Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

المسؤولية في الحــــــوار!!

يحيى محمد الربيعي

من المؤسف أن يتحول التعدد في الخيار الديمقراطي من أدوات للبناء إلى معاول للهدم ومن عوامل للوفاق والوئام إلى بواعث على القطيعة والتباعد والصراعات السياسية والآيديولوجية التي يؤدي التعصب الأعمى الناتج عن فهم البعض الخاطىء لمضامين العمل السياسي أو الالتزام الآيديولوجي إلى إضعاف الجبهة الداخلية.

ومع هذا الواقع الذي تبدو ملامحه الظاهرية شديدة العتمة والتشاؤم فإن الوطن اليمني كان وسيظل أكبر من تلك التحديات التي تحيق به من مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية بكل عناصر قوته وصموده في عظمة وكبرياء يمتاز بها هذا الوطن الأبي على مر العصور وتحدياتها خاصة وأن الوطن اليوم أكثر اقتداراٍ وحكمة على مواصلة منجزات البناء والتنمية الشاملة.

ويأتي هذا التفاؤل مع حقيقة الإيمان في أن تمادي الاستهانة بالزوابع أو حتى بمستصغر الشرر يؤدي مع طول مداه إلى أفظع النتائج إذ أن مجرد تواجدها يعني أن المحيط الذي يحتضنها مملوء بالشوائب المؤذية وليس بالضرورة أن يكون الأمر سياسياٍ ليستدعي أخذ الحيطة فالسياسي الحصيف هو الذي لا يفرق في تعاطيه مع مجريات الأحداث بمختلف جوانبها من حيث الأهمية فكل الأصعدة اقتصاداٍ وسياسة واجتماعاٍ وثقافة وتربية وتعليماٍ دينياٍ ودنيوياٍ مسؤولية متكاملة تحتم أمانة المسؤولية السياسية الاضطلاع بها فضلاٍ عن أنه لابد أن تتواجد الدولة بنفوذها في كل مكان بقدر ما يوجد في المكان من كثافة سكانية وفرض السيادة حتى على اراضيها الخالية من السكان ولابد من أن يكون هذا الوجود حاضراٍ بالتساوي في استيعاب جميع الاتجاهات وفي حدود الممكن والمتاح وبعيداٍ عن الإفراط في الوعود بالمستحيل الوفاء به لأن من المحال أن ينشأ من لا شيء وجود أو أن يتوالد من العدم شيء لأن العدم أصلاٍ بلا زمان ولا حركة ولا تغيير.

وبالتالي فإن المتعلق بحبال اللاوجود الواهية يتعرض لفقدان المصداقية وانعدام الثقة وتلك ضربة قاصمة خصوصاٍ عندما يرتبط الأمر بالتنمية فإن ذلك يجرح إحساس الجمهور وهو ما ينبغي معه على الممارسين للكذب والخداع والوعود العرقوبية أن يبدأوا بداية جديدة.. بل يجب علينا جميعاٍ أن نجعل من أخطائنا الماضية والتي أوصلتنا إلى مفترق القطيعة مثالاٍ وعبرة وأن نثبت للعالم بطلان اعتقاده بحقيقة هرقليطس حين قال/ إن الصراع لو أنتهى لأنتهى معه العالم/ بتحويل تلك الحقيقة من حقيقة الصراع بمعنى التنازع إلى حقيقة الصراع بمعنى مواجهة تحديات الركود الاقتصادي وأن نحول المعركة من حالة الاقتتال وصناعة الموت إلى حالة توسيع دائرة التنافس الاستثماري وانتاج الحياة لاسيما وبلادنا غنية بمختلف الثروات والتنوعات الاستثمارية ولا ينقصها إلاِ تحريك عجلة التنمية بالطريقة السليمة والخالية من القطيعة والشتات.

وبما أننا اليوم نحاول أن نعبر قناة القطيعة في مستهل التحضير لجدية حوار مفعمة بموجبات الأمل والتفاؤل.. ونسير على مشارف ميلاد الانفراج القريب فلابد أن نكون على يقين عميق بقدرتنا على تجاوز عجزنا الراهن على كافة أصعدته من خلال صياغة التحول الحضاري للحياة اليمنية الوحدوية والديمقراطية الجديدة وهنا يجب التأكيد على أن أي تطلع يكون من شأنه إحداث ذلك التحول لن يجد له أرضية آمنة ما لم نتخطى فتنة التمرد في محافظة صعدة وكل أعمال الخروج على النظام والقانون في بعض مديريات المحافظات الجنوبية والتصدي الحاسم لكل المخاطر الأمنية التي يمثلها تنظيم القاعدة والحد من تفشي الفساد المالي والإداري.

وهو التجاوز الذي لابد أن تقترن خطواته بدراسة متأنية ومتدرجة مع مستويات التحديات الاقتصادية والإنمائية منتجاٍ من رحم الشراكة الوطنية العادلة القائمة على مبدأ الإنصاف في تحمل المسؤولية ونيل الحقوق.. وبالتعاون الاستثماري مع شركاء التنمية عربياٍ ودولياٍ في حدود النفعية التبادلية ووفقاٍ لقاعدة لا ضرر ولا ضرار.

ونحن نتطلع إلى تحقيق شراكة هذا شأنها فإن الواجب الوطني والديني يحتم على كل القوى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية ومنظمات المجتمع المدني وكل الشخصيات الوطنية مناضلين ومشائخ وأعياناٍ أن تتفاعل بجدية مع دعوة فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية والتي يقول فيها لـ: »يدلي كل طرف في القوى السياسية بدلوه يقدمون أوراق عمل نناقشها وماهو صالح منها سنقبل به وما فيه شطط أو فيه طرح غير مقبول سنتحاور حوله حتى نصل إلى لغة مشتركة«.

وتتجلى جدية هذه الدعوة عن سابقاتها في أنها دعوة شاملة لكل أطياف العمل السياسي في أحزاب المعارضة وفي السلطة بما في ذلك الحوثيين وتنظيم القاعدة شريطة أن يترك عناصر المسميين الأخيرين اسلحتهم وأن يتخلوا عن العنف والإرهاب واللجوء إلى القوة وأن يعودوا إلى جادة الصواب لأن ما يمارسه أولئك ليس خطراٍ على اليمن وحدها وإنما هو خطر على الأمن والسلم الدولي خاصة تنظيم القاعدة الذين أساءوا إلى الإسلام بتصرفاتهم الرعناء المبنية على جهل مركب بأبسط قواعد التعايش الإنساني الذي تحث عليه تعاليم الدين الإسلامي الحنيف دين الرحمة والتسامح.. ناهيك عن أن ما يفعلونه لا دين له ولا هوية ولا يقبله عقل ولا منطق.

وبتأكيد التمسك بشرط التخلي عن العنف والإرهاب وحمل السلاح واستخدام القوة بوصف التنازل عنه يعد عملاٍ نقيضاٍ لأسس وضوابط التفاهم فإن طبيعة أي حوار لا تجيز بأي حال من الأحوال وضع أي شروط مسبقة كون التحاور شرعاٍ يرتكز في الأساس على قاعدة: »وإنِآ أو أياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين« ووفقاٍ لذلك فإن لجوء أحد أطراف التحاور إلى التعلق بالشروط والإملاءات المسبقة يعني إظفاء صفتي الشمولية والكمال على ذاته تنزيهاٍ وعصمة من الأخطاء وهو ما لا يتسنى لعاقل القبول به إذ أن القبول يؤكد اعترافاٍ وتحديداٍ للمشكلة وتعييناٍ للمسؤولية.. وبالتالي تصبح المحاكمة هي الفعل اللازم شرعاٍ وعرفاٍ تجاه ذلك الاعتراف فيما يكون التحاور مع الاعتراف بالذنب أو التنصل عنه مع الإصرار على التمادي فعلاٍ مفسداٍ لروح العدالة.

ونستند في ذلك إلى أن مشروعية الحوار تتأسس على رغبة أطرافه في الجلوس على طاولة تفاهم ونقاش الغرض منها الوصول إلى صيغة توافقية تسقط بموجبها المسؤولية عن كاهل الجميع في مقابل تأكيد تحديد نسبية الشراكة في معالجة تبعات ما تم التحاور عليه من قضايا ووضع استراتيجية مستقبلية تكفل تشكيل جبهة وطنية متماسكة في وجه تحديات تحقيق النهوض بالمستقبل وهذا ما يتعين معه اعتبار الطرف المشترط متهرباٍ وغير راضُ أو خاضعاٍ لقيد خارج عن إرادته أي مسلوب القرار الذاتي.

وعطفا على تلك الحقيقة فإني أظن – كمتابع لأحداث الواقع السياسي وليس طرفاٍ فيه- أن المشترك من خلال تمسكه بشروطه الستة يحاول عبثاٍ تبرير خيبة أمله في “كروة” رحلة الباص أياه والتي منيت بخسارة فادحة إن لم يكن ذلك محاولة من المشترك للتملص من تحمل نصيب الأسد من جملة تبعات تلك الرحلة التي جرت الوطن إلى الوقوف أمام ويلات التحدي الخارجي.

أمِا إذا كان الكل جاداٍ في إخراج الوطن من عنق الزجاجة فإن عليه المثول للحوار في الثلاثين من يناير وبدون شروط مسبقة حتى تتحقق فينا نبوءته صلى الله عليه وآله وسلم: »إن الاشعريين أذا ارملوا جمعوا ما معهم في حفنة واحدة واقتسموه سوياٍهم مني وأنا منهم« أو كما قال. والحاصل الآن أننا لم نعد نمتلك سوى أثقالاٍ من أوزار الانفلات والتحديات الجسيمة التي تكاد أن تعصف بمن على السفينة بلا استثناء ما يحتم علينا أن نتقاسم النهوض بمسؤولية المواجهة قسمة عادلة حقاٍ وواجباٍ.

أتمنى أن يكون ظني في غير محله وأن يثبت الجميع جديته في تحمل المسؤولية الأخلاقية – كلا فيما يخصه- بشجاعة وأن أرى مفاجأة العام الجديد في إلتام البيت اليمني على مائدة حب أزلية من الوفاق والوئام والتكامل والتصالح والتسامح والود والتقارب.. أسأل الله أن يحقق رجائي ورجاء كل الطيبين في بلدة طيبة ورب غفور وأن لا نقع في دائرة قوله تعالى: »ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخر ثم صرفكم عنهم ليبتليكم«.

yrabaei@gmail.com

Share

التصنيفات: منوعــات

Share