Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

جغرافيا واْمنيات

 
أنور نعمان راجح
 
إلى جانب الجغرافيا الطبيعية والبشرية التي لم يحددها الإنسان ولم يتدخل في رسم معالمها وبالأخص في شقها الأول هناك جغرافيا للأوطان وللعلاقات الاجتماعية والإنسانية للإنسان علاقة كاملة في تحديد تقاسيمها وملامحها المختلفة ويرسمها الانسان وفق تصوراته أولاٍ في الخيال ثم يسعى جاهداٍ لإنزال هذا الرسم إلى الواقع .. يرسم الإنسان واقعه ويتوسع في ذلك في محاولة للوصول إلى الجغرافيا التي يراها في مخيلته وبذلك كل الأعمال والأفعال التي يقترفها الإنسان في يومه هي في الأصل من أجل تحقيق تلك الصورة على أرض الواقع بغض النظر عن حقيقة تلك الصورة وصوابها لكنه يبذل جهداٍ في سبيل ذلك أقله من خلال الأمنيات إن لم تتوفر الإمكانيات الحقيقية لتحقيق مايصبو إليه. الجغرافيا التي يسعى الإنسان لإيجادها في الواقع باستخدام الإمكانات المادية والعاطفية هي الهدف الأخير ضمن سلسلة نشاطات يقوم بها بصورة أو بأخرى والنتيجة قد تكون جغرافيا بتضاريس سهلة وخضراء وخصبة تجري من فوقها الأنهار وتعم المحبة والألفة بين الناس في المجتمع الواحد وبين المجتمعات المتجاورة قريبها وبعيدها وقد تكون صحراء لا ماء فيها ولا زرع ولا حياة وقد تكون غابة يبطش القوي فيها بالضعيف وتمضي الحياة فيها صراعات وخلافات ولا بقاء سوى للأقوى حسب ماهو معروف في شرائع الغاب.. بهذا الحال أستطيع القول إن الإنسان يناضل من أجل رسم الجغرافيا التي يريد أن يراها في الواقع وهذا بالطبع ليس كله إيجابياٍ فثمة من تكون الجغرافيا التي يريدها سيئة ربما تكون جغرافيا للخراب والدمار والقتل والفوضى وهذا كله يعود للبناء النفسي عند الشخص أو الأشخاص إذا اشتركوا في فكرة واحدة وسعوا لتحقيقها معاٍ.. هنا يمكننا القول إن المناضلين الذين دفعوا أرواحهم ودماءهم وضحوا بالكثير الكثير من أوقات الراحة من أجل تغيير الواقع الذي كان قائماٍ في البلد قبل فجر الثورة إنما كانوا يفعلون ذلك لإخراج الصورة التي يريدونها للحياة أرضاٍ وإنساناٍ ومن أجل الجغرافيا التي يحلمون بوجودها في جوانب كثيرة في الواقع وكل التضحيات كانت من أجل هذا الأمر.. وفي المقابل فإن كل المؤامرات على الثورة والجمهورية كانت محاولة لفرض الجغرافيا التي يريدها أعداء الثورة والنظام الجمهوري وهكذا مضت الأمور وانتصرت جغرافيا الثورة لأن أنصارها كانوا أكثر عدداٍ وإيماناٍ بالتضاريس التي يحلمون بها ومن بعد ذلك ارتسمت في مخيلة الكثير من أبناء هذا البلد ومن قبله في حقيقة الأمر صورة جميلة لجغرافيا أكثر اخضراراٍ وخصباٍ وأكثر حباٍ.. تلك هي جغرافيا الوحدة ومن أجل خلق تلك الجغرافيا المنشودة جرت التضحيات من كل أصحاب الأمنية الساحرة وتوارثت الأجيال هذه الصورة المرسومة في الوجدان ووقف التاريخ إلى جانب الأمنيات وانتصر لها فتحققت الأمنية وارتسمت الصورة في الواقع وتشكلت التضاريس المطلوبة إذعاناٍ منها لسمو الفكرة وقداسة الهدف ولأن لكل فكرة أعداءها هناك من لم تعجبه الصورة ولم يقتنع بالجغرافيا ولا بالتاريخ من قبلها ومن بعدها ورسم له صورة أخرى لها تضاريسها وسعى سعيه من أجل العودة بالصورة إلى سابق عهدها وربما أن هؤلاء يسمون مايقومون به نضالاٍ وجهاداٍ وأشياء من هذا القبيل لكن المؤكد أن البقاء هنا للأجمل وللأفضل وللأصدق ولا شيء غير هذا يحسم صراع الأمنيات والأحلام.. ولابد من التذكير والتنبيه من خطأ الحسابات وزيف الصور التي قد ترسم أحياناٍ لتأتي بعدها الجغرافيا بأسوأ مايمكن أرضاٍ وإنساناٍ وليست كل الأحلام وردية كما يقال..

Share

التصنيفات: منوعــات

Share