Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

‮" ‬نياما‮ " !!‬

حسن عبد الوارث‮ ‬
‬قبل أكثر من عشرين عاماٍ‮ ‬‮ ‬كنت في‮ ‬بعثة دراسية‮ ‬‮ ‬في‮ ‬بلغاريا‮ ‬في‮ ‬مجال الإعلام التنموي‮..‬
وقد منحتني‮ ‬هذه التجربة أكثر من فرصة ذهبية للاطلاع على معارف وتجارب شتى‮ ‬‮ ‬لدى شعب مجبول على العمل والإنتاج‮ ‬‮ ‬ودولة عْرفت بأنها‮ “‬ريف أوروبا‮”..‬
وقد طْفúتْ‮ ‬تلك البلاد‮- ‬طولاٍ‮ ‬وعرضاٍ‮ ‬‮ ‬من العاصمة صوفيا‮ ‬إلى فارنا الجميلة على البحر الأسود‮ ‬مروراٍ‮ ‬بمركز التنمية الشامخ بلوفديف‮ ‬‮ ‬ثم بورجاس وغيرها من المدن والقرى‮ – ‬فكانت الخيرات الزراعية والصناعية تصطف قبالتي‮ ‬على نحو فائض للغاية‮ .. ‬فلا أكاد أجد نقصاٍ‮ – ‬ولو طفيفاٍ‮ – ‬في‮ ‬محصول نباتي‮ ‬أو سلعة مْصنعة أو حاجة‮ ‬غذائية أو‮ ‬غيرها من المنتوجات التي‮ ‬تلبي‮ ‬الاحتياجات الإنسانية الضرورية أو حتى الكمالية‮ ..‬
وذات‮ ‬يوم‮ ‬‮ ‬تلقيتْ‮ ‬دعوة لحضور معرض بلوفديف الدولي‮ ‬‮ ‬وهو معرض سنوي‮ ‬يْقام في‮ ‬مدينة بلوفديف‮ ‬وتشترك فيه عشرات الدول‮- ‬ممثلةٍ‮ ‬بمؤسساتها الإنتاجية والتسويقية‮ – ‬حيث تعرض منتجاتها الزراعية والصناعية وغيرها‮ ‬‮ ‬فيكون التنافس قائماٍ‮ ‬على أشده‮ ‬‮ ‬مثلما‮ ‬يكون المجال متاحاٍ‮ ‬لعقد الاتفاقيات أو تبادل الخبرات‮..‬
وفجأة‮ ‬‮ ‬وجدتني‮ ‬أمرْ‮ ‬بجناح بلغاريا نفسها في‮ ‬هذا المعرض‮ ‬فاستوقفتني‮ ‬المعروضات التي‮ ‬يكتظ بها هذا الجناح‮.. ‬وقد عجبتْ‮ – ‬في‮ ‬بادئ الأمر‮ – ‬لما رأيته من بضائع لم أصادفها‮ ‬يوماٍ‮ ‬في‮ ‬الأسواق المحلية‮ .. ‬وقد كانت تبعث على الدهشة والإعجاب‮ ‬‮ ‬لما ازدانت به من جودة المادة وجمال القالب وروعة التصميم‮ ..‬
غير أن دهشتي‮ ‬زالت وإعجابي‮ ‬تلاشى‮ ‬‮ ‬حين عرفتْ‮ ‬من أحد الأصدقاء البلغار أن جميع معروضات الجناح‮ ‬غير متوافرة على الاطلاق في‮ ‬السوق المحلية‮ ‬‮ ‬وأنها مخصصة للتصدير فقط‮!!‬
لقد قال لي‮ ‬هذا الصديق معلقاٍ‮ ‬بسخرية لاذعة‮: “‬إنه معرض نياما‮”.. ‬و”نياما”مفردة في‮ ‬اللغة البلغارية تعني‮ :‬غير متوافر أو‮ ‬غير موجود‮ ‬‮ ‬أي‮ ‬معدوم‮ ‬‮ ‬أو‮ “‬مابش‮” ‬باليمنية الدارجة‮!!‬
وقد زاد ضيقي‮ ‬حين كنتْ‮ ‬أتأمل وجوه المواطنين البلغار الذين‮ ‬يزورون المعرض‮ ‬‮ ‬ثم‮ ‬يقفون قبالة جناح بلدهم‮ ‬‮ ‬فينظرون الى محتوياته بعيون منكسرة وقلوب متحسرة‮ ‬‮ ‬ولسان حالهم‮ ‬يردد بأسى بالغ‮ :”‬نياما‮ .. ‬نياما‮”!!‬
دعاني‮ ‬هذا المشهد إلى إطلاق ضحكة مْدوية‮  ‬ماجعل صديقي‮ ‬يسألني‮ ‬مدهوشاٍ‮ ‬عن السر ¿‮!.. ‬فأجبته‮: “‬إن الحال من بعضه‮”!!‬
فقد كان الوضع في‮ ‬الشطر الجنوبي‮ ‬من الوطن‮ ‬قبيل الوحدة‮ ‬شبيهاٍ‮ – ‬إلى حد التطابق تقريباٍ‮ – ‬بالمشهد البلغاري‮ .. ‬فالأسواق المحلية تخلو من منتوجات وسلع تجدها معروضة في‮ “‬بلوفديف‮” ‬وغيره من المعارض الدولية‮!!.. ‬عدا أن ثمة منتوجات قد تتوافر في‮ ‬السوق المحلية‮ ‬ولكن بجودة أقل وقالب أدنى مستوى من المنتوج ذاته المخصص للتصدير إلى الأسواق الأوروبية والآسيوية‮ !‬
وكله كوم وخيرات البحر كوم ثاني‮ .. ‬فقد كانت أفضل أنواع الأسماك والأحياء البحرية التي‮ ‬يكتظ بها خليج عدن أو بحر العرب تخصص للتصدير‮ ‬بغرض الحصول على العملة الصعبة‮ ‬فيما السوق المحلية لا تعرف سوى أسوأ أنواع السمك‮ ‬أما الأحياء البحرية الأخرى فلا وجود لها على الاطلاق‮!!.
 
Share

التصنيفات: بقلم رئيس التحرير

Share