Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

في الذكرى الرابعة والستين لنشوء منظمة الأمم المتحدة: هل أصبح العالم أقل حاجة إلى المنظمة الدولية¿!

أ.د/ عبدالوهاب شمسان
إن عالمنا عالم متحول والسنوات الماضية شواهد أمينة على عمق تغيرات تعرفها البشرية في مختلف الميادين الاقتصادية والعلمية والعسكرية والسياسية والثقافية والاجتماعية فالاكتشافات تتوالى والآلة تواصل التقدم نحو احتلال كافة مظاهر الحياة لا بل احتلال الإنسان.
تطورات عظيمة في وسائل التقدم والسلام وتطورات فادحة في وسائل الدمار والحرب تنقل بين غزو المتناهي في الصغر ( تجزئة الذرة وتطويرها ) والمتناهي في الكبر ( تطويع الفضاء والكواكب ) يقول الفيلسوف الأغريقي القديم هيراقليط : ” كل شيء يجري وكل شيء في تغير مستمر في صيرورة وانتهاء دائمين ” . هذا الكلام تصوير فعلي لحركة الطبيعة والمجتمع والحياة .. إنه نقل رائع لأحد القوانين الأساسية التي تحكم تلك الحركة قانون التحول المستمر الذي على ضوئه فقط نفهم المسار الذي سلكته الأمم المتحدة على امتداد سنواتها الأربع والستين الماضية والتطورات التي شهدتها.
فإذا كان التاريخ سخر في الماضي من الذين حاولوا التنبؤ بمساره أو زعموا أنهم استخلصوا القوانين التي تحكم حركته وأثبت أن الأفكار التي وصل إليها بعض من أعظم عقول البشر كانت إما خاطئة وإما غير كاملة. فإن ذلك يصح على الأحسداث المتسارعة التي أدهشتنا وأحاطت بنا في الأعوام الأخيرة وأدت إلى تغييرات جذرية في عدد من القواعد الأساسية للسياسة الدولية منذ الحرب العالمية الثانية. والحقيقة أن الموقف الراهن يشبه في كثير من جوانبه المراحل التي عقبت الحروب العظمى في التاريخ وأدت إلى تحولات مهمة في توازن القوى وموازين السياسة الدولية.
من هذا المنطلق تبدو لنا موازين القوى داخل المنظمة العالمية وقد خضعت لتبدلات عميقة ومع تلك التبدلات جرى تحول واسع في الدور الذي تلعبه الجمعية العامة وبالتالي في الدور الذي تضطلع به الأمم المتحدة على  وجه العموم.
ولعلنا اليوم عندما نتحدث عن منظمة الأمم المتحدة في يومها السنوي والذي يصادف الرابع والعشرين من أكتوبر كل عام نأخذ بعين الاعتبار أولاٍ أن الهدفين الرئيسيين لميثاق الأمم المتحدة المتمثلين في المحافظة على الأمن والسلم الدوليين والارتفاع بمستوى المعيشة في جو من الحرية أفسح يبرز في نفس الوقت الاستفسار التالي : اليوم وبعد مرور أكثر من ستة عقود ونيف هل استطاعت هذه المنظمة العالمية التي انشئت ودخان الحرب العالمية الثانية مازال متصاعداٍ من حطام نظام دولي مندثر أن تفي بالتزاماتها وأن  تحقق أهدافها على النحو المحدد والمرسوم لها في ميثاقها ¿.
تقييم الأمم المتحدة على اساس واقعها وطبيعتها أمر مرتبط في بفهم وتقييم مايجري في عالم اليوم الذي يزداد صعوبة نظراٍ للتطرف الذي يظهر بصفة خاصة في المواقف الصعبة والمتناقضة فمن ناحية يستهان نوعاٍ ما بالمخاطر التي تهدد السلام ومن الناحية الأخرى تؤخذ بعين الأعتبار وجهات النظر المتوقعة للنتيجة الحتمية التي لا مفر منها ويزداد الوضع تدهوراٍ ودرامية عندما يطرح البعض مثلاٍ ” بأن نظام العلاقات الدولية قد تهاوى ” مستنتجين ذلك من أن منظمة الأمم المتحدة ليست سلطة ترتفع فوق السيادات القومية لترغمها  ( أي لترغم الدولة ) على ما لا تود هذه الدولة أن تنفذه ذلك أن الأمم المتحدة وقد منعها ميثاقها من التدخل في الشؤون الداخلية للدول لا تملك قوة للإجبار على تنفيذ قراراتها فبالرغم من وجود قواتها للمحافظة على السلام إلا أنها لا تستند إلا على الطواعية . ضف إلى ذلك وكما هو معروف أن لمجلس الأمن سلطة اتخاذ القرارات بما فيها قرار استخدام القوة المسلحة إلا انه تواجهه في ممارسة هذه الصلاحية الهامة عقبة حق نقض القرار ( الفيتو ) الذي تتسلح به الدول الخمس دائمة العضوية.
إن هذه المبررات وغيرها لا تعفي منظمة الأمم المتحدة من المسؤولية عن القصور في عملها وبدرجة أساسية ينعكس هذا القصور في ضعف الأمم المتحدة في مجالات المحافظة على السلم والأمن الدوليين نتيجة تدهور قدرة مجلس الأمن على العمل في مجال اختصاصاته التي حددها الميثاق ولا تملك الجمعية القدرة على التصويت الجماعي ولكنها لا تملك القدرة على التنفيذ والإرغام والإلزام باعتبار أن مجلس الأمن هو الجهاز الوحيد القادر على اتخاذ القرارات الملزمة بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
وانطلاقاٍ من ذلك ونحن نعيش اليوم بدايات القرن الحادي والعشرين علينا أن ندرك أن هناك سمة أساسية تتمتع بها منظمة الأمم المتحدة عن غيرها من المنظمات أو الاتحادات الدولية فهي ليست كتنظيم دولي مقره الدائم في نيويورك فحسب بل إنها أسرة دولية تضم في إطارها مجموعة من الوكالات الدولية المتخصصة والبرامج ذات الصفة الإعتبارية والهيئات الأخرى التي تحتل في صفتها التنظيمية درجة ما بين الوكالة المتخصصة والبرامج ذات الصفة الاعتبارية تتمثل فيها سيادات الدول المستقلة عن بعضها البعض حيث لافرق بين كبيرها وصغيرها غنيها وفقيرها قويها وضعيفها شماليها  وجنوبيها فالدول الأعضاء في هذه المنظمة العالمية تشكل في مجموعها أسرة الأمم المتحدة تعمل في إطار من التنسيق والتعاضد بهدف إخراج الأهداف الرئيسية لميثاق الأمم المتحدة إلى  حيز التنفيذ.
وما يتطلع إليه الإنسان اليوم هو التحول بذلك الوزن الأدبي لقرارات الجمعية العامة إلى فعالية في أرض الواقع الأمر الذي يفترض عملاٍ جدياٍ ودائباٍ وطويلاٍ بأتجاه تعديل الميثاق ليعكس التغيرات الفعلية القائمة والتي ستقوم داخل المنظمة العالمية بحيث تطرح إذ ذاك واحدة من مسألتين :
– أما إلغاء حق النقض في مجلس الأمن بما يسمح للتوازنات المتحولة باستمرار للتعبير عن نفسها في الهيئة الأكثر فعالية داخل الأمم المتحدة.
 – أو على الأقل إعادة النظر في تقاسم الصلاحيات بين الجمعية العامة ومجلس الأمن بما يفسح المجال أمام دور أكبر للهيئة الأولى ولاسيما أمام تحويل قراراتها من الوزن الأدبي إلى الإلزام من الاتجاه إلى العمل من النظرية الجرداء إلى اخضرار شجرة الحياة.
 وهذه المسألة هي في غاية الأهمية ذلك أن الجمعية العامة هي الهيئة الوحيدة التي تتمثل فيها جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وتمارس عبرها حقوق العضوية على قدم المساواة لاسيما عن طريق الادلاء باصواتها في ما يتناول شتى نشاطات المنظمة الدولية. 
  فالأمم المتحدة وكما أشار الدكتور / بطرس بطرس غالي الأمين العام السابق للمنظمة الدولية إلى أن ” الناس تظن أن الأمم المتحدة قادرة على أن تحل مشاكل العالم بعصى سحرية وواقع الأمر أن الأمم المتحدة ليست إلا مجرد أداة في يد الدول تستطيع الدول أن تستخدمها أو لا تستخدمها “.
لقد ظلت منظمة الأمم التحدة منذ نشأتها بعد الحرب العالمية الثانية على أنقاض عصبة الأمم تلعب دوراٍ رئيسياٍ في حياة الأمم والشعوب رغم حالات الضعف والجمود التي كانت تمر بها من حين لأخر إذ تحولت من مرجع وحكم إلى صانع لعملية السلام ومشارك فيها باعتبارها المحفل الدولي الوحيد الذي أتاح لكل الأنتماءات السياسية والخلفيات التاريخية والمتطلبات الثقافية أن تلتقي وتتحاور انطلاقاٍ من روح الميثاق الذي مازال يمثل التزام الدول الأعضاء بأهدافه ومبادئه على أساس من المساواة في السيادة بين الجميع وبهدف حماية الأمن والسلام العالميين وتنمية العلاقات الودية بين الشعوب على أساس من الاحترام المتبادل والمتساوي في الحقوق والعمل على تحقيق التعاون الدولي لحل المشاكل الأقتصادية والاجتماعية.
وقد كتب للأمم المتحدة البقاء في هذه العقود السته ونيف بالرغم من تعرضها لمتغيرات لم يسبق لها مثيل في جميع نواحي الحياة البشرية فعالم 2009م يختلف إختلافاٍ شاسعاٍ وجذرياٍ عن العالم 1945م ويعكس هذا الاختلاف نفسه على الأمم المتحدة التي يجب ألا تكتفي بعكس هذه التغيرات بل عليها أن تقدم للإنسانية القاسم المشترك الأعظم للسلوك الدولي وهو إقامة نظام للأمن والسلام الدوليين وإساعة الود وتعزيز التعاون بين الدول فالأمن والسلام للجميع هو الأرضيه التي تولد عليها الحضارة الأنسانية والتقدم والتطور لرفاه الإنسان وسعادة المجتمع والتخطيط لمستقبل الأجيال القادمة.
إن هذه النظرة المنطقية لكيفية التعامل مع كافة الشعوب والدول ومن منظور ومكيال واحد ليس الكيل بمكيالين  إذا ماغابت عن منظمة الأمم المتحدة فإن الأهداف التي وجدت من أجلها سوف تتزعزع وتنهار والمصيبة في  هذه النتيجة تقع على الدول الصغيرة والفقيرة وتغرقها في مشاكلها فتفشل معها جميع خطط التنمية وتنهار أمال التطور ومطامح التقدم وتزداد عوامل التخلف ومظاهر الفقر ووقائع الجهل والأمية وتنمو في مقابل ذلك أسباب العدوان والسعي للاستئثار بأراضي الغير.
إننا اليوم وفي قمة الاحتفالات بالذكرى الرابعة والستين لقيام منظمة الأمم المتحدة نعيش في ظل ظاهرة محزنة لم يسبق لها مثيل ففي ذروة القوة في العالم توجد أسلحة نووية تكفي لتدمير الحياة في كوكبنا ويبدو جلياٍ أن هذا الدمار العام إذا وقع لن يتبقى بعده شيء يذكر وهذه الحقيقة تشمل قبل أي شيء أخر المواجهة النووية في الوقت الحالي . فما شهدته العقود الماضية من أزمات دولية فضلاٍ عن آلة الجمود التي اعترت عدداٍ من المسائل الدولية ذات الطابع الجوهري نجد أن الأمم المتحدة نفسها لم تستطع أن تلعب الدور الفعال  الحاسم الذي رسمه الميثاق بل انحرفت بعيداٍ عنه فالحكومات التي تعتقد أنها تستطيع أن تحرز هدفاٍ دولياٍ بالقوة غالباٍ ماتكون مستعدة للقيام بمثل هذا العمل ومجلس الأمن وهو الهيئة الرئيسية المعنية في الأمم المتحدة بحفظ السلام والأمن الدوليين كثيراٍ مايجد نفسه عاجزاٍ عن اتخاذ إجراء حاسم لحل المنازعات الدولية كما أن قراراته تقابل بصورة متزايدة بروح التحدي أو التجاهل ممن يشعرون بأنهم من القوة بحيث يمكنهم الإقدام على ذلك . وفي أحيان كثيرة جداٍ يبدو المجلس عاجزاٍ عن إيجاد الدعم والنفوذ الكافيين لضمان احترام قراراته حتى وإن كانت هذه القرارات قد اتخذت بالإجماع ولذا فإن عملية تسوية المنازعات بالوسائل السلمية المبينة في الميثاق كثيراٍ مايضرب بها عرض الحائط وبالتحديد من قبل الدول الكبرى والدول المتواطئة معها أو التي تحظى بدعمها إذا ما رات أن ذلك يتعارض ومصالحها الحيوية   ومواكبةٍ لذلك أشار أحد زعماء هذه الدول إلى أن نشوء منظمة الأمم المتحدة يجعلنا نعمل على ضمان أن يكون عملها مثمراٍ وأن تكون حقيقة لازيفاٍ قوة تمكننا من التصرف والعمل لامجرد زبد سطحي من الكلمات وأن تكون معبراٍ حقاٍ للسلام وإذا تمسكنا بإخلاص بميثاق الأمم المتحدة ومضينا قدماٍ بقوة راسخة وبصيرة من دون أن نطمع في أرض أحد أو مالديه من كنوز ومن دون أن نسعى إلى التحكم التعسفي في أفكار البشر فستتفتح طرق المستقبل الواسعة لا آمامنا فحسب بل أمام الجميع ولا في زماننا فحسب بل خلال قرن مقبل.
إذن فعمليات حفظ السلام كانت ولاتزال تعتبر أحد مبتكرات الأمم المتحدة بجميع أعضائها وليس بعضهم ولذا لن يتاح لهذه العمليات أن تتحقق على وجه ملائم إلا بتعاون الأطراف والتزامها بتنفيذ ذلك فعمليات حفظ السلام   ليست في الواقع مجهزة للأشتراك في أي أنشطة عسكرية عدا حفظ السلام ولايجري توفيرها لغير الغرض الأخير وقوتها الأساسية مستمدة من إرادة المجتمع الدولي وهي رمز لهذه الإرادة إرادة الميثاق التي عكست في ديباجته  ” نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا .. أن نضم قوانا كي نحتفظ بالسلم والأمن الدوليين ” .
كل ذلك يؤكد مرة أخرى بما لا يدع مجالاٍ للشك أو للتأويل أن من الأمور الهامة التي تظهرها بجلاء تحديات اليوم هو أن الحاجة إلى التعاون الدولي الذي يسمح للدول بخدمة مصالحها الخاصة وكذلك مصالحها المشتركة أصبحت الأن أكبر مما كانت عليه في أي وقت مضى. فقد كان إقرار السلام وتحقيق التقدم على طريق التنمية وتعزيز حقوق الإنسان والنهوض بالقانون الدولي هي الأهداف التي توخاها المؤسسون الأوائل للأمم المتحدة وهي  نفسها أهداف اليوم والأمم المتحدة تساعد الدول الأعضاء فيها على تحقيق هذه الأهداف بطرق لا يمكن لأي مؤسسة أخرى أن تتيحها ففي الأمم المتحدة يتاح للدول الأعضاء مجال فريد للحوار ولبناء توافق عام في الآراء وتسهيل الاتفاق على الصعيد الدولي ومعالجة المشاكل العالمية بعيداٍ عن سيطرة أي دولة تتصرف بمفردها كما أن الأمم المتحدة تشكل ألية تستخدمها الدول  لتقاسم الأعباء والمسؤوليات.
كل ذلك يبين لنا أنه وعلى الرغم من تزايد الفجوة اليوم بين المهام الموكولة إلى الأمم المتحدة وبين الإمكانيات المالية المقدمة لها إلا أن قيامها بتنفيذ أهدافها وفي مقدمتها الحفاظ على السلم والأمن الدوليين يعد من الأمور الهامة والرئيسية للاضطلاع بدورها على نحو أفضل . فالحفاظ على السلم والأمن الدوليين ليس مجرد مفهوم سياسي أو دبلوماسي وإنما مصير   الإنسانية مصير الملايين من البشر فالعالم كله اليوم يعيش حالة من التوتر الانفعالي وفي تفكير غير منقطع بمصير البشرية جمعاء دون تمييز.
 لذا أصبح ضمان الأمن والسلام العالمي في عصرنا الراهن مهمة أساسية للبشرية كلها على ظهر المسكونة وفي مقدمتها بل وعلى وجه الخصوص  منظمة الأمم المتحدة التي لازال العالم بأمس الحاجة إليها ولا يمكن الاستغناء عنها بل العمل على تطويرها والحفاظ عليها ودعمها للقيام بمهامها تجاه مايهدد الأمن الإقليمي والأمن الدولي ومعالجة كافة القضايا الراهنة والمستقبلية والمخاطر التي تهدد كوكبنا الأرضي بما يتيح العيش بأمن واستقرار وتقدم وازدهار لكافة شعوب المعمورة دون استثناء..
 نائب عميد كلية الحقوق جامعة عدن
Share

التصنيفات: خارج الحدود

Share