محمد اللوزي: الصومال في الوعي اليمني: من هامش الجغرافيا إلى قلب استراتيجية الردع
في تقديري، ومنذ ما يقارب ثلاث سنوات، أدركت اليمن – إن صحّ هذا التوصيف – أن ساحة الصومال لم تعد هامشًا جغرافيًا أو ملفًا ثانويًا، بل تحوّلت إلى أحد مفاتيح الصراع الإقليمي القادم، ووضعتها في صدارة سلّم أولوياتها الاستراتيجية، استباقًا لمواجهة التحولات الكبرى، وفي مقدّمتها تمدّد الكيان الsهيوني في البحر الأحمر وخليج عدن والقرن الإفريقي.
هذا الإدراك لم يكن ارتجاليًا ولا وليد اللحظة، بل نابع من بصيرة سياسية وأمنية عميقة قرأت المشهد الإقليمي بوصفه شبكة مترابطة، لا ساحات منفصلة. ومن هنا، لم تتجه صنعاء إلى بناء علاقات شكلية أو براغماتية عابرة مع أطراف صومالية، بل أسست علاقات غير عادية، بل يمكن وصفها بالإيمانية والنضالية، مع قوى صومالية ترى الصراع من زاوية الهوية والمصير المشترك، لا من زاوية المصالح الضيقة أو الإملاءات الخارجية.
وقد ظهر جانب من هذه العلاقات بوضوح خلال معركة البحر الأحمر، حين برز حضور مهم وحيوي لقوى صومالية مؤمنة وموالية لأنصار الله، شاركت – سياسيًا وأمنيًا وإسناديًا – من قلب الساحة الصومالية، في معركة الدفاع عن السيادة ورفض الهيمنة الصهيونية – الغربية. لم يكن ذلك الحضور تفصيلاً عابرًا، بل تعبيرًا عن تفاهم عميق ومعاهدة غير مكتوبة، قوامها أن يكون الطرفان في الخندق النضالي ذاته، في مواجهة مشروع واحد وعدو واحد.
لقد تصرفت اليمن، وكأنها استنفدت كامل طاقتها البصيرية، وذهبت إلى أقصى ما يمكن من قراءة المستقبل، ففهمت أن الكيان الصهيوني لا ينظر إلى اليمن كملف مستقل، بل كعقدة مركزية في مشروع السيطرة على المنطقة. ومن هنا، فإن التحضير الsهيوني لأي حرب مباشرة أو غير مباشرة مع اليمن لا ينفصل عن التموضع في الضفة الإفريقية المقابلة، ولا عن تحويل الصومال – أو أجزاء منه – إلى منصة ضغط عسكري وأمني وسياسي.
الهدف الصهيوني، في جوهره، مزدوج:
أولًا: بسط النفوذ والسيطرة على البحر الأحمر وخليج عدن، باعتبارهما شريانين استراتيجيين للتجارة والطاقة والأمن العالمي.
ثانيًا: صناعة فكّي كماشة يطبقان في آنٍ واحد على اليمن والرياض، عبر تحالف عضوي مع الإمارات، التي باتت تمثل الذراع التنفيذية للمشروع الصهيوني في المنطقة.
في هذا المخطط، تُحاصر الرياض من جهتين:
من الجنوب اليمني، عبر ميليشيا الانتقالي وأدوات التفكيك والانفصال.
ومن الضفة الإفريقية، عبر أرض الصومال المطلة مباشرة على خليج عدن، بما يسمح بتهديد الملاحة، والضغط الأمني، وخلق واقع جيوسياسي خانق.
والمفارقة الكبرى أن معظم دول المنطقة فشلت في قراءة هذا المخطط التآمري الكبير، وتعاملت مع التحركات الصهيونية–الإماراتية كملفات منفصلة أو تكتيكات مؤقتة. وحدها اليمن، وبما راكمته من تجربة مواجهة وصمود، استطاعت أن ترى الصورة الكاملة، وأن تفهم أن المعركة ليست حدودًا ولا جبهات تقليدية، بل صراع وجود ومصير ونفوذ طويل الأمد.
من هنا، جاءت الأهمية القصوى التي منحتها صنعاء للصومال، ليس كدولة بعيدة جغرافيًا، بل كساحة تماس مباشر مع الأمن القومي اليمني، ومع معركة الأمة في مواجهة المشروع الصهيوني. وبناءً على ذلك، شُيّدت علاقات استراتيجية وثيقة مع قوى صومالية تؤمن بالرؤية ذاتها، وترى في أنصار الله شريكًا في مشروع تحرري، لا مجرد حليف ظرفي.
إن ما جرى ويجري يؤكد أن اليمن لم تكن تتحرك بردّ الفعل، بل بالفعل الاستباقي، وأنها – بخلاف كثير من العواصم – اشتغلت على المستقبل قبل أن يفرض نفسه بالقوة. وهذه هي النقطة التي تفسر لماذا بدت صنعاء، في أكثر من محطة، متقدمة خطوة أو خطوات على خصومها، ولماذا بات البحر الأحمر وخليج عدن اليوم ساحة مواجهة مفتوحة، لا يمكن فهمها دون العودة إلى الخيار اليمني المبكر تجاه الصومال والقرن الإفريقي.
Comments are closed.