Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

التســــــامح .. قدوة إسلامية لكافة البشرية

قد تمر بالإنسان ذكريات مؤلمة تعكر صفو حياته سببها إساءة وقعت عليه أو ظلم سلط عليه أو غير ذلك من المنغصات … ولكن البلسم الشافي لإزالة هذه الأعراض هو التسامح الذي هو قيمة ومبدأ إسلامي حق على كل مسلم أن يفاخر به الأمم خاصة حينما يكون في حياتنا  – كمسلمين – حقيقة قائمة يشاهدها العالم أجمع …..

 

التسامح

 

ذكر الدكتور سلمان بن فهد العودة في مقال بعنوان (التسامح الإسلامي) شيئاٍ من معاني التسامح فقال:

 

التسامح كلمة جميلة باتفاق اللغات والأعراق والأمم كلها ولذلك علينا أن لا نضع أيدينا على قلوبنا وأن لا نخشى من طرح هذا الموضوع بل يجب أن نلح عليه لنكسب أنفسنا والآخرين .

 

التسامح  يعني الصفح عمن أخطأ عليك أو تجاوز حده أو اختلف معك اختلافاٍ غير أخلاقي فالمفهوم بهذا الاعتبار قيمة أخلاقية عظمى وانتصار لروح الخير و الأخلاق في النفس الإنسانية على روح الشر من الاستجابة لنزغات الشيطان.

 

التسامح هو أساس التعامل الذي يفترض أن يحكم علاقة الناس بعضهم ببعض أما الإصرار على رفض التسامح فهو إصرار على إلحاق الأذى بالنفس قبل الآخرين وهو إصرار على المعاناة الشخصية في مواجهة قلب يموج بذكريات مؤلمة عن الآخرين .

 

أهمية التسامح

 

وفي مقال بعنوان:(خلق التسامح في ديننا العظيم) ذكرالأخ وائل نجم حاجة الناس لقيم التسامح فقال:

 

إن العالم اليوم في مشارق الأرض ومغاربها يحتاج إلى تعميم ثقافة وخْلْق التسامح على كافة المستويات حتى تكون ثقافة عامة يعمل بها الراعي والرعية الصغير و الكبير الرجل والمرأة الموظف والتاجر المزارع والصناعي العامل ورب العمل السياسي ورجل الأمن المواطن والمسؤول الشرقي والغربي المسلم وغير المسلم لأن منشأ ذلكالتوجه بالعالم الحائر المضطرب إلى شاطئ وبر الأمان.

 

إن ما يواجهه العالم اليوم وما تواجهه المجتمعات الشرقية والغربية على حد سواء سببه الرئيس تعميم ثقافة الانتقام والبغض والحقد ثقافة القنص والغصب وأكل الحقوق ثقافة المجهر الذي يعمل من الحبة قبة ثقافة الجدل المفضي إلى النار والهلاك ثقافة بث الرعب والشك والظن حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه من مجانبة الصواب و اتباع شريعة الغاب والذئاب فبات العالم اليوم حيراناٍ لا يْعرف له قرار ولا ينجلي فيه نهار.

 

إننا في وطننا العربي – ولا أعرف إن بقي هناك وطن عربي – وكأمة مسلمة آمنت بربها واهتدت بهدي نبيها مطالبون أن نعمم ثقافة التسامح والتواصل لا ثقافة الانتقام من كل شيء في هذا الوجود من الأخضر و اليابس ومن كل كائن حي فهذا ليس من هدي ديننا وإن التعبير عن حالة السخط والفوضى والتراجع والتخلف والضعف الذي تعيشه أمتنا لا يكون بضرب القيم الأخلاقية العظيمة التي قام عليها كيان هذه الأمة وفي مقدمتها قيمة التسامح كما لا يكون بنشر الرعب في مجتمعاتنا و الفوضى في صفوف أمتنا والارتهان للخارج الذي لا يريد خيراٍ لنا.

 

إن ثقافة التسامح تشكل صمام الأمان لعالم مطمئن ومزدهر ومتقدم كماتشكل الأساس المتين لعلاقات طيبة على مستوى الأفراد والمجتمعات لذا من واجب الجميع العمل على نشر قيم وفضائل التسامح حتى تصير ثقافة عامة فنعيش في عالم مطمئن ومتقدم.

 

هذا التسامح مع غير المسلمين:

 

قال أبو الفوارس:

 

ملكنا فكان العفو منـا سجية                

 

فلما ملكتم سـال بالدم أبطح

 

وحللتم قتـلا لأسارى وطالما               

 

غدونا على الأسرى نمن ونصفح

 

وحسبكم هـذا التفاوت بيننا                 

 

وكل إنـاء بالذي فيه ينضح

 

وهاهو برنادلو يتكلم عن  تسامح المسلمين: «وفي نظرة المسلمين إلى المسيحية تسامح وتساهل أكثر بكثير مما في نظرة أوروبا المسيحية المعاصرة التي تنظر إلى الإسلام على أنه باطل وشر. وهذه النظرة المتسامحة من المسلمين تنعكس في المعاملة الحسنة والتسامح الكبيرالذي يلقاه أتباع الديانة المسيحية في المجتمعات الإسلامية بالرغم من موقف المسيحيين كديانة منافسة .

 

ويقول توماس أرنولد : إن تسامح العرب كان وراء دخول الكثير في الإسلام

 

ويقول فيكتور سحاب:  لاشك أن المسيحيين المخضرمين الذين عاصروا الفتح الإسلامي هم أكثر من لمس الأمر بوضوح إذ انتقلوا فجأة من سلطان دولة كانت تضطهدهم اضطهادا ٍوصفه بعض المؤرخين العصريين في أوروبا بأنه لايشبه حتى أعمال البهائم إلى سلطان دولة حافظت لهم على أديارهم وبيعهم كما خيرتهم بين اعتناق الإسلام والبقاء على دينهم بشرط الدخول في ذمة المسلمين أي بشرط الانضمام إلى دولة الإسلام ورفض القتال مع أعدائها وكان ( ألكيروس)- الكنيسة المصرية – متخفياٍٍفي الصحارى هرباٍ من المذابح البيزنطية º فلما جاء الفتح الإسلامي عادت الكنيسة المصرية إلى حريتها الكاملة علنا ٍ و لقد كان في الإسلام متسع للنصارى لم يكن متاحاٍ لهم شيء منه في دولة بيزنطية , وتمتعت المذاهب المسيحية العربية على اختلافها بعد ظهور الإسلام بالحرية التي كانت تقاتل من أجلها تحت حكم بيزنطة ووقت كانت جميع الدول لا ترضى بدين آخر داخل تخومها. 

 

يقول الدكتور سلمان العودة :كثيرا ما نسمع عن التسامح في التعامل مع الأديان الأخرى ونحن نجد أن نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم يقول : (ألا من ظلم معاهداٍ أو انتقض أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاٍ بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة )

 

ومن المتواتر المشهور أن أصحاب الديانات   من اليهودية والنصرانية والمجوس والصابئة عاشوا في ظل الحكم الإسلامي قروناٍ طويلة محفوظةٍ كرامتهم مرعيةٍ ذممهم وعهودهم ولوشاءت الحكومات الإسلامية عبرالعصور لصنعت معهم كما صنع (فرناندو) مع المسلمين في الأندلس حينما قام بطردهم وقتلهم خلال مجزرة بشعة سموها (محاكم التفتيش) أو كما صنع لويس الرابع عشرالذي اعتبر البروتستانتية ديانة محرمة يعاقب عليها القانون أويصفي أهلها أوكما صنع البريطانيون الذين حرموا على اليهود أن يدخلوا إلى أرض بريطانيا لأكثر من ثلاثمائة وخمسين سنة بينما المسلمون لم يستخدموا في تاريخهم هذه اللغة ولم يقوموا بمثل هذه التصفيات مع أنهم كانوا أسيادا لموقف عبر قرون طويلة تزيد على عشرة قرون فأي قيمة عملية ونظرية أعظم من هذا التسامح الذي جسده الإسلام يقول الله تعالى : (قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله) فالمؤمنون يغفرون للمشركين الذين لايرجون أيام الله يقول الله جل وتعالى:) (فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون وقال سبحانه: ) فاصفح الصفح الجميل ) وقال سبحانه وتعالى:(خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) وقال عن صفة عباد الرحمن المؤمنين:(وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماٍ)

 

فهذه معاني قرآنية محكمة من قطعيات الدين تدل على أن التسامح لغة إسلامية أصيلة ومعنىٍ أخلاقي شرعه الإسلام وحث عليه قبل أن تولد فلسفة التسامح في الفكر الغربي الحديث.

 

لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستخدم التسامح ويستعمله حتى مع المنافقين الذين يعرف أنهم كذلك ومع أنهم يمثلون أعداء الداخل فلقد عفا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ابن أبي سلول مراراٍ وزاره لما مرض وصلى عليه لما مات ونزل على قبره وألبسه قميصه وهذا الرجل هو الذي آذى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عرضه يوم حادثة الإفك º فيقول عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أتصلي عليه وهو الذي فعل وفعل ¿ فيقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (يا عمرإني خْيرت فاخترت قد قيل لي : استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم  و لو أعلم أني لوزدت على السبعين غفر له لزدت) فنسخ جواز الصلاة عليهم بقوله تعالى: (ولا تصل على أحد منهم مات أبداٍ ولا تقم على قبره) لكن التسامح لم ينسخ أبداٍ.

 

بين المسلمين:

 

لاشك أن للمسلم على أخيه المسلم حقوقا وواجبات وهو أفضل حالاٍ ومكانة من غير المسلمين ولابد أن يكرم بقدر مالديه من الدين .. ولما كانت الشريعة الغراء توصي بالتعامل الحسن مع غير المسلمين والحرص على العفو والتسامح فكيف بالمسلم الذي هو عند الله أعز من الكافر ..فلا بد إذاٍ من إكرام المسلم والتجاوز عن زلاته والعفو عنه إذا أخطأ فها هوأحد الصحابة يخطئ في حق صحابي آخر فيقول له يا ابن السوداء فلما بلغ النبي ذلك قال له : إنك امرؤ فيك جاهلية فما كان من هذا الصحابي إلا أن يسارع إلى من أخطأ في حقه ويقول له دس على رقبة ابن البيضاء فيقول له  الآخر لا أدوس على رقبة تسجد لله تعالى …

 

صور من التسامح

 

الله تعالى اسمه العفو وهو (يعفو عن السيئات) (ويعفو عن كثير) و أمر الله تعالى عباده أن يعفوا بعضهم بعضاٍ وأن يتعاملوا بينهم بالتسامح – بالضوابط الشرعية – فقال : (وليعفوا وليصفحوا) وقال تعالى :(خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) وقال تعالى:(والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) وقال :(فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) فالله عز وجل هو العفو وهو أول من عفا وغفر عفا عمن أذنب وقصر وعفا عمن عصاه حين استغفر وعفا عمن بارزه بالذنوب والمعاصي متناسياٍ علم ربه بذلك وقدرته عليه إذا تاب وأناب ….

 

وخيرة خلق الله من الأنبياء كانوا متسامحين مع خلق الله تعالى فلا يحقدون ولا ينتقمون لأنفسهم أبداٍ.. فهذا نبي الله يوسف عفا  عن إخوته الذين كادوا له و ألقوه في غيابت الجب وبعد محنة طويلة يقول لهم : لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم…وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم يسير المسافات الطويلة إلى الطائف سيراٍ على الأقدام ليدلهم على رحمة الله ويحذرهم من عذابه فلقي منهم أشد الأذى حين سلطواعليه السفهاء منهم ليقذفوه بالحجارة حتى سالت الدماء من قدميه الشريفتين وهو يسير تحت ذلك الوابل من الحجارة باحثاٍ عن مأوى يتقي فيه ذلك الأذى…وأثناء تلك المحنة وذلك الأذى ينزل الله نصرته لنبيه فيأتيه جبريل عليه السلام برفقته ملك الجبال ويعرض عليه – إن شاء – أن يطبق عليهم جبلين عظيمين عقوبة لهم حين آذوه ولكن سجية العفو عند النبي عليه الصلاة والسلام غلبت على صعوبة ذلك الموقف فأبى أن ينتقم مؤملاٍ من الله عز وجل أن يخرج من أصلابهم من يوحد الله ولا يشرك به شيئاٍ…

 

ولا يغيب عن أذهاننا أيضاٍ ذلك المشهد العظيم حين دخل النبي عليه الصلاة والسلام مع أصحابه مكة فاتحين بعد زمن من فراقهم لذلك البلد الذي عاشوا وترعرعوا فيه ولم يهاجروا منه إلا مكرهين حين اشتد أذى المشركين عليهم وهاهو النبي عليه الصلاة والسلام ذات مرة يقول – في معنى كلامه – والله إنك لأحب البقاع إلي ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت …. ورغم ذلك كله حين دخلوها فاتحين طأطأ النبي عليه الصلاة والسلام رأسه معظما ربه مفتقراٍ من حوله وقوته إلى حول الله وقوته …ولما سألهم : ما تظنون أني فاعل بكم قالوا:أخ كريم وابن أخ كريم فقال عليه الصلاة والسلام :إذهبوا فأنتم الطلقاء…

 

وللصحابة والتابعين أمثلة رائعة في مظاهر التسامح في ما بينهم ….

 

ولم تزل هذا السجية مع رحيل هؤلاء القوم لأنها فطرة ربانية لمن عزم على السير في الطريق إلى الله تعالى … وهذا ابن تيمية رحمه الله تعالى له بيان رائع لمعنى التسامح وسلامة الصدر حين قال :أحللت كل مسلم عن إيذائه لي…

 

يقول عنه ابن قيم الجوزية رحمه الله – وهو من تلاميذه وأقرب الناس إليه:

 

( كان يدعو لأعدائه مارأيته يدعو على واحد منهم وقدنعيت إليه يوماٍ أحد معارضيه الذي كان يفوق الناس في إيذائه وعدائه فزجرني وأعرض عني وقرأ : إنا لله وإنا إليه راجعون وذهب لساعته إلى منزله فعزى أهله وقال:  اعتبروني خليفة له و نائباٍ عنه وأساعدكم في كل ماتحتاجون إليه وتحدث معهم بلطف وإكرام بعث فيهم السرور فبالغ في الدعاء لهم حتى تعجبوا منه).

 

وقال ابن تيمية في رسالة كتبها وهو في السجن إلى تلاميذه ومحبيه يتحدث عن خصومه الذين تسببوا في دخوله السجن ومصادرة كتبه : ( أنا أحب لهم أن ينالوا من اللذة والسرور والنعيم ماتقر به أعينهم وأن يفتح لهم من معرفة الله وطاعته والجهاد في سبيله ما يصلون به إلى أعلى الدرجات) .

 

وفي آخر لحظاته في هذه الحياة الدنيا وهو في السجن البارد الضيق الذي أدخل فيه ظلماٍ بسبب كيد أعدائه أخبر صديقه وصاحبه في السجن الشيخ عبدالله الزرعي أنه سامح جميع أعدائه وحللهم من عداوته وسبه !

 

فرصة

 

لا شك أن من يتعامل بهذه الصفة يجد ثمرة ذلك في قلبه وحياته فلا يكاد الحسد والحقد يجدان طريقاٍ إلى قلبه أبداٍ ولا يجد من يعاديه سبيلاٍ إلى مضرته وذلك أنه يعفو عن كل ما يلاقيه من أذى … وبين هذا وذاك فلا شك أن من رضي بهذا الخلق وتخلق به فأجره عند الله عظيم…وما أشد حاجتنا جميعا للحرص على هذه السجية فما أشد ضررغيابها على حياة المجتمع وتفكك أفراده فكم من أسرة تفككت وكم من قرابة هجرت وكم من صديق تحولت صحبته إلى عداوة حين غاب التسامح بين هؤلاء ……

 

والآن هل آن الأوان لأن نعفو ونصفح ونسامح ونتجاوز …ألا تحبون أن يغفر الله لكم¿ فرصة ..فلا تفوتكم..

Share

التصنيفات: نور على نور

Share