Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

خالد محمد المرهبي: ” يوم زارني السرطان “

” السرطان مرض يمكن شفاؤه وليس حكما بالاعدام ”
تنتشر هذه العبارة بكثافة في شوارع العاصمة الرئيسية … وعلى إيقاع هذه العبارة نحارب كي يكون السرطان مرضا قابلا للشفاء ….تدور رحى هذه المعركة في العمق ….في اعماق ذواتنا ..في عمق الوعي الجمعي والثقافة الشعبية والتي تتسم بالسوداوية نحو هذا المرض ….
يعيش مريض السرطان محاط بتوقعات محبطة للغاية …. ليس احدها ان ايامه في الدنيا باتت معدودة وحسب ….بل ايضا عدم امكانية المعالجة مهما فعل وبالتالي الضن بالجهود والاموال التي تبذل للحفاظ على حياة هؤلاء …ولذا اصبحت العبارة التالية:
” وفروا اموالكم وجهودكم ولا تتعبوا انفسكم من اجل مرضى السرطان فلا أمل في شفائهم”
هي سيدة الموقف وهي العزرائيل المجتمعي الذي يشارك في جريمة القتل التي يتعاضد فيها السرطان والمجتمع ضد المرضى …..
تعود قصتي مع هذا الداء العضال لأكثر من اربعة اعوام خلت وبالتحديد شهر اغسطس من العام 2012 …
في آخر يوم من ايام رمضان المبارك عام 1433توجهت بصحبة ولدي الى سوق من الاسواق الشعبية في امانة العاصمة بغرض شراء حاجيات العيد وفجأة ودون اي مقدمات شعرت بإعياء شديد كدت على إثره ان افارق الوعي ….تركت السوق وعدت الى البيت وعند آذان المغرب لم استطع الافطار …..ظننت حينها أن ما اعتراني هو نزلة برد شديدة ستزول بإستخدام المسكنات وخافضات الحرارة….. لكن آلامي ازدادت بالتدريج حتى اني لم استطع الخروج من المنزل لأداء صلاة العيد ….ورغم ذلك انتظرت شهرين آخرين لأجري فحوصات طبية رغم التفاقم الشديد لحالتي ….في خلال الشهرين كنت اعيش الجحيم بعينه : فهناك في رأسي كانت منجرة تعمل بدوام كامل على مدار الساعة …لا استطيع النوم الا لحظات اختلسها رغما عن الألم ….الهزال هو الآخر كان من زواري الدائمين إضافة الى السعال الشديد الذي لا يغادرني لحظة إلا ليعود كأشد ما يكون …اصبحت لا استطيع الجلوس …لا اقوى على المشي …لا استطيع النوم …ولا استسيغ الاكل فالطرش هو الآخر بات من المدعوين في حفلة النهاية …
ورغم كل ذلك رفضت فكرة زيارة الاطباء
واكتفيت بخبرتي الشخصية_ كوني عامل في المجال الصحي – في معالجة نفسي
إلى ان جاءت لحظة النهاية كما كنت اظنها …وقتها كنت اهذي من فرط الحمى …وضعت وصيتي الاخيرة وانا ابكي …زوجتي واولادي وكل من حضر المشهد…. تركوا لدموعهم العنان …..ورغم كل ذلك رفضت الذهاب الى المستشفى…. وامام توسلات زوجتي واقربائي اكتفيت بكتابة بعض الفحوصات واستدعاء ابن اخي ليسحب العينة للمختبر ….ليظهر بعدها فحص ال C. B. C إحتمالية اصابتي بسرطان الدم …..
كان الخبر صادما للجميع ….لم تجف الدموع من مآقي من حضر ….زوجتي …ابني بناتي ,
صهري ..اخوتي
…اما انا فقد حاولوا اخفاء نتيجة الفحص عني …وامام اصراري اعترفوا لي بالحقيقة ….ساعتها لم اكن اكترث بشيء كإكتراثي بدموع زوجتي وحالتها السيئة …لدرجة اني خشيت عليها ان تفارق الحياة قبلي …لذا لجأت الى الكذب , لعلي اخفف عنها بعض الحزن الذي ألم بها تلك الليلة, الحزن الذي استمر رفيقها حتى عودتي من مصر ولمدة قاربت الشهرين ….اما والدتي الغالية فلم يخبرها احد بحقيقة الأمر ….
تحليت بكثير من الرضا والحمدلله, ولذلك قهرت الألم واستعدت صحتي سريعا ….
لم انزوي في زواية اليأس التي يقبع فيها الكثير, بل ادركت – بسبب تربيتي الإيمانية- أن الانطلاق في فضاء الأمل الرحب هو خياري الوحيد لمواجهة السرطان …..
ما تلى ذلك من ايام كانت مجرد تجسيد حقيقي لما يجب ان يتحلى به مريض السرطان من أمل, تحدي, ورغبة في الحياة …. وما يعتري حياته من آلام, انكسار, وخذلان …
لذت بالمعرفة وقرأت كل ما وقع في يدي عن سرطان الدم , بحثت في النت ومن يومها صرت مدمنا للشبكة العنكبوتية ” انترنت ”
_ يشكو الكثير من مرضى السرطان من الاطباء, وكيف انهم ساهموا_ بنسبة ما- في تفاقم حالاتهم , وذلك بالتشخيص السيء او ارهاق كواهلهم بمتطلبات لم تكن ضرورة وذلك خلال مرحلة الكشف عن اصابتهم السرطان ….
قصتي مختلفة تماما , فلقد وفقت بالطبيب البارع من اول يوم,
وحين يقال عن الاطباء انهم ملائكة الرحمة لا اظن هذا الوصف ينطبق على احد كإنطباقه عليه …. طبيب يداوي بالكلمة والبسمة قبل اي شيء آخر ….حين تغادر عيادته تشعر بالعافية تدب في أوصالك , قبل ان يعطيك شيئا من دواء … ابتسامته الساحرة وتطميناته الصادقة لها مفعول السحر في نفسي ….
أبدأ صباحي كل يوم بتناول الافطار ثم اخذ جرعات الدواء من العلاج الكيماوي Glivec
يعد هذا الدواء هو قنطرتنا الوحيدة – بعد قضاء الله – للبقاء على قيد الحياة , لذلك هو باهض الثمن , ونظل دائما في بحث دائب عنه ,
منذ نوفمبر 2015 والدواء غير متوفر في مركز الاورام او اي الجهات الحكومية , مما جعلنا نكثف جهودنا الذاتية عند المؤسسات الداعمة وفاعلي الخير , في فاصل استجدائي يضاعف من آلام السرطان …..
بات البحث عن دواء هو الهم الاول الذي يؤرق مضجعي كل يوم, ,,
ولمعالجة هذه المشكلة اسسنا كيانا اسميناه : ” رابطة مرضى السرطان ” ساهم هذا الكيان بالتعاون مع المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان – والتي باتت الملاذ الاخير للمرضى طوال هذه الفترة – وفاعلو الخير بتخفيف بعض المعاناة ولبعض الوقت , من خلال حملة ” لن نخذلهم ” , لكن المشكلة لم تحل جذريا ….وتستمر المعاناة……
حال مريض السرطان بعد الاصابة يختلف جذريا عما قبلها :
ابدو عصبيا اكثر من ذي قبل , ,,, اشد عنادا, ,,
اكثر رحمة, ,,, وأقل تحملا ..
في بداية مرضي خسرت كثيرا من الوزن 22 كجم استعدتها فيما بعد وخلال فترة قياسية والحمدلله …..
أكثر ما يغيظيني هي تلك النظرات التي تبدو احيانا وكأنها تشيعني الى مثواي الاخير …. والنظرة اليائسة التي ترى اني اصبحت في عداد الموتى منذ اللحظة التي جزم فيها الاطباء بإصابتي بالسرطان …
– ” غريبة ما شكلك مريض? ”
هذه هي العبارة والتساؤل الاكثر ترديدا على مسامعي كل يوم ….. اكتفي بالتبسم وشكر الله أن وهبني ارادة فولاذية وإيمان عميق ….وجعلني اعيش كبقية الناس الاصحاء, إن لم اكن افضل …
اعيش تفاصيل حياتي كبقية الناس …. امارس عملي بكل جد – قبل ان اتخلى عنه لأسباب ليس المرض من بينها – …كل يوم نسعى في توفير العلاج لمرضى السرطان من هذه المؤسسة او تلك … ننجح احيانا ونخفق احايين …لكننا لا نيأس….
نشكل نحن مجلس ادارة الرابطة والمرضى جسدا واحدا, نتشارك الدواء كما نتشارك الألم ….ونسعى للتخفيف عن آلام بعضنا البعض ….ننجح ونفشل لكننا نستمر …حتى ييأس اقلنا عزما وصبرا , نحن او السرطان ..
نواجه الحياة بإبتسامة …نتعالى على الألم
ونقابل اقدار الله بأنفس راضية …ومن كان مثلنا لن يصرعه المرض ولن يهزمه السرطان ….
ورغم المقدار الكبير من التحدي والامل الذي اعيشه , إلا ان هناك اوقات ولحظات صعبة تمر بي :
عندما اشاهد دموع احد رفقاء المعاناة , لإنعدام الدواء وضيق ذات اليد ….
العجز ذلك المدمر الذي يدك جبال تعاطفنا
ويحيلها الى سراب يرتدي معاول القهر …
الدموع ايضا في عيون الأحبة حين تمر بي وعكة صحية تلزمني الفراش فتفقدني الوعي …. كفكفوا دموعكم انا بخير ….
حياتي ليست مثالية بالمعنى الذي قد يفهمه البعض …إلا اننا نستطيع ان نجعل حياتنا اكثر ملائمة بقليل من الرضا والعمل ….
– حين نجحت حملة#لن_نخذلهم في توفير علاج ل800 مريض بسرطان الدم المزمن ولفترة 4 شهور كنت اشعر بالزهو, , كنت ملكا متوجا
ليس لأني حصلت على دوائي بل لأني شاركت بفعالية في هذه الحملة …
صداقاتي الواقعية والافتراضية – من خلال مواقع التواصل – احد أهم المصادر التي تزودني بالقوة والأمل …دعم الأهل والأقارب ….ودعوات الاحبة ورفقاء المعاناة …كلها عوامل قوة ترجح كفتي في رحلة التغلب على الألم ــ,, ,
ولست اخاف من شيء كخوفي ان أسلب الارادة وان يسيطر اليأس على نفسي …
وان أفقد دعم اولئك ودعواتهم ….وأن يستمر انقطاع الدواء
والحرب في بلدي التي أكلت الارواح والاخضر واليابس ونشرت الدمار والرعب في كل انحائه …
– يسيطر علي شعور قوي بأني صرت صاحب رسالة عنوانها :
” لا خوف من ُسرطان الاجساد …بل الخوف من سرطان القلوب والعقول ”
وأخال محمد شروق عناني حين قال :
” يوم زارني السرطان مطأطئ الرأس
لم يقدر أن يواجهني في واضحة النهار
فزارني بالليل في منامي
حضر و الرأس
خجولا حشوما مذلولا
ادرت له ظهري
رفضت النظر في عينيه
الإنصات لكلماته
ومع ذلك
تمتم بكلام متقطع :
لقد ندمت على الإعتداء عليك
لن استطيع حتى الإعتذار
مرغت صورتي في الوحل
ولكني كنت المعتدي
بالدارجة شوهتني
كنت ارعب الناس
فصرت بالنسبة لهم مجرد نزلة برد خفيفة
ندمت اشد الندم ان اخترقت جسدك
طردتني شر طردة
كنت الإرهابي الأول في العالم
ومعك أمسيت أول جبان في العالم
بكم هائل من الالم اتحدث اليكم …. شلالات من الهم والغم تغمر فؤادي …. اكاد اختنق من حجم المأساة ….
مرضى سرطان الدم المزمن على قارعة الموت يعانون بمفردهم …متروكون إلا من مرافقة الآه والخذلان ….
لا دواء ….لا مال ….. لا احد يقف بجوارهم ….هذه هي حكايتهم …وما خفي اشد وانكى ….
محمد يتوسل ويدق كل الابواب ….والجواب لا دواء في السوق ولا مال لشرائه …
فؤاد يبحث عن دواء منذ اكثر من شهر ….وبارقة الامل التي كانت تلوح في الافق استحالت الى غيم يمطر الهم والخوف ….
ناصر : اليوم بمركز الاورام يبحث عن قربة دم وقرص دواء والقليل من المال حتى يعود الى قريته ليستسلم للموت هناك …..
الحج محمد هو الآخر تخونه العبرات وهو الرجل الكهل …. لا دواء ….ولا مال يقيه الطردـ من مسكنه الذي يأوي اليه …..عجز عن دفع 8000 ريال وهو مهدد بالطرد إن لم يكن طرد فعلا …..
هناك 800 قصة اخرى ….محزنة ….مؤلمة …. تشعرك بالقهر ….
والقادم اسوأ …
* المسؤول الاعلامي لرابطة مرضى السرطان

Share

التصنيفات: أقــلام

Share