Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

حسن عبدالوارث: يوميات مدينة حزينة.

ذات مساء كئيب ، ساد الظلام في مدينة الضياء .
لا ضوء في الدروب .. لا ضوء في البيوت .. لا ضوء في القلوب .
الأعين الحيرى تعوم ، تحوم ، في عالمٍ لا مُتناهٍ من السواد السائد في كل شبر من الأماكن والنفوس ، حتى في دار القمر .
قال أحدهم مُبرّراً : ربما أنقطع التيار الكهربائي ..
قال آخر ببلاهة : ربما تحطمت أعمدة الضوء ..
قال ثالث ساخراً : ربما أضرب عمال شركة النور ..
لكن الفتى صرخ قائلاً : لم يحدث هذا ولا ذاك .. وأنتم تعرفون جيداً ما الذي حدث …
ولكنهم أسكتوه قبل أن يُكمل عبارته !

جال الفتى في الطرقات على غير هدى . كانت قدماه تزحفان ببطء وبخطوات مُتكسّرة .
راح يُحدّق في كل الجهات الأصلية والفرعية ، فلا يرى الاَّ الظلام .. فالعتمة تحاصر كل الأشياء والأجساد والأحاسيس .
توقّف الفتى عند جمعٍ من الناس مُتكوِّمٍ في ناصية الشارع .. جلس القرفصاء بينهم .. ثم تساءل بحزنٍ ودهشة :
– هل ترتضون الظلام ؟
لم تَرْنُ اليه عين .. لم تَدْنُ منه أذن .. ولم تمتد اليه يد .
أعاد السؤال عليهم ، بالحاح وعناد وصبر ، مرةً أخرى وثالثة .. وعاشرة .
بدأ السكون يتبدّد .. وبدأت العيون ترنو ، والآذان تدنو ، والأيدي تمتد .
وفي الجانب الآخر من الشارع .. بدأت النفوس تضطرب ، والأعناق تشرئب .

ذات ليلة ، أنتفض أحدهم هائجاً ، كثورٍ أسباني أستفزّه الميتادور بقطعة قماش ، وصرخ بعالي الصوت وأجشِّه :
– كفى .. كفى .. لم أعد قادراً على الصبر .. لم أعد قادراً على الاحتمال .
هبَّ الناس من كل حدبٍ وصوب لمعرفة كُنْهِ الأمر .. وتطلّعت العيون متسائلة بحيرة بالغة :
– ما الذي حدث له هذه الليلة ؟
غير أن أحداً لم يدرِ حقيقة ما حدث الاَّ حين راح اليأس يستشري كالوباء في القطيع .
أخذ الفتى حينها اليراع .. طفق يضع خطوطاً لاغية للأرقام في وجه الروزنامة :
– يوم مضى .. شهر مضى .. عام مضى …
سمع أحدهم يقول له ساخراً :
– لا تُتعب نفسك أيها الأحمق .. سيطول الليل ، ويطول انتظارك !

طال الظلام في الدروب والبيوت والقلوب .. طال الظلام في العيون .
– عامان مضيا .. ثلاثة أعوام مضت .. أربعة أعوام …
وعاد الصوت الناهي يصل الى مسامعه فيتحطم على طبلة أذنه .

لمع البرق .. قصف الرعد .. هطل الغيث غزيراً على السهول والهضاب والأودية .
سالت دماء على الثرى ، فارتوت الأرض حدَّ الثمالة .
ماتت الأشجار واقفة .. تفتّقت زنابق كثيرة .. وأينعت ثمار الباباي .
أخذ الفتى اليراع ثانيةً .. صوَّبه شطر الروزنامة .. وطفق يلغي كل الأرقام الماضية .
أكتست المدينة بضوء ربّاني في ذلك الصباح الذي جاء على غير موعد .
عمَّ الضياء البيوت والدروب .. وبَدَتْ ثمة خيوط شعاعية بلون الذهب تنساب في العيون والقلوب

Share

التصنيفات: أقــلام

Share