Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

فـــي‮ ‬ذـرى الطــيب صـــالح

فـــي‮ ‬ذـرى الطــيب صـــالح
‮ ‬د‮. ‬جـــــــلال إمـــــــين
‮> ‬الطيب صالح شخصية ثرية جداٍ‮ ‬لا‮ ‬ينضب عنه الكلام كما أن روايته الشهيرة‮ »‬موسم الهجرة إلى الشمال‮« ‬رغم صغر حجمها إلا أنها لا تزال مصدراٍ‮ ‬لا‮ ‬ينضب للأفكار والتحليلات ولكني‮ ‬أريد اليوم أن أتكلم عن جانب واحد من جوانب الطيب صالح‮ ‬‮ ‬وهو موقفه من مشكلة الأصالة والمعاصرة‮. ‬وقد كتبت في‮ ‬هذا من قبل ولكني‮ ‬أريد الآن أن أنظر إليها من زاوية أخرى‮.‬
لم تكن الأصالة والمعاصرة في‮ ‬نظر الطيب صالح مشكلة فكرية فقط بل كانت مشكلة شخصية أيضاٍ‮ ‬نعم إنها مشكلة تواجه بلده السودان‮ ‬‮ ‬وأمته العربية كلها‮ ‬كما تواجه معظم ـ إن لم‮ ‬يكن كل ـ البلاد التي‮ ‬كانت تسمى ببلاد‮» ‬العالم الثالث‮« ‬وهي‮ ‬كيف نحاول التوفيق بين حاجتنا المؤكدة واستيراد الأدوات والأفكار اللازمة لنمونا الاقصادي‮ ‬دون أن نخون ثقافتنا وتراثنا وعاداتنا وتقاليدنا التي‮ ‬تربينا عليها‮ ‬ودخلت في‮ ‬تكويننا النفسي‮ ‬والروحي¿
الحل ليس سهلاٍ‮ ‬بل أحياناٍ‮ ‬يخطر بالبال أنه قد‮ ‬يكون مستحيلاٍ‮ ‬إذ أن استيراد الآلات والأفكار من الغرب لا بد أن‮ ‬يكون على حساب التراث والتقاليد‮ ‬مهما تصورنا‮ ‬غير ذلك‮.‬
هذه المشكلة كان الطيب صالح قد شعر بها على المستوى الشخصى أيضاٍ‮. ‬فها هو صبي‮ ‬قروي‮ ‬صغير‮ ‬‮ ‬يترك قريته السودانية إلى العالم المتقدم بأنواره وعلمه وسلعه المبهرة‮ ‬وكذلك عاداته وقيمه المختلفة اختلافاٍ‮ ‬كبيراٍ‮ ‬عما رآه واعتاده في‮ ‬قريته‮.‬
الجديد مبهر وبالغ‮ ‬الكفاءة والعقلانية ولكن القديم هو أهلي‮ ‬وموضوع ولادتي‮ ‬وذاكرتي‮.‬
كيف‮ ‬يرفض المرء كل هذا النعيم والكفاءة‮. ‬كالذي‮ ‬نراه في‮ ‬الغرب¿ ولكن كيف‮ ‬يتنكر المرء لقومه ومكونات شخصيته وكل تاريخه¿
لم‮ ‬يجد الطيب صالح الحل سهلاٍ‮ ‬على الإطلاق‮. ‬بل إني‮ ‬أعتقد أنه ظل حتى وفاته في‮ ‬فبراير‮ ‬2009‮ ‬عاجزاٍ‮ ‬عن حل المشكلة لقد عرفته سنوات كثيرة عن قرب فرأيته‮ ‬يعيش معظم وقته في‮ ‬موسم معرض الكتاب‮ ‬ولا‮ ‬يتركها إلا حزيناٍ‮ ‬آسفاٍ‮. ‬ورأيته في‮ ‬القاهرة وهو‮ ‬يرتدي‮ ‬الزي‮ ‬الأوروبي‮ ‬الذي‮ ‬يرتديه أيضاٍ‮ ‬في‮ ‬أوروبا‮. ‬ولكني‮ ‬رأيته أيضاٍ‮ ‬وهو‮ ‬يرتدي‮ ‬الزي‮ ‬السوداني‮ ‬الأبيض الجميل بعمامته الرائعة‮ ‬وكأنه‮ ‬يقول لنا ولنفسه إنه لا‮ ‬يرتاح حقيقة ولا‮ ‬يجد نفسه إلا في‮ ‬هذا الزي‮. ‬إنه‮ ‬يحفظ أبياتاٍ‮ ‬جميلة من الشعر الإنكليزي‮ ‬يقطفها بسهولة وإعجاب‮ ‬ولكنه أيضاٍ‮ ‬يعشق المتنبي‮ ‬عشقاٍ‮ ‬فيقتطب لنا أبياتاٍ‮ ‬جميلة‮ ‬ينطقها نطقاٍ‮ ‬متقناٍ‮. ‬هذه هي‮ ‬بالضيط المشكلة الأساسية في‮ ‬رواية‮ »‬موسم الهجرة إلى الشمال‮« »‬بل هي‮ ‬في‮ ‬عنوان الرواية نفسه‮« ‬ولكن لا الهجرة إلى الشمال‮ ‬ولا العودة إلى الجنوب‮. ‬لا ارتداء الزي‮ ‬الأوروبي‮ ‬ولا ارتدء الزي‮ ‬السوداني‮ ‬حل المشكلة فالأمر أشبه بدخول جرثومة في‮ ‬الجسم أبت أن تغادره وكان تعرضنا جميعاٍ‮ ‬للحضارة الغربية بمثابة استقبالنا لهذه الجرثومة دون أن نعرف خطرها فإذا بها مصدر حيويتنا وتقدمنا في‮ ‬أمور كثيرة‮ ‬ولكنها أيضا مصدر عذابنا المستمر كما كانت مصدر إلهام الطيب صالح ومصدر عذابه في‮ ‬الوقت نفسه‮.<‬

Share

التصنيفات: ثقافــة

Share