Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

أزمــــة .. الميــــاه أنموذجاٍ الأولويات العشر.. طموحات وتحديات !

تب/ عبدالله القاضي:
 كثيرة هي الخطط والبرامج التي تتبناها الحكومة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو تنموية ونحوها.. ولكن هذه الخطط والبرامج تصطدم في نهاية المطاف بالواقع وتواجه العديد من الصعوبات والمعوقات المبررة وغير المبررة وبالتالي لا تجد طريقها للتنفيذ بالشكل المطلوب ويرجع ذلك في كثير من الأحيان إلى أن الحكومة لا تبني خططها وبرامجها على أسس واقعية ومدروسة ولا تمتلك الآليات والسياسات الواضحة والشفافية اللازمة للمراقبة والمتابعة والتقييم لعمليات مراحل التنفيذ.

وإذا ما عدنا بالذاكرة قليلاٍ إلى الوراء سنجد أن الحكومة وخاصة في السنوات الأخيرة أطلقت العديد من الخطط والبرامج ومن بينها على سبيل المثال: برنامج الحكومة التي نالت بموجبه ثقة مجلس النواب والخطة الخمسية الثالثة والرؤية الاستراتيجية لليمن ٥٢٠٢م وبرنامج الاصلاح المالي والإداري والأجندة الوطنية للاصلاح وبرنامج تحقيق أهداف الألفية وليس أخرها برنامج الأولويات العشر التي أعلنتها الحكومة العام الماضي وحددت سقفاٍ زمنياٍ لتنفيذها خلال عشرين شهراٍ بدءاٍ من أغسطس ٩٠٠٢م.

وها نحن بعد مرور أكثر من ٢١ شهراٍ نرى أنه لم يبدأ التنفيذ ما عدا البدء التدريجي في تخفيض فاتورة دعم المشتقات النفطية وفقاٍ للأولوية الثالثة.. ما عدا ذلك فإن ما تم إنجازه حتى الآن لا يتعدى طور الاعداد والترتيبات الإجرائية ومنها تشكيل مكتب تنفيذي ولجنة فنية لمتابعة تنفيذ الأولويات والتعاقد »مؤخراٍ« مع احدى الشركات الاستشارية العالمية »ماكنزي« لوضع آلية التنفيذ.. رغم أنه جاء في حيثيات الأولويات أنها تتبنى أكثر القضايا أهمية ليتم تنفيذها في زمن محدد يلمس نتائجها المواطن بسهولة ويسر وإبرازها »أي الأولويات« كقصص نجاح للبناء عليها وتطويرها في مجالات أخرى.. ولكن ومن خلال التجربة والواقع القائم بتجلياته وتعقيداته المختلفة يمكن للمراقب أن يستنتج بسهولة أن هذه الأولويات على أهميتها ستواجه الكثير من الصعوبات والتحديات كسابقاتها من الخطط والبرامج بدليل أنه لم يتم البدء بتنفيذها حتى الآن رغم مضي أكثر من نصف المدة المحددة ولن يكتب لها النجاح ما دام تنفيذها مرتبطا بنفس الأدوات والآليات القائمة.. وفي هذا السياق أجد أن من المناسب تسليط الضوء على احدى هذه الأولويات وهي الأولوية التاسعة المتعلقة بمعالجة أزمة المياه في اليمن ليس باعتبارها من أولى الأولوليات وأكثرها خطورة فحسب بل كونها كذلك من أكثر القضايا التي جرى الحديث عنها منذ و قت مبكر نسبياٍ ومن أكثر القضايا التي جرى تناولها في الخطاب السياسي والإعلامي والأكثر حظاٍ من حيث الدراسات والبحوث التي أجريت بشأنها من قبل الجهات المعنية المحلية والمنظمات الدولية ذات العلاقة والتي حذرت جميعها من مغبة استنزاف المياه بطرق عشوائية واستخدام طرق تقليدية وخاطئة في الري والحفر العشوائي للآبار وتراجع كميات هطول الأمطار وخلصـــت إلى أن نضوب المياه في اليمن بات قاب قوســـــين أو أدنى وخلال ســنوات معدودات.. ومما له دلالة أن بعض الأحـــواض المائية قد نضبت بالفعل كحوض مدينة تعز وأخرى في طريقها إلى النضوب كحوض صنعاء ورداع وصعدة.. وتؤكد الدراسات المائية أن اليمن تعد من أكثر البلدان التي تعاني من شحة الموارد المائية والأقل تغذية للمياه المتجددة ويرجع ذلك إلى انخفاض معدلات الأمطار وتنامي كمية الاستهلاك السنوي جراء التزايد المتسارع للسكان وتنامي الأنشطة الاقتصادية والزراعية والصناعية والعمرانية.. إلخ بالإضافة إلى التمادي الجائر في استنزاف المياه والحفر العشوائي للآبار واستمرار استخدام الأساليب التقليدية للمياه في الأغراض الزراعية الأمر الذي أدى إلى تنامي العجز السنوي للمياه بمقدار بلغ قرابة مليار متر مكعب وبما يزيد على ثلث الاستهلاك حيث أن المياه المتجددة لا تزيد على ٥.٢ مليار متر مكعب فيما يصل الاستهلاك السنوي إلى ٤.٣ مليار متر مكعب.. وبحسب تلك الدراسات فإن نصيب الفرد في اليمن من المياه لا يتجاوز ٣٪ من معدل نصيب الفرد في العالم المتقدم والذي يصل إلى حوالي ٠٠٠٧ متر مكعب سنوياٍ في حين تشير تقارير منظمة اليونيسف إلى أن نصيب الفرد في اليمن من المياه لا يزيد على ٠٤١ متراٍ مكعباٍ سنوياٍ بما يساوي ٠١٪ من المتوسط العالمي لاستهلاك الفرد من المياه.

أبعاد متعددة

وتتخذ الأزمة المائية في اليمن أشكالاٍ متعددة إذ أنها لم تعد تنحصر في عدم القدرة على توفير احتياجات التنمية والتوسع الزراعي ومتطلبات الأمن الغذائي بل تتعدى ذلك إلى تهديد حاضر ومستقبل الإنسان اليمني ذاته حين يصبح غير قادر على تأمين حاجته من مياه الشرب النقية في وقت تأكد المختصون فيه أن الزراعة تستهلك حوالي ٠٠١٣ مليون متر مكعب سنوياٍ وبنسبة ٠٩٪ من استخدام المياه بينما تصل الاستخدامات المنزلية إلى ٢٣٢ مليون متر مكعب وبنسبة ٧٪ والصناعة ٢٪.

مشاريع استراتيجية

وقد ثبت لدى الخبراء أن ٠٦٪ من المياه المستهلكة في اليمن تذهب لري شجرة القات التي تحتل نصف المساحة المزروعة وتتزايد هذه المساحة بمعدل ٩٪ سنوياٍ كما وجد أن ١٨٪ من الأراضي المزروعة بالقات تروى من المياه الجوفية.

وأمام هذه المشكلة الخطيرة نجد أن السياسات المائية والإجراءات المتخذة من قبل الحكومة لا تتعدى إجراء الدراسات وإقامة الندوات وتدبيج التوصيات وانشاء الكيانات المتعددة التي تقف عاجزة عن التصدي لهذه المشكلة حيث لا يزال الاستنزاف الجائر مستمراٍ والحفر العشوائي في تنام والسياسات التنفيذية غائبة إلا أنه وفي خضم التفاعلات القائمة والجدل الدائر حول مشكلة المياه فقد طرحت بعض الحلول والمقترحات ومنها القول بتحلية المياه فيما يرى البعض أن حلا من هذا النوع مكلف ويحتاج إلى إمكانيات مادية كبيرة قد لا تتناسب مع إمكانيات بلد محدود الموارد كاليمن ومع ذلك فقد أعلن مؤخراٍ عن بعض المشاريع ومنها إنشاء محطات لتحلية المياه في ميناء المخا لإمداد محافظتي تعز وإب بالمياه وهذا المشروع باستثمار يمني سعودي مشترك وفي هذا الصدد يمكن استقطاب القطاع الخاص للاستثمار في مجال المياه واعطاؤه بعض التسهيلات المشجعة إلى جانب قيام الحكومة بتبني مشاريع استراتيجية للحفاظ على المياه وتنمية الموارد المائية بالإضافة إلى الاستفادة من حصاد مياه الأمطار ومعالجة مياه الصرف الصحي وبناء السدود والحواجز والكرفان واستخدام الوسائل الحديثة في الري وسن التشريعات والقوانين للحد من الاستنزاف الجائر والحفر العشوائي للآبار وكذا حشد الجهود الذاتية المحلية ومساعدات المنظمات الدولية والجهات المانحة المهتمة بوضع المياه في اليمن وهذا الأمر مرهون بتوافر إرادة جادة تعمل على حشد جميع الامكانات والطاقات واجتراح الحلول اللازمة ووضع الآليات المناسبة والمزمنة وإخضاعها للرقابة والتقييم المستمر وفقاٍ للقانون وإعمال مبادئ الشفافية والثواب والعقاب.

وتأسيساٍ على ذلك فإنه من الأهمية بمكان الاستفادة من التجارب الإنسانية الناجحة في هذا المجال وتسخير التقنيات الحديثة في التعاطي مع مشكلة المياه ولا بأس من استلهام تجارب الآباء والأجداد الذين استطاعوا بوسائلهم المحدودة في أزمنة بعيدة أن يقهروا الطبيعة القاسية وأن يتعاطوا مع مشكلة المياه من خلال بناء السدود والكرفان والسواقي وتمكنوا من إيصال المياه إلى المزارع والمنازل بكفاءة عالية وبروح التحدي والصمود والإبداع والابتكار التي تحلى بها الآباء والأجداد سنصل إلى ما نصبو إليه دون عناء أو نصب لنجعل من بلادنا جناناٍ خضراء وحدائق غناء مصداقاٍ لقوله تعالى في كتابه العزيز »لقد كان لسبأ في مسكنهم آيه.. جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور« صدق الله العظيم..

Share

التصنيفات: تنميـــة

Share