Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

يـــرى أن التغـــيير لا يعــني اســــتبدال بنـــية بأخــــرى د.الباري: المنظـــمات تضطــلع بــدور هــام ومحـوري في البيئـة المجتمعية

تب/عبده الأوع:

 

alakoa777@hotmail.com

 

تكمن أهمية الديمقراطية في كونها الإطار السياسي المستوعب للتعددية القائمة في المجتمع والتي تمتلك رؤى متمايزة للواقع وللمستقبل في إطاره ومن هذا التمايز والاختلاف يأتي الأفضل بشكل دائم ومتجدد طالما أن هناك تنافساٍ مؤسسياٍ برامجياٍ يحقق التوازن.

 

ويشير الدكتور محمود البكاري الباحث في علم الاجتماع السياسي إلى أن المنظمات المدنية على صعيد إحداث التغيير في البيئة المجتمعية السائدة تضطلع بدور هام ومحوري لا بد أن يتسم بدرجة عالية من العقلانية و المهارة في التعامل مع البنى المجتمعية التقليدية باعتبار أن التطور والتغيير لا يعني بالضرورة استبدال بنية بأخرى ولكن فتح مجالات وآفاق جديدة للتطور مع الحفاظ على كل ما هو إيجابي قائم كما أن العلاقة بين المجتمع المدني والدولة يجب أن تقوم على الحوار والشراكة والتفاهم دون التماهي حفاظاٍ على استقلاليتها وتمايزها.

 

يبدأ الدكتور البكاري قائلاٍ: من المهم في بداية الحديث عن الدور التغييري لمنظمات المجتمع المدني الإشارة إلى نمطين من التغيير لإبراز الفارق بينهما وتحديد الملائم لعمل هذه المنظمات الأول ويتمثل بالتغيير الجذري أو الكلي للواقع المجتمعي وبشكل فجائي وهو لا يحدث إلا عبر الثورات الاجتماعية لكنه بالمقابل لا يحقق التطور المنشود دفعة واحدة فلا بد أن يسلك عدة مراحل تطورية.

 

والثاني يتمثل بالتغيير السلمي عبر الإصلاح الممنهج القائم على التدرج المنظم بصورة شاملة ومستمرة للواقع المجتمعي بأبعاده المتعددة سياسياٍ واقتصادياٍ واجتماعياٍ وثقافياٍ وبالآلية الديمقراطية.

 

مؤكداٍ أن التطور لا يعني ضرورة استبدال بنية بأخرى ولكن فتح مجالات وآفاق جديدة للتطور مع الحفاظ على كل ما هو ايجابي قائم. وهذا هو المعنى لمفهوم التغيير الذي نتبناه في سياق هذا الحديث سيما وأن مفهوم المجتمع المدني في الواقع العربي عموماٍ واليمن جزء من هذا السياق المجتمعي كان ولا يزال يثير إشكالية مركبة متعددة الجوانب الصدام والتنافر تارة والتغلغل والتماهي تارة أخرى أكان ذلك على صعيد العلاقة بالقوى السياسية القائمة سلطة ومعارضة حيث يسعى كل طرف إلى تجيير منظمات المجتمع المدني لصالحه والدوران في فلكه أو حتى في ما بين هذه التكوينات المؤسسية المدنية والأصل أن تقوم هذه العلاقة على التكامل والشراكة بوصف المجتمع المدني هو المجتمع بقواه الحية والفاعلة وليس مجرد اصطفاف مؤسسي نخبوي يبدو وكأنه الخطر الداهم على السلطة والمجتمع التقليدي فضلاٍ عن أن الدولة هي مؤسسة المؤسسات أو المؤسسة الكبرى في حين تأتي أهمية دور منظمات المجتمع المدني على صعيد التغيير السلمي والايجابي من كونها تمثل قنوات ومسارب يعبر من خلالها المجتمع بكافة تكويناته عن مصالحه وغاياته بالتكامل مع الجهد الرسمي للدولة في المهام ومستقل عنها في الإدارة والتسيير والتمويل والدولة في الأساس مستفيدة أو هكذا يفترض من هذا التكامل والشراكة في أحداث التغيير المطلوب للواقع المجتمعي التقليدي وعندما نتحدث عن مؤسسات المجتمع المدني الحديث فإن ذلك لا يعني أن المجتمع التقليدي غير مؤسسي فهو أيضاٍ يقوم على مؤسسات لكنها مؤسسات مختلفة في الوظائف والخصائص تقوم على تراتبية اجتماعية متوارثة.

 

مضيفاٍ: وبهذا المعنى فإن دور المنظمات المدنية على صعيد إحداث التغيير في البنية المجتمعية السائدة هو دور هام ومحوري ولا بد أن يتسم بدرجة عالية من العقلانية والمهارة في التعامل مع البنى التقليدية للمجتمع وينطلق بقدر كبير من الحذر والعلاقة الحسنة بحيث لا تدخل في مواجهة القوى التقليدية التي تملك من القوة بفعل تغلغلها تاريخياٍ وثقافياٍ في العمق المجتمعي ما يجعلها قادرة على إعاقة المشروع الحداثي إما من خلال القمع أو الاحتواء والتغلغل في بناها المؤسسية وبذلك تصبح هذه المؤسسات عبارة عن نسخ مكررة للمؤسسات التقليدية بقوالب حديثة.

 

ويزداد الأمر أهمية بالنظر إلى حداثة نشوء المجتمع المدني كمفهوم وممارسة في إطار مجتمع تقليدي.

 

موضحاٍ أن من ملامح التحديث للواقع المجتمعي التقليدي هو العمل الدؤوب لتمدين الريف بدلاٍ من ترييف المدينة للحد من دور الجماعات التقليدية الوسطية بين الدولة والمجتمع وتلعب دوراٍ كبيراٍ في التأثير على مدخلات ومخرجات الممارسة الديمقراطية وهو الدور الذي ينبغي أن تتولاه المنظمات المدنية اذ وفي ظل الدولة المدنية الحديثة  لم يعد بمقدور الفرد أن يطالب أو يدافع عن حقوقه بشكل انفرادي فلا بد من وجود أطر مؤسسية كالنقابات والاتحادات مثلاٍ تنظم هذه العلاقة مع الدولة بدلاٍ من الاعتماد على المفاتيح والرموز الاجتماعية وهو الأسلوب الأوفر كلفة وجهداٍ على الدولة والمجتمع من سيادة الفوضى والصراع السياسي والاجتماعي المعبر عن وجود تناقض في الرؤى الفكرية والمصالح المادية بين مختلف القوى المتنافسة على السلطة والثروة مع التحفظ الشديد على أن تكون الثروة والتي هي ملكية عامة للجميع مجالاٍ للتنافس والرغبة في الاستحواذ من أي طرف ولذلك تكمن أهمية الديمرقراطية في كونها الإطار السياسي المستوعب للتعددية القائمة في المجتمع والتي تمتلك رؤى متمايزة للواقع وللمستقبل في إطار المجتمع ومن هذا  التمايز والاختلاف يأتي الأفضل وبشكل دائم ومتجدد طالما أن هناك تنافساٍ وتشير التجربة التاريخية لعملية التطور الديمقراطي في المجتمعات الغربية إلى أن الديمقراطية شكلت المتغير المستقل الذي أحدث التغيير الهائل في كافة المتغيرات الأخرى وصولاٍ إلى تحقيق النهوض المجتمعي الشامل وولوج مرحلة الحداثة التي أدت إلى جعل الديمقراطية المتغير التابع في ظل واقع مجتمعي حداثي يتجلى في قدرة المجتمع على ممارسة حقه السيادي على السلطة وليس العكس.

 

لافتاٍ أن هذا لا يمنع من القول أن العلاقة بين المجتمع المدني والدولة يجب أن تقوم على الحوار والشراكة والتفاهم دون التماهي حفاظاٍ على استقلاليتها وتمايزها ليس فقط على مستوى العلاقة مع السلطة ولكن ينبغي أن يشمل ذلك التمايز والاستقلالية عن الأحزاب السياسية بكل ما يعنيه ذلك من عدم الانخراط في الصراع السياسي أو التنافس على السلطة لأن المنظمات المدنية هي أدوات ضاغطة تحقق التوازن وتعمل على ترجيح كفة التنافس المؤسسي والبرامجي على السلطة بين أطراف العملية السياسية.

 

وبالإجمال فإن التماهي والذوبان أو الصدام مع المؤسسات السياسية الرسمية أو الحزبية يفرغ هذه الأطر التنويرية والتحديثية من مهامها ويشغلها عن تحقيق أهدافها الحقيقية وتصبح مجرد كم بلا نوع أو كيف ويصبح الكم على  حساب النوعية والأداء الذي يميزها عن المؤسسات والهياكل التقليدية كمنظمات طوعية مفتوحة وغير شخصية أو إرثية وغير هادفة للربح المادي أو السياسي والمعنوي لشخوص القائمين عليها مشدداٍ على ظاهرة الشخصنة التي تعاني منها معظم المنظمات المدنية ولا تزال غير قادرة على تجاوزها على غرار بعض الأحزاب السياسية بذريعة المحافظة على البقاء والاستمرارية والعكس من ذلك هو الصحيح فالشخصنة هي منبع كل الاختلالات في الأداء العام الذي يفتقد إلى وجود برامج وأنشطة مدعومة ومسنودة ومعززة بدراسات وأبحاث علمية دقيقة لمتطلبات وأولويات التحديث للواقع المجتمعي بكافة أبعاده بما في ذلك عملية التطور السياسي. الذي لم يعد يحتل الأولوية لجهة ترسيخ الممارسة الديمقراطية في تكوينها الداخلي وبالتالي كيف يمكن المطالبة بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة على المستوى العام –  الدولة المجتمع – وانعدام هذه الممارسة أو هشاشتها على المستوى الخاص – أحزاب سياسية منظمات مدنية والتي تعد على الأقل أداة هامة لتفعيل المحاسبة ومكافحة الفساد ولذلك ينبغي أن تنصب الجهود على تشخيص حالات التخلف وجذورها السببية وما احدثته تراكماتها من تشويهات عميقة أصابت مختلف جوانب الحياة المجتمعية وتعيق عملية الاندماج العضوي بين تكوينات المجتمع من جانب ومع الدولة من جانب آخر فيصار إلى نظام ديمقراطي تعددي شكلاني سطحي لا يتغلغل في العمق المجتمعي. وبذلك تبدو الدولة بمؤسساتها الرسمية والمجتمع بهياكله وأطره المؤسسية الحزبية والمدنية يسيران في خطين متوازيين لا يلتقيان مما يجعل من خارطة التحالفات الحزبية والمدنية غير فاعلة على صعيد إنضاج وتعزيز الممارسة الديمقراطية بكافة مستوياتها وبقدر حالة المناكفات وعلاقة الشك والريبة المتبادلة بين الأحزاب والقوى السياسية تسود حالة من الكيد والعلاقة التنافرية بين منظمات المجتمع المدني فتكون المحصلة النهائية مزيداٍ من التشرذم والانفلات في الواقع التعددي وكل طرف يلقي على الآخر مسؤولية الجمود في الممارسة الديمقراطية ما يعني  عجز أي من هذه الاطراف عن الإمساك بزمام  المبادرة ليشكل بذاته التغيير الذي يريد أن يراه في الآخرين والواقع.. منوهاٍ بأن الديمقراطية في المحصلة النهائية هي أداة لتنظيم المصالح المشروعة لكافة الأطراف إلا أنه لم تتضح ولم تتبلور رؤية واضحة ودقيقة لمفهوم وحدود المصلحة العامة والخاصة لذلك.

 

وعلى صعيد الأطر المؤسسية حزبية ومدنية يمكن القول أن مصالحها الأساسية تتمثل في جانبين الأول نجاح وقبول رؤاها وبرامجها التنويرية والتغييرية جماهيرياٍ كفوز ومكسب معنوي والثاني اكتشاف وإبراز القيادات الكاريزمية المغمورة من بين مجموع الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والقادرة على تحويل هذه البرامج إلى واقع حداثي كمكسب مادي للمجتمع ما يدفع بقية القوى والفعاليات إلى البحث عن أفضل الوسائل التنافسية لتقديم الأحدث والأفضل وهكذا يتراكم التطور وتتعاظم الأفكار والخبرات وأي شعب يمتلك مخزوناٍ هائلاٍ من القدرات الإبداعية فيما لو أمتلك الفرصة في التعبير عن ذاته وإرادته وهو ما لن يتحقق أما في الحالة الاستاتيكية الجامدة التي تجعل من الأطر المؤسسية القائمة مجرد اختزال لحجم التعددية القائمة في المجتمع أو في ظل الحالة الديناميكية التنافرية المفضية إلى الصراع حول مجموع الأهداف التي لا يجب الخلاف حولها وفي الحالتين تفقد الممارسة الديمقراطية مضمونها الحقيقي..

Share

التصنيفات: الشارع السياسي

Share