Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

وداعاً ابن النيل

منير طلال

قبل أكثر من خمسة وعشرون عاما شأت الاقدار ان اعمل مع الشاعر العربي الأستاذ مجاهد العشماوي  كنت فتى غر بداية مشوار حياته جمعنا الانتماء والهوية القومية فكان نعم الأب والمربي و الاستاذ والصديق في نفس الوقت ولم يكن الاستاذ مجاهد مجرد شاعر او كاتب عادي بل صحفي ومحلل سياسي محترف  عمل مع منظمة التحرير الفلسطينية (فتح ) يعطي الاخرين ويحسن من ادائهم ويشحذ فكرهم دون تعال وعن حركة فتح اتذكر ، قبيل وفاته عندما  زرته مع الدكتور أحمد عوض من أبناء فلسطين المحتلة وعندما علم انه من حركة فتح قال له بفخر وهو يغالب الالم انا “ابن فتح ” وأخذ يتكلم بسعادة عن نضاله مع الشعب العربي الفلسطيني في لبنان وفى اخرى زيارة مع بعض رفاقه وأصدقائه كان  يصف المرض الذي داهمه  حيث كان يعتقد بالبداية انه ألم البروستاتا فظل يتداوى لها لزمن ولم يعرف أن السرطان انتشر في جسمه الا بوقت متأخر ليصف الأمر بطرافة وهو يقارن نفسه ببلده الحبيب مصر قائلا “السرطان استغل انشغالي بالبروستات لينتشر في جسمي كما استغلت اثيوبيا احداث يناير بمصر لتبني السد” ما اعظمه من إنسان نبيل ذاب في وطنه ليشعر بان كل الم أصيب به هو جزء من ألم الوطن وأوجاعه غير أن ابن النيل ثأر قومي عربي يؤمن بوطن يمتد من صنعاء الى نواكشوط ومن الرباط مرورا بالجزائر وتونس وطرابلس والقاهرة الى بغداد ودمشق ومسقط  وحتمية وحدة الشعب العربي لأنه وجيله ثمرة الزعيم العربي الكبير جمال عبدالناصر فكان من اوائل الثوار الذين وقفوا ضد نظام السادات عندما وقع اتفاقية كمب ديفيد ضمن نخبة من شباب مصر الثائرين لعروبة مصر ومشروع الزعيم جمال عبدالناصر  .

وانضم لحركة فتح وهي تخوض النضال المسلح ضد العدو الصهيو ني الذي اجتاح جنوب لبنان وقد كان ضمن عشرات من المناضلين العرب الذين مثلوا النخب الثورية المؤمنة بالنضال القومي لتحرير الارض العربية من الاحتلال وتحرير الاقطار العربية من الانظمة العميلة ليكون بمقدور الشعب العربي تحقيق وحدته القومية وهناك شهد الكثير من المعارك والملاحم البطولية التى كان يتكلم عنها بفخر وهو يصف تلك المرحلة ” كانت الارض تتكلم عربي البندقية والراديو والصحف تتكلم عربي والشعب العربي كل أحاديثه ثورة ونضال”.

ورغم الانتكاسات الكثيرة التي عاشها وشهدها فقد ظل صلب مؤمن بقضية الشعب العربي بالحرية والاستقلال والوحدة فقد كانت أولى الانتكاسات وفاة الزعيم العربي جمال عبدالناصر ومجيئ نظام مضاد للفكر الناصري بالتحرر والوحدة والعدالة الاجتماعية ثم تلتها انتكاسات باستهداف المقاومة في لبنان ومجازر صبرا وشاتيلا والحرب اللبنانية  ليرحل من منفى الى منفى وهو يحمل الهم العربي فوق كاهله وكان نصيبه الذهاب الى اليمن مع رفاق الكفاح والنضال بحركة فتح وهنا عاش متفرغا للكتابة وشاهد على عصر الانكسارات العربية عندما لاح سقوط النظام العربي باحتلال بغداد ثم اشتعال الحروب الاهلية بعدة اقطار ورغم اشتعال الحرب الاهلية والفوضى والخراب ثم الحرب والحصار المفروض على اليمن فإنه ظل باليمن متحسرا على واقعه التعس حيث لم تبقي الحرب أي شيء بمكانه الصحيح .

اتذكر انني كنت اعاتبه برؤيتي الحادة ضد النظام السابق وضرورة التغيير ليقول لي “كلنا مع التغيير لكن ما يحدث قد يدخل اليمن فى دوامة الفوضى والحرب الاهلية لان هناك لاعبين إقليميين ودوليين يديرون الأمور ليتحينوا الفرصة للانقضاض على البلاد العربية ” وقد كانت توقعاته صحيحة مع بالغ الأسف.

كانت لنا لقاء كثيرة سوء الدائرة الاعلامية او بمقار بعض الصحف او بمرسم الفنان التشكيلي محمد اليمني او مقهى تيسير مجيك سنتر او المركز الثقافي السوري وفي العديد من الفعاليات والانشطة الثقافية.

وحدث أن تعرف بالفنانة التشكيلية سوزان غيلان ابنة عدن ليقترن بها بعد وفاة زوجته السابقة رحمة الله عليها وقد كان مهر سوزان ديوان شعر  وهو امر استثنائي لا يصنعه الا المبدعين الحقيقيين فالمال زائل لا قيمة له بجوار الكلمة التي ستخلد الى ما شاء الله اتذكر ذلك الاعلان منهما ونحن فى فعالية بالمركز الثقافي العربي السوري بصنعاء فى بادرة مثيرة وملفتة كانت الاول من نوعها غبطهما عليها الكثير من الشعراء والفنانين التشكيليبن الذين مازالوا يتزوجون بشكل تقليدي وهو الديوان الذي طبعته الفنانة سوزان غيلان تخليد لرحلتهما المشتركة خلال السنوات الماضية.

ابن النيل كان صديق لجميع من حوله حتى لأشخاص بسن اولاده وأحفاده ومن كل التيارات و الانتماءات السياسية كان رحمة الله عليه يتميز بروح ودوده ومحبة للآخرين حتى شعر المحيطين به انه اصبح جزء من حياتهم وأحلامهم بغد عربي أفضل حيث كان يمثل غرس الزعيم جمال عبدالناصر وامتداد لمشروعه القومي فى التحرر والوحدة والحرية والعدالة الاجتماعية.

والحديث عن قامة مثل الاستاذ مجاهد العشماوي تحتاج الى صفحات كثيرة لروحه السلام رحمة الله عليه فقد مات بعد يوم واحد من بلوغه الثمانين عاما وفى نفس اليوم الذي قطعت له التذاكر للسفر للعلاج بالخارج!

ورغم الظروف المعيشية القاسية لليمنيين بسبب الحرب والحصار فقد تداعى كل من عرف بوفاته ليتم تشييعه بموكب جنائزي مهيب يليق بقامة عربية كبيرة و الاوفياء من ابناء شعبنا اليمني الأصيل.

وقد حاولت مع اصدقاء احياء اربعينية الفقيد لكن لظروف البلاد لم نوفق فقد غاب أغلب الفاعلين القوميين من الساحة ولم يعد لهم دور او نشاط حتى فى تابين رفاقهم،لكن سنحاول تحقيق ذلك الأمر بأقرب فرصة فهذا اقل مانقدمه لقامة ادبية ونضالية وثورية مثل الاستاذ مجاهد العشماوي (ابن النيل) الذي سيظل خالدا فينا بتراثه الفكري والأدبي وتاريخه النضالي العظيم.

 

Share

التصنيفات: ثقافــة,عاجل

Share