Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

د.مطهر السعيدي: إلى قضاة اليمن الشرفاء الأجلاء

ألح عليّ سؤال لم استطع معه النوم وهو عن ماهية السر وراء ما نحن وبلادنا فيه من المآسي التي لا تنقطع، وهل يا ترى هو ابتلاء من الله أم عقوبة منه سبحانه، وبعد تأمل وبحث وصلت إلى قناعة تامة بأن ما يجري في اليمن خصوصاً وفي العالم العربي والإسلامي عموما، لا يمكن أن يكون ابتلاءً بل هو عقوبة، وأصبح السؤال هو على ماذا يا ترى يمكن أن نستحق مثل هذه العقوبة.

قلبت الأمر على مختلف وجوهه فأمعنت التأمل وأطلت البحث في النصوص والأحداث وتوصلت إلى قناعة ثابتة كذلك، وهي أن الجرم الأكبر الذي نعيشه والذي هو (حسب قناعتي) يرقى لأن يكون سبباً لما نحن فيه، هو اتخاذ الحق سلما الى الباطل وجعل العدل مظلة وأداة للظلم. وباختصار يوجبه المقام فإن لهذا المسلك المتجذر في واقعنا بعدان أساسيان:

يتعلق البعد الأول بنهج التكييف (وحتى التلفيق) المتعمد للمفهوم العقيدي والشرعي للنصوص والسنن من أجل تخليق قاعدة مرجعية لمشروعية صيغ الحكم ولشرعية وسائله وممارساته على النحو الذي يحقق إرادة ومصالح الحاكمين المناقضة جوهرياً لمقاصد الشرع ومعاني النصوص ولمصالح الناس وحقوقهم، وهذا باطل مبطل وجرم عظيم، وهو شائع في البلدان العربية والإسلامية وتقع مسؤولية إصلاحه على الأمة عموماً وليس القضاة وحدهم.

أما الوجه الثاني المخيف لجعل الحق مطية وسلماً إلى الباطل، وتعويذة لتحصين وتشريع الظلم، وعصىً غليظة في أكف الظالمين، والذي هو شائع في اليمن على وجه الخصوص، ويعد في تقديري أبرز أسباب العقوبة السماوية التي تمر بها اليمن اليوم، فهو فساد القضاء، الذي وصل حداً لا مثيل له في أي مكان في الأرض.

ومع احترامي وتقديري للأعلام الأجلاء من قضاة اليمن الشرفاء، الذين نعتز بهم ونعول كشعب عليهم، القابضين على قيم العدل في زمن الظلم البواح كالقابضين على الجمر، والذين هم مقصد خطابي هذا، فإن نماذج الفساد في كثير من المحاكم اليمنية قد تجاوزت (وأنتم أدرى مني) كل حد، وأصبحت تشكل تهديدا خطير ليس فقط للعدالة ولكن للأمن وللسلم المجتمعي ولشروط الممارسة الاقتصادية والحياتية الطبيعة في المجتمع، بل ومدعاة لغضب الله ونقمته، حيث يستقوي الموسرين الفجرة على الحقوق بأموالهم أو نفوذهم أو حتى نفوذ سواهم لا يردعهم رادع ولا ينهاهم وازع، وقد شبه أحد الأخوة بعض المحاكم بسوق نزوى الشهير في عمان حيث تقول الاسطورة أن السحرة يتبايعون من ركن بالسوق بمرتاديه عن طريق الإشارة والغمز قبل أن يحولوهم إلى حيوانات تباع في السوق. إن كثيراً من المحامين في هذه الأماكن (ومع تقديرنا للشرفاء منهم) قد أصبحوا مجرد سماسرة فنهمه الحقيقي هو المساومة وليس المحاججة التي أصبحت مجرد شكلية لا تجدي نفعاً. وقد وصل الأمر حسب ما علمت (ولعل هذه حالة غير نادرة) حد أن يتورط القاضي وأمين السر بالتواطؤ مع أصحاب الباطل لتدبير التخريجات التي تتيح لهم اصدار الأحكام الظالمة بما في ذلك التزوير والتلفيق، بل أن مثل ذلك يحدث أحياناً بدعم شخصية قضائية نافذة أو أكثر. لقد أرخص كثير من القضاة أنفسهم وأمانتهم التي أصبحت برسم البيع أو التأجير بالكثير والقليل، ووسعوا دائرة الفساد لكي تتجاوز المحامي وأمين السر، إلى ربات البيوت اللاتي أصبح من حقهن تلقي الهدايا نقداً وعينا من الخاتم وحتى أحزمة الذهب، وأصبح لبعض مدمني الظلم من النهابة وأصحاب الأعمال وأصحاب النفوذ ليس فقط مندوبي علاقات دائمين في المحاكم، بل وقضاة وأمناء سر جاهزون يفعلون ما يؤمرون.

هذا هو الواقع الذي لا تجهلونه سادتي القضاة الأجلاء، والحال أنني على ثقة أنه لا يوجد حل فعال وعملي وسريع نسبياً لهذه المشكلة إلا في إطار السلك القضائي نفسه ومن خلال مبادرة رموزه الخيرة النزيهة التي نأت بنفسها عن الدنس، وأعتلت صخرة الورع الجافة الطاهرة راضيةً قانعة، وأنا هنا أناشدكم وأنتم مسؤولون أمام الله، أن تتداعو إلى عمل منظم لتغيير هذا الواقع الأثيم لعل الله أن يرفع عن بلادنا ما حل بها من العقوبة، فإنه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم..>

 

 

Share

التصنيفات: أقــلام

Share