Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

العنف في الرواية اليمنية

كتب/ المحرر الثقافي:

 

 في دراسة لواقع الرواية اليمنية منذ 1990م تبين أن الرواية في اليمن لم تنجز نوعياٍ وكمياٍ تطوراٍ موازيا للتطور الذي أنجزته القصة القصيرة أو القصة في اليمن خلال مدة خمس عشرة سنة فأتت عدد من الروايات التي صدرت في التسعينات فما بعدها قد أعطى اهتماماٍ كبيراٍ لتطور مظاهر العنف الاجتماعي والسياسي والعسكري والجنسي التي اتخذت أبعاداٍ واسعة ومتنوعة في الأدب اليمني بشكل عام وقتئذ وقد ركزت هذه الدراسة على رواية صالح باعامر «المكلا» ورواية وجدي الأهدل «حمار بين الأغاني»..

 

 

أثر العنف

 

أشار عدد من النقاد إلى تفكك السردية في «قوارب جبلية» الرواية الأولى لوجدي الأهدل ويبدو لنا أن هيمنة العنف بأشكاله المختلفة هي التي أدت إلى تشظي السرد في تلك الرواية وجعلها تبدو وكأنها مجموعة من القصص القصيرة المتناثرة وليس عدم قدرة المؤلف على صياغة نصه كما أراد له أن يكون وليصور مدى قدرة مرتكبي العنف على الاختفاء والتمويه والتستر اضطر وجدي الأهدل في روايته الثانية «حمار بين الأغاني» إلى استخدام بناء الرواية البوليسية الذي يذكرنا ببنية أفلام رعاة البقر الأميركية.. وذلك حينما يجعل ضابط الأمن سيف هو نفسه القاتل وكذلك يفعل باعامر في روايته الثانية «المكلا» التي استخدم فيها نوعاٍ من أنواع المونتاج أو «الكولاج» رص بواسطته أجزاء الرواية بشكل يكسب النص.. بالإضافة إلى بنية سردية «حديثة» شيئاٍ من الغموض..

 

يبدو أن الراوي – الذي يؤكد أنه لا يعرف إن كان موقوفاٍ أو معتقلاٍ أم سجيناٍ – يريد الحفاظ عليه..

 

ويمكن أن نشير كذلك إلى أن محمد يحيى الإرياني قد حاول هو أيضاٍ أن يعطي لروايته «نحو الشمس شرقاٍ» بنية مثيرة حينما جعل من بطلة الرواية «نضال الصحياني» أرملة لعوبا وتطاردها المخبرات لأن في حوزتها حقيبة تحتوي «مخططات حل الوحدة اليمنية وكل الشفرات المتعلقة بالعملية وبجهات التمويل» صـ67 .

 

ومن الواضح كذلك أن اتساع ظاهرة العنف قد أثر في البنية الزمنية والمكانية للرواية اليمنية فبالنسبة للزمن بدلاٍ من التركيز على فترة النضال ضد الإمامة أو الاستعمار نلاحظ كثيراٍ من الروائيين يميلون إلى اختيار سنوان الحروب الأهلية اليمنية 1969 و1978 و1986 و1994م كذلك في ما يتعلق بالمكان يمكن أن نلمس تراجع مكانة القرية والمهجر في الرواية اليمنية وبالمقابل نجد أن بعض الروائيين قد نقلوا أحداث رواياتهم حتى دون مبرر إلى مدينة عدن التي اضحت تجسد عنف المكان في الرواية اليمنية.. وهذا ما لاحظناه مثلاٍ في رواية «المكلا» لصالح باعامر كذلك فعل حبيب عبدالرب سروري في روايته «الملكة المغدورة» فعلى الرغم من أن راوي بطل رواية «الملكة المغدورة» لحبيب عبدالرب سروري كان سنة 1986م يقيم في فرنسا.. فهذا لم يمنعه من لي رقبة السرد ليصور مطاردة القتلة لصديقه عدنان داخل أروقة مستشفى الجمهورية في عدن.. وليؤرخ لحرب أخرى من أعنف الحروب الأهلية وأشرسها في تاريخ اليمن الحديث التي سقط فيها الآلاف من الناس من بينهم عدنان قائلاٍ: ماذا حدث من غرابة في صباح 13 يناير¿ لا شيء غير عادي.. ربما لا شيء غير عادي إذ نسينا أن تناسخ المؤامرات والكذبات الكبيرة والضربات المقيتة في الحياة السياسية اليمنية سوف تلد كما فعلت دائماٍ وستتجه دورات العنف الخسيس حتماٍ نحو الهاوية نحو واحد من انفجاراتها الهائلة القائلة: اصطفت السلطة والجيش والسكان في عشيرتين كبيرتين وأعلن كل منهما ولاءه لأكثر الشعارات صواباٍ وتقدمية و«أممية بروليتارية» كانت الأقنعة التي ألصقت طويلاٍ بالوجوه قد فْصلت لتناسب الوجوه ويظنها الجميع مخلصة رأت كل عشيرة في الآخر شراٍ مطلقاٍ وعدواٍ ينبغي ذبحه.. معارك قديمة قبلية عشائرية مزينة اليوم بعطورات الصراع الطبقي وفقاٍ لتحليل «عدنان السبعينيات» الساعة العاشرة صباحاٍ ضربت إحدى العشيرتين ضربتها.. انفجرت افظع الحروب في تاريخ اليمن شاملة عنيفة صاعقة كسبتها العشيرة التي كانت مذبحة المماليك قد أعدت لذبحها وانتصرت الضحية فانهمكت في القراءة المفصلة لجميع بطاقات هوية المارة لإفناء العشيرة التي بدأت الحرب بالقدر نفسه من الخسة والشؤم.. صـ 109 – 110

 

هل هناك هيمنة اليوم للعنف في الرواية اليمنية أكثر مما كان عليه الحال قبل 1990م¿ هناك من يرى أن العنف كان وسيظل من أبرز السمات الملازمة للنصوص الأدبية بشكل عام والروائية منها بشكل خاص ومن المؤكد أن الروايات اليمنية التي كتبت بعد سنة 1990م قد تجاوزت بعض الموضوعات كالهجرة والكفاح ضد الإمامة والاستعمار والصراع الطبقي التي هيمنت في الرواية التي صدرت قبل تلك المرحلة وإن كانت الروايات اليمنية قد أخذت خلال السنوات الأخيرة تركز على «حزمة  البعد السياسي وحزمة الجنس» كما يقول الناقد عبدالرحمن الأهدل في «شهادته عن الرواية اليمنية الملحق الثقافي لصحيفة الثورة 21 فبراير 2005م فمن المؤكد أيضاٍ أن تلك الروايات قد تعاملت مع السياسي والجنس من منطلق أنهما منفذان لممارسة العنف والقمع وهناك من يربط اتساع رقعة العنف في الرواية اليمنية برغبة الأدباء في تعرية واقع سياسي واجتماعي تْخلي فيه الديمقراطية المكان لأحادية الرؤية وقمع الآخر المختلف هذا ما يحاول أن يجسده صالح باعامر في روايته «المكلا» ففيها يجد الراوي البطل نفسه دائماٍمقموعاٍ ومن قبل أطراف سياسية متناقضة الأمر الذي يثير دهشته ويجعله يتساءل: ماذا فعل¿ في ذلك الزمان أوقفت بتهمة الانحراف عن الخط الأيديولوجي وقبل أيام حقق معي مضيفي الذي صار الشيخ محسن باعوني بتهمة الإرهاب واليوم يتهمني الشيخ عمر بالليل بالشيوعية.. ماذا فعل¿ صـ 100 – 101

 

وهناك من يرى أن اتساع ظاهرة العنف في الرواية اليمنية يعكس في المقام الأول مدى ترسخ بعض العادات الاجتماعية السلبية في المجتمع اليمني وعلى رأس تلك العادات ظاهرة الثأر فحتى الروائية الشابة اليمنية هند هيثم التي لم تتجاوز بعد الثامنة عشرة من عمرها لم تسلم من لوثة «كتابة» العنف فروايتها الثانية «حرب الخشب» تكشف إلى أي مدى لا يزال الآباء والأبناء مشدودين إلى تلك العادات العنيفة وذلك تحت مبرر الحفاظ على الشرف فعمر سالم بطل الرواية وراويها الذي يحمل اسم عدو عيرته «عمر سالم» لن يستطيع – حتى وإن كان قد أصبح طالباٍ في كلية الطب – أن يتهرب من الخضوع لطقوس الثأر التي أصبحت تشكل عرفاٍ اجتماعياٍ لا يمكن تجاهله فهو يعترف:(قتل ماهر عبدالوهاب فعلها عمي منصور سأقتل الآن ماهر لابد من الحفاظ على شرف القبيلة من أقتل¿.. حرب ثأرنا.. حرب الخشب أكملت أربعين عاماٍ تماماٍ كحروب العرب الشهيرة حرب البسوس وحرب داحس والغبراء كلها دامت أربعين عاماٍ واختلط الحابل بالنابل فلم يعد أحد يعرف من الظالم ومن المظلوم ومن المعتدي والمعتدى عليه صـ 76 وقد خلصت الأستاذة وجدان الصايغ في نهاية دراستها لرواية «حرب الخشب» إلى القول بأن هذه الرواية قد «استطاعت أن تلامس تراجيديا الثأر ودواماته الشرسة ومنذ العنونة التي سخرت من صيرورة الثأر طوفاناٍ يجتاح الأمكنة ونواتها فلا يتركها إلا هشيماٍ تذروه الرياح وقد أعلنت الرواية في أكثر من مفصل عن رؤاها إزاء ما يحصل على الأرض وحرارتها وهي ترقب انفلات فراشات الحضارة واحتراقها في هجير الثأر هذا الحدث الكارثي العابث بإنسانية الذات البشرية ووجودها..

Share

التصنيفات: ثقافــة

Share