Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

طه العامري : حركة 13يونيو.. حلم لم يكتمل؟!

بداية اقول ان مسامات وعي الوطني تفتقت مع بزوغ فجر 13يونيو 1974م، كنت يومها في (قريتي) بمديرية _حيفان _محافظة تعز، وأتذكر جيدا أن (والدي) رحمة الله تغشاه واسكنه الجنة وبعد أن سمع نباء قيام الحركة سمعته يخاطب أحد جيرانه واصفا المرحلة إنها مرحلة (الحكم العسكري) لكنه لم يستمر برأيه هذا كثيرا حتى أصبح من أكثر المتشددين والمناصرين لحكم الحركة وقائدها الشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي _رحمة الله تغشاه _كنت في (الثانية عشرا من عمري) ذاك العام وكان والدي قد الحقني  وانا بسن السادسة ب(الكتاب) أو (المعلامة) حيث درست (القرآن الكريم وعلومه) على يد المعلم والمربي  الراحل رحمة الله تغشاه وتسكنه جنات الفردوس الفقيه ( ناشر محمد العريقي) خلال الأعوام 68،69،70،71، قبل أن التحق بمدرسة الشهيد عبد الرحمن مهيوب أنعم عام 1972م التي درست فيها من الصف الأول حتى الصف الثالث الابتدائي قبل أن اتركها عام 1974م إلى تعز التي لم استمر فيها سوى بضعة أشهر لأعود للقرية نظرا لصعوبات واجهتني _ليس هناء مجال لشرحها _ عام 1975َ سافرت إلى العاصمة صنعاء بمعية والدي بغرض العمل لدى أحد تجار القرية والدراسة، وذات صباح وفيما كنت متجها من المنزل الي الدكان على دراجتي (سيكل بيدل) وفي شارع (حدة) وأمام منزل الرئيس وجدت نفسي أمام الرئيس الحمدي وجها لوجه فترجلت من على (السيكل) لأشاهد الرئيس وهو يحاور رجل طاعن بالسن وزوجته وقد ترجل من سيارته الصالون الزرقاء التي كان فيها فقط السائق وجندي واحد مرافق للرئيس..

كان الرئيس يرتدي بدلة عسكرية لونها(  بيج  نصف كم) والجندي المرافق يقف خلفه وهو يحاور الرجل العجوز وزوجته  وهم يشكون ( الشيخ عبد الله الأحمر) الذي صادر عليهما قطعة أرض وفيها بئر المياه، وقفت بجوارهم أستمع لحوارهم ورأيت الرئيس يخرج قلمه ويوجه بتلك الورقة التي قدمت له وبعد أن أكمل كتابة التوجيه سمعته يخاطب الشاكي وهو يناوله المذكرة ولازلت اتذكر قوله لهما (أذهبا بهذا الأمر للقاضي على السمان والظهر قابلونا هناء وأشار لبوابة منزله) ثم التفت نحوي وربت بيديه اليمني علي كتفي سألنا عن اسمي وعن سبب خروجي بدري كانت الساعة وقتها تقريبا السابعة والنصف صباحا، تبسمت له ونطقت اسمي بصعوبة اسمي (طه) ولم أضيف شيء غير هذا، فقد كنت مرتبك وواضح ارتباكي فتبسم من موقفي مرافقه وصعدوا السيارة التي انطلقت فيما بقيت برهة من الوقت غير مصدق إننا قابلت الرئيس وجها لوجه وكلمني..

عام 1976م نقلت نشاطي لمدينة الحديدة والتحقت بمكتب الشئون الاجتماعية والعمل وشات الأقدار أن اقابل الرئيس للمرة الثانية أثناء زيارته للمحافظة برفقة الأمير ( نوردم سيهانوك) أمير كمبوديا..

كانت مرحلة حركة 13يونيو مرحلة بناء وتنمية وتعمير وقال عنها البنك الدولي حينها في إحدى تقاريره أن (اليمن تشهد تحولات عمرانية فاقت تحولات أي دولة أخرى من دول العالم كما تشهد معدلات نموء لم تشهد مثلها أي دولة في عهد العمران)..

حركة 13يونيو حملت على عاتقها مهمة تصحيح مسار الثورة اليمنية التي حالت الأحداث التي واجهتها عن تبنيها لمشروع اجتماعي وطني فجات حركة يونيو حاملة للمشروع الوطني الذي اغفلته قسرا ثورة سبتمبر ومع ذلك ونظرا لطغيان الانتهازية الحزبية وطغيان النفوذ الوجاهي لبعض رموز (القبيلة) الذين طوعوا النزوع القبلي العصبوي لخدمة مصالحهم الخاصة، إضف لكل هذه العوامل التدخلات الخارجية الرافضة لحدوث أي تقدم يمني مهما كان وكانت أهدافه، وهذه العوامل أدت إلى (قتل الحلم اليمني) غدرا على مقصلة المصالح الخاصة والنوازع الحزبية والقبلية..!!

في عهد حركة يونيو لم تتردد بعض القوى السياسية من إجترار خلافات مرحلة ما بعد ثورة سبتمبر 1962م واقصد هناء وبكل وضوح قوي (اليسار الماركسي) إضافة إلى (البعث) وبجانبهم (جماعة الإخوان) التي كانت متدثرة( بعبائة القبيلة) ومع كل هؤلاء كانت هناك الحسابات الإقليمية والدولية وقد اجتمعت كل هذه العوامل في استهداف حركة يونيو وقائدها وقيادتها ومشروعها التصحيحي وكلا كانت له غايته ودوافعه وحساباتها في استهداف الحركة ومشروعها الذي أعاد لهم ما كانوا قد تخلصوا منه برحيل القائد العربي جمال عبد الناصر ومشروعه النهضوي وان بصورة مصغرة لكنها تحمل ذات الأطياف والتوجهات وتسعى لذات الغايات التي كان يسعى لها المشروع الناصري بقيادة( ناصر)..

كان الشهيد الحمدي يحظى بعلاقة متميزة مع قادة وضباط وصف وجنود المؤسسة العسكرية رغم تنافر هؤلاء القادة وتمترس غالبيتهم في نطاق الولاء الحزبي والقبلي ورغم تنافر هم فيما بينهم كانوا يلتقون مع الحمدي وزادت هذه العلاقة حضورا بعد رسالة الجيش الشهيرة للقاضي عبد الرحمن الإرياني رئيس الجمهورية عام 1972م التي طالبت بضرورة إصلاح القوات المسلحة وإعادة ترتيب أوضاعها، وقد حمل هذه الرسالة للرئيس الإرياني المقدم إبراهيم الحمدي الذي عينه القاضي على إثر تسلمها نائبا لرئيس الوزراء للشئون الداخلية.. وكانت الرسالة بخط الرائد عبد الله عبد العالم، ووافق عليها كل قادة الاذرع العسكرية..

خلال الفترة من 72 وحتى 1974م اشتدت الخلافات بين القادة العسكريين ولدوافع حزبية وقبلية وطائفية بلغت ذروتها بإقدام الشيخ عبد الله الأحمر بتقديم استقالته وإستقالة أعضاء مجلس الشورى للقاضي الإرياني أملا بإحداث فراغ دستوري يقود للفوضى وإعادة هيكلة القيادة كما يريد الشيخ عبد الله الذي لم يكتفي بتصفية رموز ثورة سبتمبر بل كان يتطلع لتصفية كوادر الصف الثاني من رموز الثورة بما فيهم الحمدي..؟!

غير أن فطنة وبراعة القاضي الإرياني أحبطت مشروعه حين طلب الشهيد الحمدي في لحظة كانت فيها صنعاء تترقب الانفجار الكارثي، فابلغ الإرياني الحمدي بما ينوي عليه الشيخ عبد الله قائلا (لا أريد الدم اليمني يسفك بشوارع صنعاء بعهدي) وبما أن الشيخ الأحمر قدم استقالته وإستقالة أعضاء المجلس فها انا وبخلف استقالتهم أقدم بدوري استقالتي واحملك ومن خلالك احمل القوات المسلحة مسئولية اليمن وشعبها وأمنها واستقرارها وهذا ما حدث فعلا..

تحمل إبراهيم الحمدي المسئولية الوطنية وكله امل في مساعدة الآخرين، لكن ومع مرور قرابة ثلاثة أشهر فقط تعرض الحمدي لأول محاولة إنقلابية من قبل بعض القادة العسكريين المحسوبين على (البعث) وتحديدا من (آل أبو لحوم) وآخرين..؟!

تم إحباط المحاولة الإنقلابية ليبدأ الرئيس حوارا مع القوى( اليسارية الماركسية)  على أمل أن يكون في حواره ومشاركتهم بالسلطة تأثيرا إيجابيا على النظام في الجنوب اولا وعلى تهديئة نشاط الجبهة في المناطق الوسطى..؟!

وفعلا تم التوصل لاتفاق مع القوى اليسار الماركسي لولا تعميم  داخلي صادر عن قيادة تلك القوى تصف التفاهم مع الحمدي بالعمل (التكتيكي المؤقت) واصفا الحمدي بأنه (ينتمي للقوى البرجوازية الغير مأمون الجانب ولا يجب الثقة به)؟!

هذا التعميم وصل ليد الرئيس الحمدي فثار غضبا وانتهي الحوار وتلاشي الاتفاق فعاد الحمدي نحو (الناصريين) فكانوا أكثر توافقا معه ومع مشروعه ولأن الناصريين كانوا مرتبطين بتنظيم قومي واحد فقد طلب منهم الحمدي فك ارتباطهم القومي وهذا ما قام به الشهيد عيسى محمد وإخوانه في التنظيم نزولا عند رغبة الرئيس.

وحتى لا أطيل فإن ثمة ثغرات أدت إلى إجهاض حركة يونيو ومشروعها الحضاري أبرزها تهاون الرئيس في أمنه الشخصي، ثقته المطلقة بالمقدم أحمد الغشمي، تهاون الحركة مع الرموز القبلية وتجاهل تحركات الشيخ الأحمر، إطلاق يد رئيس جهاز الأمن الوطني محمد خميس الذي ضاعف من خصوم الحركة في أوساط القوى السياسية، إرتباط الحمدي بعلاقة مع الرئيس سالمين في الشطر الجنوبي الذي كان يواجه مكايد زملائه في القيادة الذين يتهمونه ب(الماوية) نسبة للرئيس الصيني (ما تسي تونج) ولا ينتمي (للماركسية اللينينية ) والحدث الأعظم كان (مؤتمر تعز الخاص بأمن البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن) وطبعا قضية الوحدة اليمنية التي كان سيبرم اتفاقها بذكرى ثورة أكتوبر اي عشية زيارة الرئيس لعدن والتي عارضها الشيخ الأحمر نيابة عن (الرياض)..؟!

الخلاصة لم يكن الرئيس الشهيد الحمدي (ملاكا) بل وطنيا صادقا وزعيما مخلصا لوطنه وشعبه وأمته ولهذه الأسباب لم تقبله قوي الإقطاع الداخلي حزبيا وقبليا ومن في فلكهم، ولم تقبل بتوجهاته قوي إقليمية ودولية ولهذا تم تصفية الحركة والمشروع والقادة..

طبعا الحديث عن الذكرى حديث ذو شجون ويصعب اختزاله في مقال عابر خاصة من قبل كاتب عاش كل هذه التداعيات ولا يزل يعيشها.

Share

التصنيفات: أقــلام,عاجل

Share