وبضرورة وجود دولة قوية لهم على أرضها، وكذلك استمرارا للنزاع السعودي الأردني التاريخي القديم في موضوع الوصاية الهاشمية على المسجد الأقصى، ولتبديد الأنظار عن موافقة السعودية ومشاركتها في تمريرخطة “صفقة القرن” لتصفية القضية الفلسطينية وتطبيع العلاقات مع إسرائيل. وهى تصريحات كانت بمثابة الصدمة وأقرب إلى الزلزال السياسى.

وهكذا لم يعد موضوع العلاقات والاتصالات بين إسرائيل وأطراف عربية جديدة، وخاصة السعودية محل تكهنات مؤخرا، بل بدأت تخرج إلى العلن من خلال التسريبات الصحفية والتصريحات المختلفة، وخاصة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي أشار فيها إلى العلاقات الإستراتيجية التي تربط إسرائيل مع الدول العربية “المعتدلة”، وكذلك الدعوات الإسرائيلية لشخصيات سياسية بضرورة تقوية العلاقات مع السعودية.
فبعد انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، لعبت السعودية دورًا محوريًا في المساعدة على تنفيذ رؤيته الجديدة لما سماه بالشرق الأوسط الجديد، وتحديدًا تجاه القضية الفلسطينية التي وصفها بـ”صفقة القرن”.

فكبير مستشاري البيت الأبيض، جاريد كوشنر قام بإعداد ما اعتبره خطة سلام بين العرب وإسرائيل بالاتفاق مع النظام السعودى، وتتضمن خطة كوشنر تنازلات كبرى من أطراف عربية على رأسها السعودية والإمارات عن العديد من ثوابت القضية الفلسطينية، ويهدف الاتفاق إلى إنشاء دولة فلسطينية مدعومة ماليًا من قبل عدد من الدول على رأسها السعودية، ومن هذه التنازلات حكم ذاتي وتبادل للأراضي مع مصر والأردن.

وكما أكد الكاتب مايكل وولف في كتابه “النار والغضب داخل بيت ترامب الرئاسي” بأنَّ الإدارة الأمريكية ستنقل السفارة إلى القدس -وهوما تم بالفعل-، وسيعيد صناعة الشرق الأوسط، وسيحل القضية الفلسطينية من خلال ضم الضفة الغربية للأردن، وغزة لمصر.

ووفقًا لصحيفة “نيويورك تايمز” فقد اقترح النظام السعودى على الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال زيارة مفاجئة في نوفمبرالماضي الحصول على دولة غير متصلة في الضفة والقطاع من دون أن تكون لديهم السيادة الكاملة على الأراضي الواقعة تحت سيطرتهم؛ ولن يتم إخلاء معظم المستوطنات اليهودية في الضفة؛ ولن يحصل الفلسطينيون على القدس الشرقية عاصمة لدولتهم؛ ولن يُسمح للاجئين بالعودة إلى إسرائيل، وإنشاء عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية في أبو ديس، وإضافة أجزاء من شبه جزيرة سيناء المصرية إلى غزة مقابل أراض في الضفة سيتنازل عنها الفلسطينيون.إلا أن مصر ترفض وتؤكد أن حل القضية الفلسطينية لن يكون على حساب مصر. وذهبت الصحيفة إلى القول بأن السعودية هددت عباس بقبول الخطة أو مواجهة ضغوطات تطالبه بالتنحي عن منصبه لصالح شخص أكثر استعدادا لقبول الاقتراح.

وفي ذات السياق، أفاد موقع صحيفة “ميدل ايست” في منتصف ديسمبرالماضى، أن السعودية مارست ضغطًا على الرئيس عباس ؛ لثنيه عن المشاركة في القمة الإسلامية التي عقدت في تركيا في نفس الشهر لبحث إعلان واشنطن إزاء القدس، من أجل إضعاف القمة وإفراغها من جوهرها، ولكنهما رفضا.

وحسب “ميدل ايست” ايضا فانه في زيارة لاحقة لعباس إلى الرياض لجأ النظام السعودى إلى الدبلوماسية لإقناعه بالخطة الصفقة. فبين للرئيس بأن الولايات المتحدة هي الجهة الوحيدة التي بإمكانها أن تضغط على إسرائيل في أي عملية سلام، ولا يمكن لأي جهة أخرى القيام بذلك. وطلب من الرئيس استقبال نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس، بعد أن رفضت السلطة الفلسطينية استقباله سابقًا.

الرياض أول من أبلغ الفلسطينيين بالصفقة

باعتراف المسؤولين الفلسطينين، فإن الرياض هي التي أبلغتهم بالمقترحات الأمريكية بشأن الصفقة كما جاء على لسان أحمد مجدلاني عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحريرالذي أبلغ قناة الجزيرة في برنامج “ماوراء الخبر” المذاع يوم العاشر من ينايرالماضي أن الصفقة تقوم على تصفية القضية الفلسطينية مقابل إنشاء حلف إقليمي تشارك فيه إسرائيل.

أما الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية الدكتور مصطفى البرغوثي، فقال إن الصفقة بدأت تترجم على الأرض، حين شطب واشنطن القدس من أي مفاوضات، وزاد الاستيطان في عهده بنسبة 1000%، يضاف إلى ذلك سعيه لتصفية الأونروا وإلغاء موضوع اللاجئين.

وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واصل أبو يوسف، إن صفقة القرن ينبغي أن تواجه بحرب مفتوحة. وأضاف أن ثلاثين اجتماعا فلسطينيا أميركيا لم تتطرق إلى محددات هذه الصفقة، لكن ملامحها برزت على يد الإدارة الأمريكية المعادية للشعب الفلسطيني وحق العودة والقدس الفلسطينية.

أطماع السعودية في المقدسات

يلاحظ في هذا السياق أن السعودية لديها نوايا وأطماع دفينة في نزع الوصاية الهاشمية عن المسجد الأقصى لتحقيق مكاسب سياسية في إستراتيجيتها بتوثيق العلاقات مع إسرائيل؛ وهي أطماع لها بعدها التاريخي وبخلفية صراع وخصومة قديمة تعود إلى عام 1924عندما بويع الشريف حسين وصياً على المقدسات الإسلامية في القدس.

ويلاحظ أن تلك النوايا السعودية في نزع الوصاية الهاشمية عن المسجد الأقصى ظهرت جلية من خلال عدة تحركات منها:

** الموقف السعودي السياسي الصامت على إغلاق المسجد الأقصى لعدة أيام العام الماضي، بالإضافة إلى التصريحات العلنية من رجال دين وإعلاميين وسياسيين سعوديين بحق اليهود في فلسطين، وعن عدم قدسية الأقصى، وفضلا عن دعوات للتطبيع الفوري مع إسرائيل.

** اعتراض الوفد السعودي وبشدة على رغبة الوفد الأردني في التحدث عن تأثير الوصاية الهاشمية الأردنية على القدس خلال المؤتمر البرلماني العربي الذي عقد في الرباط العام الماضي.

** الكشف عن اتصالات رسمية أجرتها الرياض مع شخصيات دينية إسلامية ومسيحية واخرى سياسية فلسطينية بالقدس لمقابلة بعض رموز النظام في المملكة، وهي ما تم إجهاضها من قبل السلطة الفلسطينية والحكومة الأردنية.

طلبات تأجيل إعلان الصفقة

أحدث التقاريرالواردة بشأن الصفقة ذكرتها صحيفة “يسرائيل هيوم” الإسرائيلية هذا الأسبوع نقلا عن مصدر مقرب من البيت الأبيض، أنّ الإعلان عن “صفقة القرن” سيتم تأجيله إلى ما بعد انتخابات التجديد النصفي الأمريكيّة والانتخابات الإسرائيلية. وذلك بطلب من السعودية ومصر والأردن، وأنّ السعودية تعيد النظر فى ملف الصفقة بسبب الصورة السلبية للسعوديّة، التي رسمتها تصريحاتها السابقة بخصوص القدس المحتلة، والقطيعة مع الأردن بسبب سعيه للالتفاف “على دوره التاريخي في القدس”. فهل يأتي طلب تأجيل إعلان لصفقة ذرا للرماد في العيون ومحاولة لتجميل الوجه.

وهكذا يتضح من هذا العرض أن النظام السعودي إنما يستخدم كل أسلحته الاقتصادية والسياسية مع الفلسطينيين وغيرهم للترغيب والترهيب؛ لتمرير صفقة القرن ؛ وسط حالة من المراوغات والتوزيعات المكشوفة للأدوار، سواء فى الغرف المغلقة؛ أو أمام عدسات أجهزة الإعلام.

وكالات

Share

التصنيفات: خارج الحدود

Share