Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

عدن الحاضن الأمين للطلائع ومركز الحركات الوطنية

استطلاع عبده الأكوع‮ – ‬أحمد المالكي
‮ ‬إن أهم ما‮ ‬يميز فترات ما قبل الثورة اليمنية المباركة‮ ‬26‮ ‬سبتمبر و14‮ ‬أكتوبر أنها حملت الوعي‮ ‬السياسي‮ ‬والوحدوي‮ ‬إلى القمة وكان النضال الوحدوي‮ ‬هو الأساس الذي‮ ‬قامت عليه مختلف التنظيمات والأحزاب السياسية التي‮ ‬شكلت في‮ »‬عدن‮« ‬مركزاٍ‮ ‬أساسياٍ‮ ‬للانطلاق نحو التحرر من الاستعمار البريطاني‮ ‬البغيض والحكم الإمامي‮ ‬المتخلف‮.. ‬ويؤكد الكتِاب والأكاديميون والسياسيون أن وحدة الحركة الوطنية اليمنية قد تجلت في‮ ‬أروع صورها وأن مركز هذه الوحدة كان‮ »‬عدن‮« ‬التي‮ ‬انتشرت فيها مراكز حركة الأحرار وغيرها من المناوئين للحكم الإمامي‮ ‬واجتمع في‮ ‬عدن رجال الحركة الوطنية اليمنية بمختلف توجهاتهم وآيديولوجياتهم من مختلف مناطق اليمن وكان التواصل عميقاٍ‮ ‬بين فصائل الحركة الوطنية سواء منها تلك التي‮ ‬كانت تقاوم الاستعمار أو الإمامة إلى أن قامت ثورة‮ ‬26‮ ‬سبتمبر‮ ‬1962م وثورة الرابع عشر من اكتوبر‮ ‬1963م والتي‮ ‬كانت محصلة للجهود التي‮ ‬بذلتها طلائع الحركة الوطنية اليمنية منذ زمن مبكر حتى انتصرت إرادة الأحرار والمناضلين وخلدوا نضالهم وتضحياتهم بقيام الثورة اليمنية الخالدة سبتمبر وأكتوبر وكانت عدن هي‮ ‬الحاضن الاجتماعي‮ ‬الكبير لكل اليمنيين‮.. ‬المزيد من التفاصيل في‮ ‬سياق هذا الاستطلاع‮..‬
‮> ‬بداية‮ ‬يؤكد الأخ عبدالله محسن ضبعان‮ – ‬وكيل أول محافظة صنعاء أن عدن كانت تمثل الشجرة الوارفة التي‮ ‬كان‮ ‬يتفيأ تحت ظلالها أعداد مختلفة من فئات شعبنا وعلى رأسهم الأحرار اليمنيين‮ ‬حيث كانت الملاذ الآمن والمتنفس العظيم لكل من ضاقت بهم السبل‮  ‬وحْرموا من أبسط مقومات العيش الكريم‮ ‬والذين كانوا‮ ‬يلوذون إلى عدن هرباٍ‮ ‬من جحيم الحكم الإمامي‮ ‬الكهنوتي‮ ‬المتسلط على ما كان‮ ‬يسمى بالشطر الشمالي‮ ‬حينذاك‮.‬
ويضيف‮: ‬كانت عدن في‮ ‬تلك الفترة مدرسة تشكلت فيها عقول الكثير من أبناء الوطن الذين كانوا‮ ‬يمثلون الامتداد الحر للنخب الوطنية التي‮ ‬ظلت على تواصل مع كل أحرار الوطن هنا وهناك على مستوى الوطن اليمني‮.‬
ويردف قائلاٍ‮: ‬انطلقت الحركة الوطنية من عدن وتشكلت فيها‮ ‬ومن خلال هؤلاء العظماء انتشر الوعي‮ ‬الثوري‮ ‬بين مختلف فئات الشعب الذي‮ ‬كان‮ ‬يعاني‮ ‬سواده الأعظم من أبشع صور الجهل والتخلف‮ ‬ناهيك عن الفقر والجهل والمرض جراء القبضة الحديدية لحكم الإمامة في‮ ‬شمال الوطن‮ ‬من خلال سياسة التجهيل التي‮ ‬اتبعها حكم الإمامة الكهنوتي‮ ‬فضلاٍ‮ ‬عن أن عدن كانت مركز إشعاع سطع نوره على بقاع اليمن لقهر ظلم وظلام الإمامة والاستعمار‮ ‬فهي‮ ‬بحق الحاضن الاجتماعي‮ ‬الكبير لمختلف أبناء الشعب السياسي‮ ‬العامل‮ ‬التاجر‮.. ‬الخ والتي‮ ‬كان لها دور في‮ ‬نصرة ثورة السادس والعشرين من سبتمبر التي‮ ‬بدورها هيأت فيما بعد لإشعال ثورة الرابع عشر من أكتوبر كامتداد طبيعي‮ ‬لواحدية الثورة اليمنية المجيدة والخالدة وواحدية مناضليها للانتصار على قوى الاستعمار والتخلف‮ ‬لكن رغم كل العقبات والرؤى المتباينة استطاع الخيرون من أبناء الوطن تجاوز كافة الصعوبات بقيادة ابن اليمن البار فخامة الأخ علي‮ ‬عبدالله صالح‮ – ‬رئيس الجمهورية‮ – ‬توحيد الوطن بعد عقود من الفرقة والشتات‮ ‬فالرحمة والخلود والسلام لكل شهداء سبتمبر وأكتوبر ومن سار ويسير على دربهم وليعش اليمن واحداٍ‮ ‬موحداٍ‮ ‬أبد الدهر‮.‬
ويختتم ضبعان حديثه بالقول‮: ‬ماذا أقول عن هذا الجزء الغالي‮ ‬من الوطن‮ »‬عدن‮« ‬الذي‮ ‬كانت وما تزال بمثابة الرئة في‮ ‬الجسم التي‮ ‬يتنفس منها كل اليمنيين لذا أعتقد مهما قلت أو قال‮ ‬غيري‮ ‬فقد تعجز الألسن وتتلاشى العبارات إذا أردنا أن ننصف عدن بما تستحق وما‮ ‬يليق بها وبفضلها على الوطن في‮ ‬العهود المظلمة بأيامها السوداء من الوصف المنصف‮.‬
وعاء كبير
فيما‮ ‬يقول الدكتور أحمد صالح العبادي‮ ‬نائب عميد كلية الآداب للشؤون الأكاديمية استاذ التاريخ العربي‮ ‬القديم‮ – ‬جامعة ذمار‮: ‬لا عجب أن تصبح عدن الوعاء والبيت الكبير الذي‮ ‬تتربى وتترعرع بداخله‮ ‬وتنطلق منه كواكب الأدباء والشعراء والمفكرين والسياسيين‮ ‬وأن تكون الحاضن الاجتماعي‮ ‬الكبير لطلائع الحركة الثورية والوطنية التي‮ ‬قارعت الاستعمار البريطاني‮ ‬في‮ ‬جنوب اليمن والإمامة في‮ ‬شماله‮.‬
ويضيف‮: ‬ما بين عامي‮ ‬1942‮ – ‬1944م احتضنت عدن حركة المعارضة ضد حكم الإمامة حيث استقبلت عناصر المعارضة الوطنية بقيادة مطيع دماج والنعمان والزبيري‮ ‬وظهر فيها أحمد الشامي‮ ‬والشاعر زيد الموشكي‮ ‬وغيرهم‮ ‬شرعوا في‮ ‬إعداد الخطة السياسية لحركة المعارضة التي‮ ‬أصبحت قيادتها في‮ ‬مدينة عدن ومنها أعلنت عن برنامجها ومطالبها العادلة‮ ‬وفي‮ ‬عام‮ ‬1946م أطلقت عناصر المعارضة اليمنية على نفسها اسم‮ »‬الأحرار اليمنيين‮« ‬كما كان أول اجتماع للأحرار اليمنيين فيها‮ ‬وثم تكوين أول منظمة سياسية للأحرار هي‮ »‬الجمعية اليمانية الكبرى‮« ‬وتم إصدار جريدة‮ »‬صوت اليمن‮« ‬التي‮ ‬قامت بنشر وثائق ومطالب الأحرار اليمنيين‮ ‬وبدأت المعارضة للنظام الإمامي‮ ‬البائد تصوب سهامها نحو أسرة بيت حميد الدين وحكمها الثيوقراطي‮ ‬الرجعي‮.‬
ويؤكد‮: ‬احتضنت عدن عدداٍ‮ ‬من التجمعات والتيارات والحركات الوطنية والثورية التي‮ ‬قاومت الاستعمار البريطاني‮ ‬وحكم الإمامة الرجعية‮ ‬ومن تلك التيارات والحركات نذكر الآتي‮:‬
أولاٍ‮: ‬الجبهة الوطنية المتحدة التي‮ ‬تشكلت في‮ ‬عدن عام‮ ‬1955م بزعامة عبدالله باذيب ومحمد عبده نعمان الحكيمي‮ ‬ومحمد سعيد مسواط وآخرين‮ ‬والتي‮ ‬هدفت إلى مقاومة الاستعمار والرجعية والإقطاع وتوحيد السلطنات الجنوبية تحت سلطة دولة واحدة‮ ‬يندمج فيها شمال اليمن بعد إسقاط النظام الإمامي‮ ‬وإعلان الجمهورية‮.‬
ثانياٍ‮: ‬الحركة العمالية تشكل في‮ ‬عدن اتحاد نقابات العمال في‮ ‬مارس عام‮ ‬1956م وقد أخذ عدد النقابات العمالية في‮ ‬التزايد حيث بلغ‮ ‬عدد النقابات عام‮ ‬1962م‮ (‬22‮) ‬نقابة تضم في‮ ‬عضويتها‮ (‬21‭.‬400‮) ‬عضو نقابي‮ ‬وعلى الرغم من الاختلافات والميول والاتجاهات التي‮ ‬ظهرت في‮ ‬بعضها فقد شكلت النقابات العمالية خطوة مهمة في‮ ‬إنضاج الحركة السياسية بل ووقفت ضد الخط الانفصالي‮ ‬الذي‮ ‬قادته رابطة أبناء الجنوب العربي‮ ‬التي‮ ‬سعت إلى فصل عدن والمحميات عن الوطن الأم وتحولت الحركة العمالية إلى أداة فاعلة للكفاح ضد الاستمعار البريطاني‮ ‬وقد أفرز القطاع العمالي‮ ‬في‮ ‬عدن قيادات نقابية وسياسية وطنية أسهمت بقدر كبير في‮ ‬حركة الثورة اليمنية التي‮ ‬انتقلت أفكارها إلى شتى أنحاء اليمن وقدمت مفهوماٍ‮ ‬شاملاٍ‮ ‬لوحدة التراب اليمني‮ ‬في‮ ‬الشمال والجنوب ودعت إلى تحرير اليمن الطبيعي‮ ‬الموحد من الاستعمار والإمامة وإقامة الدولة اليمنية الواحدة الموحدة‮.‬
ثالثاٍ‮: ‬حركة القوميين العرب‮: ‬تأسست عام‮ ‬1959م في‮ ‬عدن والتي‮ ‬تشكلت من بعض الطلاب العائدين من خارج اليمن لاسيما من القاهرة‮ ‬وقد وقفت هذه الحركة موقفاٍ‮ ‬ايجابياٍ‮ ‬من حركة التحرر العربي‮ ‬والاتجاه القومي‮ ‬والوحدة العربية‮ ‬ووقفت في‮ ‬وجه الدعوات الانفصالية التي‮ ‬قادتها رابطة أبناء الجنوب العربي‮.‬
رابعاٍ‮: ‬حركة البعث‮: ‬بدأت تظهر هذه الحركة في‮ ‬عدن في‮ ‬منتصف الخمسينيات من القرن العشرين‮ ‬وفي‮ ‬عام‮ ‬1959م ظهرت كشكل من أشكال التجمع السياسي‮ ‬من خلال بعض الطلبة العائدين من كلُ‮ ‬بغداد‮ ‬ودمشق‮ ‬وتشكلت في‮ ‬أواخر عام‮ ‬1959م عدة حلقات تابعة للحركة في‮ ‬مدينة عدن ثم امتدت إلى حضرموت وصنعاء وكان ذلك بفضل الطلاب العائدين من دمشق وبغداد والقاهرة‮ ‬وقد كان لحركة البعث دور كبير في‮ ‬التغيير وفي‮ ‬العملية الثورية ضد الاستعمار البريطاني‮ ‬والحكم الإمامي‮ ‬كما نادت حركة البعث بوحدة اليمن وهو الأمر الذي‮ ‬يتفق مع مبادئ البعث في‮ ‬الدعوة إلى وحدة الأمة العربية‮.‬
هذا بالإضافة إلى الحركات الوطنية السابقة فقد احتضنت عدن حركات وتيارات أخرى منها الحركة الطلابية والحركة الناصرية والتيار الماركسي‮ (‬الأممي‮). ‬فضلاٍ‮ ‬عن عدد من الجمعيات والاتجاهات الأخرى التي‮ ‬لا‮ ‬يتسع المجال للحديث عنها‮.‬
ويختتم الدكتور العبادي‮ ‬حديثه قائلا‮: ‬يمكننا القول أن التيارات والحركات السالفة الذكر وفرت مناخاٍ‮ ‬فكرياٍ‮ ‬وثقافياٍ‮ ‬مناسباٍ‮ ‬لتنظيم الضباط الأحرار الذي‮ ‬تشكل عام‮ ‬1960م بقيادة الضابط الشاب علي‮ ‬عبدالمغني‮ ‬وقد عقد التنظيم أول اجتماع له عام‮ ‬1961م وحدد التنظيم أهدافه بنسف نظام الحكم الإمامي‮ ‬المتخلف وتغيير الواقع السياسي‮ ‬والاجتماعي‮ ‬والاقتصادي‮ ‬وقيام نظام جمهوري‮ ‬في‮ ‬اليمن وتحويل أراضي‮ ‬الجمهورية المنشودة كي‮ ‬تكون عمقاٍ‮ ‬استراتيجياٍ‮ ‬ونقطة انطلاق لتحرير الجنوب اليمني‮ ‬من الاستعمار البريطاني‮.‬
أخصب الفترات
يقول الدكتور أحمد علي‮ ‬الهمداني‮ ‬في‮ ‬كتابه‮ »‬عدن من الريادة الزمنية إلى الريادة الإبداعية‮« ‬حول التدرج من الوعي‮ ‬المناطقي‮ ‬إلى الوعي‮ ‬الوحدوي‮ ‬أن الخمسينيات تمثل مرحلة قائمة بذاتها ولعلها كانت من أخصب الفترات في‮ ‬حياة الحركة الوطنية اليمنية وفي‮ ‬حياة الأدب اليمني‮ ‬المعاصر فقد أصلت الخمسينيات كل ما أسسته العشرينيات حتى الأربعينيات في‮ ‬أكثر من اتجاه وفي‮ ‬أكثر من مجال ولم‮ ‬يكن التأسيس أو التأصيل في‮ ‬هذه الفترة محصوراٍ‮ ‬في‮ ‬مجال معين أو مقصوراٍ‮ ‬على ميدان محدد وإنما شمل الحياة الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والسياسية على اختلاف مناحيها وأصبحت الخمسينيات فترة ازدهار على عدة مستويات في‮ »‬عدن‮« ‬ونواحيها‮.. ‬ويضيف الدكتور الهمداني‮: ‬إن ما‮ ‬يميز فترة الخمسينيات أنها حملت الوعي‮ ‬السياسي‮ ‬والوحدوي‮ ‬إلى القمة وكان النضال الوحدوي‮ ‬هو الأساس الذي‮ ‬قامت عليه مختلف التنظيمات والأحزاب السياسية‮ ‬أبرزها‮ »‬المؤتمر العمالي‮« ‬الذي‮ ‬قاد الحركة العمالية إلى الاستقلال والذي‮ ‬شكل في‮ ‬عدن مركزاٍ‮ ‬اساسياٍ‮ ‬من مراكز الدعوة إلى الوحدة اليمنية وأصبح النضال الوحدوي‮ ‬في‮ ‬الخمسينيات‮ ‬يمضي‮ ‬في‮ ‬دائرة المؤتمر العمالي‮ ‬حتى أواخر الستينيات قبل وصول الجبهة القومية إلى السلطة‮ ‬ويقول الدكتور الهمداني‮ ‬في‮ ‬كتابه أنه من المهم أن نعرف أن رجال الحركة الوطنية والوحدة الوطنية من مختلف مناطق اليمن وأن مركز الدعوة إلى الوحدة الوطنية والوحدة اليمنية كانت مدينة عدن الطيبة‮.‬
إهداء إلى عدن
ويضيف الدكتور الهمداني‮ ‬في‮ ‬كتابه قائلاٍ‮: ‬أن الاتجاهات الأساسية للحركة الوطنية اليمنية في‮ ‬الخمسينيات كانت محلية‮ ‬يمنية صرفة في‮ ‬الأغلب بمعنى أنها قامت في‮ ‬اليمن من دون تأثيرات خارجية كبيرة وذلك على عكس الستينيات حيث كان لكل حزب أو تنظيم مصادره الأولى خارج اليمن مثل البعثيين والحركيين أو الأممين وغيرهم‮.. ‬ويؤكد الدكتور الهمداني‮ ‬أن وحدة الحركة الوطنية اليمنية تجلت في‮ ‬أروع صورها في‮ ‬هذه الفترة وأن مركز هذه الوحدة كانت‮ »‬عدن‮« ‬التي‮ ‬انتشرت فيها مراكز‮ »‬حركة الأحرار‮« ‬وغيرها من المناوئين للحكم الإمامي‮ ‬وأن التفاعل بين هذه المراكز وغيرها كان‮ ‬يحمل أبعاداٍ‮ ‬مختلفة وحتى متناقضه في‮ ‬بعض الأحيان ومع هذا كان التواصل عميقاٍ‮ ‬بين فصائل الحركة الوطنية اليمنية سواء منها تلك التي‮ ‬كانت تقاوم الاستعمار أو الإمام‮. ‬وانتهت الخمسينيات بمغادرة الإمام أحمد إلى إيطاليا من أجل العلاج وعودته في‮ ‬العام نفسه من أجل إخماد التململ العام الذي‮ ‬أخذ‮ ‬يتكشف في‮ ‬هدوء وحيطة كما انتهت الخمسينيات بإعلان بريطانيا عن قيام اتحاد إمارات الجنوب العربي‮.. ‬واشتداد مقاومة الحركة الوطنية وإذا كانت الستينيات قد بدأت في‮ ‬صنعاء بمحاولة اغتيال الإمام أحمد في‮ ‬الحديدة أثناء دخوله إلى أحد المستشفيات من أجل إجراء بعض الفحوصات وقيام تنظيم الضباط الأحرار فإن الستينيات قد حملت في‮ ‬طياتها كثيراٍ‮ ‬من المفاجأت التي‮ ‬أهدتها إلى عدن ولعل أبرز الأحداث التي‮ ‬عرفتها الستينيات على مستوى الوطن اليمني‮ ‬كله كانت تطويق‮ »‬المجلس التشريعي‮« ‬في‮ ‬عدن والزحف إلى قصر البشائر الذي‮ ‬أدى إلى قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر الخالدة‮.. ‬ولعل ظهور حزب الشعب الاشتراكي‮ ‬1962م كان أحد العوامل التي‮ ‬هيأت الظروف من أجل الإسراع بالجلاء ومناصرة الثورة الوليدة في‮ ‬صنعاء فقد أسهمت القوى الوطنية كلها من دون استثناء في‮ ‬الدفاع عن الثورة الأم وهب أبناء اليمن من كل حدب وصوب‮ ‬يحملون السلاح ويدافعون عن الجمهورية‮.. ‬على هذا النحو هبت تيارات الحركة الوطنية اليمنية للاستجابة السريعة للحفاظ على بقاء الثورة وثبات الجمهورية في‮ ‬وجه الأعداء من الداخل والخارج ويمكن أن نرى بوضوح ونحن نخوض في‮ ‬هذا الصدد حقيقة وحدة الحركة الوطنية اليمنية التي‮ ‬لم تتجزأ إلا‮ ‬في‮ ‬ظروف مناضلة سلطتين مختلفتين في‮ ‬كل من عدن وصنعاء قبل الثورة‮..‬
ومن هنا نرى أن قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر وما تبعها من إعلان قيام ثورة الرابع عشر من اكتوبر كان محصلة الجهود المتراكمة التي‮ ‬بذلتها الحركة الوطنية اليمنية منذ العشرينيات وربما أمكن القول منذ الغزو العثماني‮ ‬والاحتلال الأجنبي‮ ‬في‮ ‬اليمن‮.‬
بداية العمل المنظم
وتؤكد البحوث التاريخية الحديثة أن موقف اليمنيين من التشطير بدأ‮ ‬يتبلور بعد نتيجة عقد الاتفاقيات التي‮ ‬تمت عام‮ ‬1934م بين الإمام‮ ‬يحيى حميد الدين وبريطانيا من ناحية وبين الإمام‮ ‬يحيى والملك عبدالعزيز من ناحية ثانية التي‮ ‬قسمت اليمن إلى ثلاثة أجزاء‮ ‬جزء مستقل تابع لحكم الإمام وجزءان تم احتلالهما من قبل بريطانيا وبن سعود‮.. ‬هذه الاتفاقيات وضعت الإمام‮ ‬يحيى في‮ ‬موضع‮ (‬المفرط بالأراضي‮ ‬اليمنية في‮ ‬نظر اليمنيين‮) ‬الذين لم تؤثر فيهم التجزئة‮.. ‬وبدأ هذا الشعور‮ ‬يترجم على أرض الواقع حين بدأت تتشكل المعارضة لحكم الإمام‮ ‬يحيى حميد الدين وبدأ العمل السياسي‮ ‬المنظم ليشمل الوطن كاملاٍ‮ ‬من عام‮ (‬1940م‮) ‬حيث تأسست الجمعيات والمنظمات والحلقات الأدبية في‮ ‬جنوب اليمن خاصة‮ »‬في‮ ‬عدن‮« ‬وظهر التوجه السياسي‮ ‬نحو القضاء على الإمامة‮ ‬كما قامت مجموعة من أبناء اليمن وهم الطلاب الذين كانوا‮ ‬يدرسون في‮ ‬الأزهر الشريف بالقاهرة من أبناء الشطرين بتوقيع وثيقة تشكيل كتيبة الشباب اليمني‮ ‬الأولى‮.. ‬هذه الوثيقة أكدت شعور أبناء اليمن بوحدتهم ووحدة مصيرهم في‮ ‬مواجهة الاستعمار والاستبداد سواء كانت الإمامة في‮ ‬شمال اليمن أو الاستعمار البريطاني‮ ‬في‮ ‬جنوبه كما تشكلت عدد من الأندية والجمعيات الثقافية والاجتماعية القروية مثل‮ (‬النادي‮ ‬الأغبري‮ ‬والنادي‮ ‬الذبحاني‮) ‬التي‮ ‬كانت تساعد الفارين من طغيان وظلم الإمام‮ ‬يحيى‮ ‬وكل هذه النشاطات أدت إلى تعميق الترابط بين اليمنيين في‮ ‬الشطرين‮.. ‬وقد حاولت بريطانيا تكريس الانفصال وتمزيق أبناء اليمن فقامت بتأسيس جمعيات تهدف إلى توجيه الفكر والثقافة للتعبير عن مصالحها ولضرب التوجه الوحدوي‮ ‬من الداخل مثل الجمعية العدنية التي‮ ‬رفعت شعار‮ »‬عدن للعدنيين‮« ‬وكذلك‮ »‬رابطة أبناء الجنوب العربي‮« ‬إلا‮ ‬أنها فشلت في‮ ‬ذلك‮ ‬أما اليمنيون فقد قاموا بتشكيل العديد من الحركات والجمعيات التي‮ ‬أتخذت الوحدة اليمنية هدفاٍ‮ ‬لها وعن طريقها تمكنوا من القضاء على الحكم الإمامي‮ ‬في‮ ‬الشمال والاستعمار البريطاني‮ ‬في‮ ‬الجنوب ويؤكد ذلك ما أوردته‮ »‬فالكوفا‮« ‬قائلة‮: ‬من الخطأ عدم ذكر الروابط العميقة بين سكان عدن والمحميات من جانب واليمن من جانب آخر في‮ ‬مجال النضال من أجل التحرر الوطني‮ ‬فقد تطورت هذه الروابط بين قوى حركة التحرر الوطني‮ ‬في‮ ‬المنطقة بشكل كبير خاصة بعد الحرب العالمية الثانية‮ ‬فقد اجتمع في‮ ‬القاهرة في‮ ‬فبراير عام‮ ‬1961م ممثلو الأحزاب في‮ ‬المنطقة بقصد تكوين تجمع واحد لخوض النضال حتى النهاية من أجل تصفية النظام الملكي‮ ‬في‮ ‬الشمال وتحرير الجنوب اليمني‮ ‬المحتل‮.‬
عدن قاعدة انطلاق
وتؤكد البحوث التاريخية الحديثة أن حركة المعارضة للإمام‮ ‬يحيى نشأت كبقية الحركات في‮ ‬اليمن في‮ ‬الشطر الجنوبي‮ ‬للتعبير عن تضامن أبناء الشعب اليمني‮ ‬الواحد ووقوفهم في‮ ‬وجه الحكم الإمامي‮ ‬حيث كانت‮ »‬عدن‮« ‬قاعدة‮  ‬انطلاق لحزب الأحرار اليمنيين الذين انتقلوا من الشطر الشمالي‮ ‬إلى الشطر الجنوبي‮ ‬بعد أن فشلت محاولاتهم للإطاحة بالحكم الإمامي‮ ‬حيث بدأ الأحرار بمناهضة حكم الأئمة ووقفت أعداد كبيرة من أبناء المناطق الجنوبية‮  ‬في‮ ‬عدن إلى جانب‮ »‬حركة المعارضة‮« ‬فتم تكوين أول منظمة سياسية للأحرار اليمنيين‮ »‬الجمعية الكبرى‮« ‬والتي‮ ‬أصدرت صحيفة‮ »‬صوت اليمن‮« ‬في‮ ‬عام‮ ‬1946م وأنضم إلى هذه الحركة سيف الحق إبراهيم ابن الإمام‮ ‬يحيى وحشدت الطاقات المادية والسياسية ضد حكم بيت حميد الدين حتى قيام ثورة‮ ‬1948م التي‮ ‬قضت على الإمام‮ ‬يحيى إلا‮ ‬أن الإمام أحمد ابنه تمكن من القضاء على ثورة‮ ‬48م وإعدام من قبض عليهم من الثوار وأراد الإمام أحمد بعد توليه الإمامة القضاء على حركة المعارضة اليمنية في‮ ‬مهدها‮ »‬عدن‮« ‬فتم التفاوض مع بريطانيا وتوقيع معاهدة لندن عام‮ ‬1951م التي‮ ‬نصت على عدم دعم الانتفاضات القبلية المناوئة لبريطانيا في‮ ‬المحميات مقابل عدم تأييد بريطانيا‮  ‬للحركة الوطنية المناوئة لنظام الإمامة في‮ ‬الشمال‮ ‬بيد أن الثوار واصلوا نشاطهم في‮ ‬القضاء على حكم الأئمة في‮ ‬شمال اليمن بتفجير الحركة التي‮ ‬نفذها أحمد الثلايا عام‮ ‬1955م وعلى الرغم من فشل هذه المحاولات فإن ذلك لم‮ ‬ينل من معنويات الأحرار بل قام اليمنيون من الشطرين باختلاف اتجاهاتهم وآيدلوجياتهم في‮ ‬مستعمرة‮ »‬عدن‮« ‬بتشكيل الجبهة الوطنية المتحدة وانضم اليها الاتحاد اليمني‮ ‬الذي‮ ‬تكون عام‮ ‬1952م أي‮ ‬أن الأحرار اتحدوا من الشمال مع المناضلين من الجنوب ورفضوا جميعاٍ‮ ‬التجزئة بين الشطرين وكان من أهداف الجبهة تصفية الاستعمار البريطاني‮ ‬في‮ ‬الجنوب واسقاط نظام الإمام في‮ ‬الشمال‮.

Share

التصنيفات: تحقيقات

Share