عادل الحسني: خطورة المشروع القادم
بعد أكثر من أربعة وثلاثين عامًا ظل فيها ملف الاعتراف بأرض الصومال معلقًا، يأتي الاعتراف الصهيوني ليكسر هذا الجمود فجأة، وفي توقيت لا يمكن فصله عن التحولات المتسارعة في الإقليم.
الاعتراف لم يأتِ معزولًا، بل سبقه بساعات تسريب تقارير إعلامية إسرائيلية تؤكد تجدد قنوات التواصل بين قيادات في المجلس الانتقالي والجانب الإسرائيلي.
بات الخط الإسرائيلي على مشارف جزيرة العرب، ممتدًا بوضوح من جنوب السودان، مرورًا بإثيوبيا، وصولًا إلى أرض الصومال، والخطوة التالية في هذا المسار هي الاندفاع بثقل أكبر نحو جنوب اليمن، ليكون بذلك اختراق مباشر للجدار الجنوبي للجزيرة العربية، وتوطين جيوسياسي في واحدة من أكثر النقاط حساسية وتأثيرًا في العالم.
هذه التحركات لم تكن لتتحقق دون تمهيد وتنفيذ إماراتي مباشر، يكشف بجلاء تداخل المشروع الإماراتي مع المشروع الصهيوني الذي تتصدره إسرائيل.
فالمشروع الإماراتي في المنطقة يقوم على تحالف صريح مع الكيان الصهيوني، ويعتمد على توظيف التمردات والانقسامات المحلية في ساحات الصراع، كما في اليمن والصومال والسودان؛ لتحويلها إلى أدوات تخدم أهدافًا تتجاوز حدود تلك الدول.
خطورة هذا المشروع في طبيعته الوظيفية وآثاره بعيدة المدى على أمن الدول وسيادتها واستقرارها.
الاعتراف الصهيوني بأرض الصومال يُعد إعلانًا عمليًا عن إدخال هذه المنطقة في صلب المعادلة الأمنية للبحر الأحمر وخليج عدن.
فموقع أرض الصومال وجنوب اليمن يمنحاها قيمة مضافة، ويجعلاها قابلة للتحول إلى منصة استخباراتية وعسكرية متقدمة، خارج أي رقابة دولية.
من المعروف أن الإمارات، ضمن هذا السياق الصهيوني الأوسع، تسعى إلى تثبيت نفوذها على الضفة الإفريقية، تمهيدًا لربطها بالضفة العربية عبر جنوب اليمن، وهو أمر لا يتعدى كونه مسألة وقت.
ومن هنا تتجلى خطورة جنوب اليمن، كحلقة خطيرة في هذا المشروع، بإشرافه المباشر على باب المندب، والقدرة على خنق أي مسار مقاوم للمشروع الصهيوني في المنطقة، وإجهاض فرص تشكّل تحالفات إقليمية مستقبلية تنطلق من اليمن وتناهض هذا المسار.
التحركات الإماراتية في الجنوب، والتحالف مع قوى محلية متمردة، الهدف منها في المقاوم الأول تحويل اليمن عمومًا إلى مساحة نفوذ مفتوحة، وقاعدة متقدمة تخدم مصالح خارجية.
والصدام القائم بين المجلس الانتقالي وبقية القوى اليمنية يتجاوز كونه صراعًا سياسيًا داخليًا، ليكشف عن تمهيد مدفوع لسلخ جنوب اليمن من عمقه الهوياتي، وربطه بمسار إقليمي يخدم أهدافًا تتجاوز اليمن بمراحل.
يقوم التحالف الإماراتي–الصهيوني على معادلة واضحة بالسيطرة على المواقع، والتحكم بالثروات، والإمساك بالممرات البحرية، وبناء أدوات ضغط دائمة، على القوى المحلية، بما فيها السلطة في صنعاء، وما لم تنجح غارات الجو في تحقيقه قد تحققه لعبة النفوذ.
ولا يتوقف هذا الضغط محليًا، بل يمتد ليشكّل تهديدًا مباشرًا لأمن الدول المجاورة وأمنها القومي.
فما يجري لا يمكن التعاطي معه بسطحية، ومن الوجوب إعادة التفكير فيه من نواحٍ متعددة.
فما يجري قد يكون تمهيدًا خطيرًا لإعادة رسم مراكز الثقل وتقاسم النفوذ في واحدة من أكثر مناطق العالم تعقيدًا وحساسية.
وإذا ما اكتمل هذا المشروع، فلن يكون ثمنه محصورًا بدولة واحدة، بل ستدفعه المنطقة بأسرها، أمنًا وسيادةً ومستقبلًا.
Comments are closed.