د. صريح صالح القاز: أيهما أولى: التواصي بالوحدة أم التحريض على الانفصال؟

من اللافت والمحزن أيضًا أن بعضَ الأخسرين أعمالًا من الكُتّاب السياسيين في الإقليم، سواء كانوا مدفوعين أو غير مدفوعين، انبرّوا هذه الأيام وكأنهم مع المجلس الانتقالي الجنوبي وإلى صفّه، وفي مصلحته، وما برحوا يقدّمون له وصفاتٍ وإرشاداتٍ متنوّعة ومختلفة.

غير أن السؤال الجوهري هنا: ما طبيعة هذه الوصفات والإرشادات التي يقدّمها هؤلاء المتظاهِرون بمظهر المصلحين؟

للأسف، ليست من قبيل الوصفات التي يقدّمها الطبيب الأمين؟ بل من تلك التي يقولبها ويسوقها السياسي الماكر،لكون جميعها لن تخرج عن كونها تعليماتٍ تُفهمه بالخطوات والإجراءات التدريجية التي قالوا ما عليه إلا أن يتّبعها، وهي كفيلة بإيصاله إلى فصل جنوب اليمن عن شماله.

طيب، يا هؤلاء، ألم يكن من الأحرى بكم، بدلًا من أن تُجهدوا أنفسكم بمثل هذه الوصفات السامّة، لماذا لا تقدّمون له وصفاتٍ وإرشاداتٍ لكيفية الحفاظ على وحدة وطنه اليمن، وتحثّونه على أن الوحدة خيرٌ من الانقسام، وأن التلاحم خيرٌ من التشرذم، وفق نصوص الدين، ومنطق العقل، وضرورات المرحلة؟

ثم لماذا لا يضربون له أمثلة من تجارب الدول الكبرى؟

لماذا لم تنفصل كاليفورنيا أو تكساس عن الولايات المتحدة؟

ولماذا لم تنفصل اسكتلندا أو إيرلندا الشمالية عن المملكة المتحدة؟

ولماذا لم ينفصل الإيغور أو هونغ كونغ عن الصين؟

ولماذا لم تنفصل كتالونيا عن إسبانيا؟

ولماذا قيادات وحكومات هذه الدول لم تسمح بانفصال أيٍّ من سكانها أو سلخ أيٍّ من أراضيها، رغم ما فيها من تنوّع ديني وعرقي ولغوي، ورغم ضخامة تعداد سكان بعض هذه الدول واتساع مساحتها؟

 

ولماذا لا يُنبّه هؤلاء المجلس الانتقالي إلى حقيقةٍ بالغة الخطورة، مفادها أن انفصال جنوب اليمن – إن حدث – لن يكون سوى القطعة الأولى في سلسلة أحجار الدومينو، ولا سيما في جنوب اليمن ذاته، حيث تتداخل الهويات والمصالح والانقسامات الكامنة؟

ولماذا لا تحذّروه بأن قوة الكيان الإسرائيلي وتوسّعه، كالأخطبوط، في المنطقة تعتمد أولا على تجزئتها وتفتيتها؟

يا هؤلاء، لماذا تُلبسون الحق بالباطل، وتقدّمون الحق في صورة باطل، والباطل في صورة حق، وأنتم تعلمون؟

ولماذا تحبّون أن تروا اليمن – وهو بمنزلة الرحم الذي خرجت منه الأمة العربية – مفتّتًا، مجزّأً، متصارعًا مع ذاته؟

لماذا لا تنصحون المجلس الانتقالي، وتجادلونه أيضًا، بأن من سنن الحياة أن تكون هناك أخطاء أو تجاوزات بين بني البشر وداخل كل المجتمعات والشعوب، لكنها مهما عظمت تظل قابلة للحل والمعالجة؟

وأن الخطأ لا يُعالج بخطأٍ أكبر، ولا يُصحَّح بانقسامٍ أشدّ فداحة؟

ولماذا، بدلًا من الإشادات التي تصبّ في خانة دعم الانفصال وإضعاف اليمن، لا تقدّمون مبادراتٍ ومقترحاتٍ وتوصياتٍ ثقافية واقتصادية وتنموية، تُسهم في تعزيز وحدة اليمن وقوّته واستقراره؟

ولماذا، يا هؤلاء، لا تتمنّون رحيل الاحتلال من الضفة، ومن غزة، ومن القدس، ومن كل شبرٍ من الأراضي العربية، كما تتمنّون خروج أبناء جنوب اليمن من شماله، وخروج أبناء الشمال من جنوبه؟

ولماذا يزعجكم أن يظل اليمن موحّدًا متماسكًا مسيطرًا على أرضه، فيما لا يزعجكم الكيان الإسرائيلي وهو يبتلع الأراضي الفلسطينية والعربية قطعةً تلو الأخرى، ويكرّس قوته ويتوسّع في منطقتنا وعلى أرضنا؟

ولماذا لا يحدوكم الأمل يا هؤلاء إلا لرؤية اليمن وقد غاب عن الخارطة، وهو اليمن العريق في هذه المنطقة منذ ما قبل ميلاد الرسل بقرون، بينما لا يحدوكم أي أمل في أن تروا الكيان الإسرائيلي الطارئ – الذي لا يتجاوز عمره ثمانين عامًا – وقد زال ورحل؟

ولماذا، يا هؤلاء، قبلتم أن ينتهي الحال بكم على قاعدة أن شَرق الغربِ شَرقنا، وأن غرٌب الغربِ غَربنا؟ لا غير.

أخيرًا، يا هؤلاء، هل تقبلون أن يُرشدكم أيٌّ كان، أو يُرشد أيٌّ من أبناء أو مكوّنات أو نخب دولكم، بمثل هذه الإرشادات التي تُرشدون بها المجلس الانتقالي داخل اليمن؟.

Comments are closed.

اهم الاخبار