Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

الثقافة.. المواطنة.. المعرفة

بقلم: د. ليلي تكلا *

 

سأشير هنا إلي الحاجة الماسة إلي ثقافة المواطنة للحد من كوارث متوقعة وغير متوقعة لم أكن أتصور أن الكارثة القادمة سوف تكون علي ذلك القدر من الوحشية التي عبرت عنها مذبحة الإسكندرية.

 

إن الثقافة كالهواء الذي نتنفسه نتشكل حسب نوعيته فهو إما يمد النفس بأكسجين الحياة والصحة والحيوية وإما يصيبها بالأمراض والجراثيم والوهن. إنها بالفعل أحد العوامل الأساسية التي تحدد سلوك الإنسان ومسيرة التنمية بل ومصير الأمم.

 

والإنسان لا يعرف شيئا عن ثقافاته عند الولادة يتعرف عليها أثناء نموه في مجتمع معين. يتشكل عن طريق ملاحظة أنواع السلوك الشائعة في المجتمع وتقليدها. يتأثر بما يعرف وما يقرأ وما يسمع وما يري وما يمر به من تجارب. هذه كلها في تفاعلها وتكاملها إما أن تقوده للتقدم والارتقاء والسلام أو تقوده إلي التخلف والانهيار والعنف وعلينا في البداية أن نحدد بصدق وصراحة وأمانة وموضوعية إلي أي الاتجاهات نسير¿ هل نتحرك صعودا أم ننزلق هبوطا¿ والانزلاق سهل تتزايد سرعته مع تدهوره بينما الصعود صعب بطئ قد يصيب مسيرته الوهن لما يصادفه من عوائق.

 

أما المواطنة فهي ببساطة شديدة الحالة التي فيها تكون الصفة الأساسية للفرد تحدد مكانته وحقوقه وواجباته إنه مواطن بغض النظر عن انتماءاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعقائدية وأن المواطنين علي نفس الأهمية عند تحديد العلاقات واتخاذ القرارات.

 

والعلاقة وثيقة بين الثقافة والمعرفة فالقيم التي تسود المجتمع تقوم علي المعرفة والمعرفة هي الخطوة العملية التي تترجم المعلومات إلي عمل. إننا نعيش ثورة المعلومات والاتصال لكن هذه كلها لا تأتي بالمردود المطلوب منها إلا عندما تتحول إلي المعرفة التي هي استيعاب لمعني ومغزي هذه المعلومات. والمعرفة لا تنتهي أبدا لا حدود لها وهي كالسيل المنهمر الذي لا يتوقف لكنه سيل حميد ينساب ولا يجرف يعطي لكل فرصة الارتواء حسب حاجاته وإمكاناته.

 

من هنا فإن المثقف – في تقديري – هو الشخص الذي يعرف… ويعرف قبل كل شيء أنه لا يعرف إلا لماما يدرك أن المعرفة محيط بلا نهاية يحمل أسرار وخبايا لم نكتشفها بعد تعلو أمواجه وتهبط وتتجدد مياهه مع المتغيرات. يتابع الأحداث والتغيرات ويلم بأفكار مختلفة الاتجاهات. لا يغلق العقل عن أيأ من مصادر المعرفة يتعرف عليها جميعا فيتكون رأيه عن دراية ويدافع عنه بحجة ومنطق بلا تعصب أما الذي يتصور أنه يعرف وأنه مثقف فإنه مازال في حاجة لتثقيف شديد. وفرق بين الثقافة التي هي نتاج طبيعي والتثقيف الذي هو عمل مقصود متعمد.

 

والعاملون في مجال الثقافة ليسوا وحدهم منتجي الثقافة أو القائمين بالتثقيف إنهم يقومون علي إنتاج التعبيرات الثقافية وحمايتها وصقل المتغيرات التي هي نتيجة ثقافة ما وفي نفس الوقت تؤثر فيهاوأيا كانت حصيلة العوامل التي أفرزت ثقافة معينة وقامت بصياغة الإنسان فإنها تحدد أسلوب معالجة الأمور في أبسط القضايا وأكثرها تعقيدا. نجد في بعض المجتمعات أنه إذا حدث تصادم بين سيارتين ينزل سائق كل منهما يتبادلان الكروت وطريقة الاتصال للعمل علي حل المشكلة إما بينهما أو عن طريق الشرطة أو شركة التأمين. في مجتمعات أخري فإن السائقين والراكبين والمارة يشتركون في مشادة كلامية عالية الصوت غاضبة النبرة يتبادلون الاتهامات أو الشتائم وقد يصل الأمر إلي الضرب. في الحالتين هي نفس المشكلة لكن أسلوب التعامل معها اختلف والسبب اختلاف أسلوب الحياة والثقافة السائدة.

 

الخلافات الأسرية التي لا يخلو منها مجتمع في بعض الدول يصبح الخلاف مصدرا للبغضاء والغضب والرغبة في الانتقام وإيذاء الآخر. في مجتمعات أخري يلجأ أطراف النزاع إلي محاكم خاصة لحل المشاكل بأقل قدر من الكراهية التي تدمر العلاقات وتلحق بالأبناء أضرارا بدنية واجتماعية وأخلاقية. الفرق هو اختلاف الثقافة السائدة في أسلوب حل المشاكل.

 

ومكانة المرأة في المجتمع تشكلها ثقافته فهي إما تقوم علي اعتبارها شيئا مثل سلعة يمتلكها الرجل وإما يسود الاعتراف بها كإنسان له فكر وعقل ومشاعر وحقوق عليه مسئولية هائلة في تشكيل المجتمع وكلما أرتقت أحوالها تقدم المجتمع. في بعض المجتمعات يكون الانتماء الديني عاملا مهما – إن لم يكن الأهم – في أسلوب التعامل والحصول علي الحقوق والخدمات وفي دول أخري لا يجوز حتي محاولة التعرف علي العقيدة الدينية التي ينتمي إليها المواطن فهي علاقة خاصة جدا بين الإنسان وخالقه وليس لأحد التدخل فيها بل أن محاولة أي شخص التعرف علي ديانة الآخر يعتبر في بعض الدول مخالفة قانونية تستوجب العقاب.. أين ذلك من مجتمعات أخري تطالب المواطن بالإفصاح عن ديانته في الأوراق الثبوتية قبل أن يحصل علي حق أو يطالب بخدمة!¿
 

عن الأهرام

Share

التصنيفات: منوعــات

Share