Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

بشارة يتساءل في كتابه الجديد: ما نوع الوعي اللازم لممارسة الحريات السياسية؟

< الحرية كقيمة تعني الحرية بوصفها حريات، أما الحرية الأنطولوجية والحرية المُطلقة والحرية المجرّدة فليست قيمًا، كما يقول المفكر عزمي بشارة في كتابه الجديد مقالة في الحرية، أو الحرية بوصفها حريات، الصادر حديثًا عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في 208 صفحة من القطع الصغير.

يطرح بشارة في كتابه الذي يتكون من ستة فصول، تساؤلات عدة، يجعلها منصات نقاشية لمسألة الحرية والحريات. يسأل: ما نوع الوعي اللازم لممارسة الحريات السياسية؟ أتشترط ممارستها بها أم أن ممارسة الحرية هي شرط لتطوّر هذا الوعي؟

يقول بشارة إن الوصول إلى درجات عليا من الوعي ليس ممكنًا من دون ممارسة حرية الرأي والتعبير والاجتماع والاتحاد وحقّ الوصول إلى المعلومات وغيرها من الحريات المدنية. فتوافر الحريات الفردية شرط الديمقراطية الليبرالية، وهي معطى كجزءٍ من حقوق المواطنة الحديثة.

ويسأل بشارة: إذا وقعت المفاضلة بين الاستقرار وحفظ الحياة من جهة والحرية من جهة أخرى، فأيهما نختار؟ إنه السؤال الشائع اليوم في المجتمعات العربية، فالأنظمة الحاكمة تميل إلى تخيير المحكومين بين الاستبداد والفوضى،لكنه، مع ذلك، سؤالٌ وهمي. فمن يعارض منح الناس الحريات المدنية والسياسية لا يدّعي عادة تأييد الظلم، بل يقابل الحرية بقيمة أخرى مثل الوطنية أو الاستقرار والحفاظ على الأمن. فهو يتهم مطالب الحريات المدنية والسياسية بأنها مؤامرة خارجية.

ويسأل: هل ثمّة علاقة بين الحريات الشخصية والحريات المدنية والسياسية؟ وهل تصحّ التضحية بالحريات المدنية والسياسية لغرض الحفاظ على الحريات الشخصية؟ وهل تحرير المجتمع والفرد من الإملاءات الدينية يكفي كي يمارس الإنسان حريته؟

يستمر بشارة في طرح الأسئلة: لا شك في أن أغلبية الدول العربية لا تتيح حرية التعبير عن الرأي، ولا سيما الرأي السياسي. فهل تعززت هذه الحرية مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي؟ وما العلاقة بين حرية الفرد وحرية الجماعة التي ينتمي إليها؟ ولمن الأولوية، للمساواة أم للحريات؟ ويوضح أن إطلاق الحريات للجميع من دون توافر المساواة في شروط تحقيقهايفرّغها من أي مضمون عملي، ويحوّلها حرياتٍ نظرية غير ممارسة وغير ممكنة التحقيق“.

ومن خلال نضال الشعوب ضد الظلم في التاريخ ثبت للمؤلف، أن الحرية شرط من شروط العدالة التي يتغير مفهوم الناس لها بالمعرفة والممارسة؛ونظريًا، أصبحت الحرية مركّبًا لا يمكن تجاهله عند الحديث عن العدالة لأسباب ثلاثة: أولًا، ربما يكون تقييد الحرية أحد أهم التعبيرات عن اللامساواة في الحقوق؛ ثانيًا، ربما ينتج من تقييد الحرية بحد ذاته لامساواة في الحقوق، ومن ثمّ يؤدي إلى انعدام العدالة، ولا سيما تلك العدالة التي تحاول فرض تصور عن السعادة قائم لدى من يفرضها؛ ثالثًا، لأن الحرية أصبحت من الناحية الفكرية، وفي حاجات الناس وتوقعاتهم وتطلعاتهم، أحد الخيرات أو إحدى المنافع الاجتماعية والوطنية، فأصبح لزامًا أيضًا توزيعها توزيعًا عادلًا، حيث أصبحت الحرية السياسية حاجة إنسانية“.

ينظر بشارة إلى الحرية، وينظّر لها، باعتبارها قدرة على الحسم بين خيارات، وهذه قدرة ملازمة للإنسان يمتاز بها عن باقي الكائنات،ولا حرية للكائنات التي تقع دون الإنسان أو فوقه، الأولى بحكم طبيعتها، والثانية بحكم تعريفها. وميّزت الديانات التوحيدية الإنسان من الملائكة بهذه القدرة على الاختيار بين الخير والشر، وتجعل الإنسان كائنًا أخلاقيًا يُتوقَّع منه التمييز بينهما واختيار أحدهما، مثلما يُتوقَّع منه بصفته كائنًا عاقلًا أن يميز بين الصواب والخطأ أيضًا“.

أما الولادة حرّا، فيردّها بشارة إلى مفهوم آخر: “نقصد أنّه لم يولد عبدًا، وهذه مقولةٌ صحيحةبحسبهموجهةٌ ضد العبودية بنفي طبيعيتها،لكن حتى شروط الحرية ومكوناتها، أي الوعي والإرادة، لا تتوافر في المولود البشري عند ولادته مباشرة“. وتبقى الحرية في مقالة بشارةمشروطة بالوعي والإرادة والقدرة على تحمّل مسؤولية القرار المستقل في مجالٍ ما، كي يكون للاختيار علاقة بهذا المجال؛ إذ لا معنى للحرية في مجال ما إذا لم يكن للخيارات علاقة به“.

يسمي بشارة الفوضى الاجتماعية بأنهاأشنع أنواع الاستبداد، لأنها تمنع ممارسة الحرية بالضرورة، ولأن الحرية غير ممكنة التحقيق إن سيطر التعسف والفوضى على حياة البشر، لكنها قابلة للتحقّق في ظل القوانين، على الرغم من قدرة هذه القوانين على حجب الحريات.

وبحسب بشارة، فإنه لا وجود للحرية من دون وعي وإرادة، وأن ليست الحرية هي المقابل للعلية أو الحتمية. وفي رأي بشارة، لا وجود لحرية كوزمولوجية، ولا العلم رديف الحرية فلسفيًا، ولا يؤدي عبور حاجز الفكر الديني إلى المجال العقلاني الوضعي إلى الحرية بالضرورة. يقول: “إذا كانت الحرية موضوع تنظيرات فلسفية ذات معنًى، فلا بد من أن تكون، في رأينا، تنظيرات فلسفية في مجال الأخلاق، وتتمحور حول مقولتين: شرط الأخلاق حرية الإرادة، والحرية قيمة“.

ويرى بشارة أن الحرية السالبة لا تظهر بذاتها في التاريخ، لا كحرية اختيار مجرّدة، ولا بوصفها كسرًا لأيّ قيد على هذه الحرية. ولا تظهر الحرية الموجبة وحدها من دون صيرورة تحرّر، ويقول إن هذه التصنيفات بين حرية سالبة وموجبة هي تصنيفات عقلية لعناصر غير منفصلة في الظواهر الاجتماعية، لافتًا إلى أن الحرية السالبة تنفي القيود،إنها التحرّر من إكراه الإنسان على اتباع نمط حياة مفروض، ورفض تقييد حرية الحركة وتكميم الأفواه وحظر التجمع والسجن العشوائي. وهي إذا لم تشمل حرية الإنسان بأن يقوم بأفعال معينة تتجلى في حريات موجبة وتوفير الشروط كي يمارس هذه الحريات، فإنها تبقى مجرّدة“..>

Share

التصنيفات: الشارع السياسي

Share