اليمن في قلب معركة الدفاع عن القرآن
الوحدة:
لم تمرّ الإساءة الأخيرة للقرآن الكريم، التي أقدم عليها أحد المرشحين الأمريكيين، في اليمن كخبر عابر أو حادثة هامشية في زحام الأحداث الدولية، بل تحولت سريعًا إلى قضية وطنية كبرى، أعادت رسم مشهد التفاعل بين القيادة السياسية، ومؤسسات الدولة، والشارع الشعبي، والمؤسسة الدينية، في موقف نادر التماسك والوضوح، يعكس عمق مركزية القرآن الكريم في الوعي الجمعي اليمني، ويكشف في الوقت ذاته طبيعة الصراع القيمي والثقافي الذي تخوضه الأمة الإسلامية في مواجهة خطاب غربي يتوسّع في استباحة المقدسات تحت لافتة الحرية.
منذ الساعات الأولى لانتشار نبأ الإساءة، بدا واضحًا أن اليمن لا يتعامل مع الحادثة بوصفها تصرفًا فرديًا معزولًا، بل كجزء من مسار طويل من الاستهداف المنهجي للإسلام ورموزه، مسار يرى فيه اليمنيون امتدادًا لحروب أقدم، تغيّرت أدواتها لكن لم تتغيّر غاياتها.
قراءة القيادة
في هذا الإطار، جاء موقف قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي ليضع الحادثة في سياقها الأوسع، معتبرًا أن الإساءة المتكررة للقرآن الكريم ليست مجرد انحراف شخصي أو سلوك شاذ، بل تعبير عن سياسة عدائية ممنهجة تقودها قوى غربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا والكيان الصهيوني، تستهدف ضرب مكانة القرآن في وجدان المسلمين، ونزع قداسته من المجال العام، تمهيدًا لإضعاف الهوية الإسلامية ذاتها.
وأكد أن ما يُسمّى بحرية التعبير يفقد معناه الأخلاقي عندما يتحول إلى أداة لإهانة المقدسات، مشددًا على أن الصمت الدولي تجاه هذه الإساءات لا يمكن فصله عن منظومة سياسية وإعلامية تحمي المسيء وتجرّم الغضب المشروع. وذهب أبعد من ذلك حين اعتبر أن السكوت على هذه الأفعال يمثل فشلًا أخلاقيًا وقيميًا، لا يقل خطورة عن الفعل ذاته.
ودعا المسلمين – حكومات وشعوبًا – إلى تحمّل مسؤولياتهم التاريخية، مؤكدًا أن الدفاع عن القرآن الكريم ليس شأنًا رمزيًا أو موسميًا، بل واجب دائم يتطلب وعيًا، وتنظيمًا، وانتقالًا من ردود الفعل إلى بناء موقف إسلامي جامع قادر على فرض احترام المقدسات في الساحة الدولية.
موقف موحد بلا موارب
هذا الخطاب وجد ترجمة عملية في مواقف مؤسسات الدولة، التي سارعت إلى إصدار بيانات واضحة اللهجة، خالية من اللغة الدبلوماسية الرمادية. فقد أدان المجلس السياسي الأعلى الجريمة بأشد العبارات، واعتبرها اعتداءً سافرًا على أقدس مقدسات المسلمين، واستفزازًا لمشاعر أكثر من ملياري إنسان، مؤكدًا أن السماح بهذه الأفعال أو حمايتها يمثل شراكة مباشرة في الجريمة.

اليمن لا يدافع عن نص ديني فقط، بل عن مبدأ احترام الأديان في العالم
وحمل المجلس الإدارة الأمريكية المسؤولية السياسية والأخلاقية عن هذه الإساءة، داعيًا المجتمع الدولي إلى مراجعة جادة لمفهوم حرية التعبير، والعمل على إقرار تشريعات دولية تجرّم الإساءة للأديان والمقدسات، بما يضمن احترام التعدد الديني والثقافي، ويحول دون انفجار صراعات ذات طابع ديني وحضاري.
استفزاز متعمد وازدواجية
أما مجلس النواب اليمني، فقد اختار لغة أكثر حدة، معتبرًا أن ما جرى استفزاز متعمد وتحدٍ صارخ للقيم الإنسانية المشتركة، محذرًا من أن استمرار الصمت الدولي يشجع على تكرار الإساءات، ويعمّق مشاعر الكراهية والاحتقان بين الشعوب. ودعا المجلس البرلمانات العربية والإسلامية إلى الخروج من دائرة الشجب اللفظي، واتخاذ خطوات عملية تضع حدًا لهذا الانفلات القيمي.
من جهتها، أكدت حكومة التغيير والبناء ووزارة الخارجية أن تبرير الإساءة للقرآن تحت ذريعة حرية التعبير يعكس ازدواجية صارخة في المعايير، حيث تُجرَّم أي إساءة تمس قضايا بعينها في الغرب، بينما يُترك الدين الإسلامي بلا حماية قانونية. واعتبرت أن هذه الأفعال تهدد السلم والأمن الدوليين، وتنسف أسس التعايش والاحترام المتبادل بين الثقافات.
الشارع اليمني
لم يظل الموقف اليمني محصورًا في الإطار الرسمي. ففي عصر يوم الجمعة الماضية، تحوّل ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء إلى ساحة غضب جماهيري منظم، حيث احتشد المواطنون في مسيرة وُصفت بأنها من أكبر التظاهرات المرتبطة بقضايا المقدسات خلال السنوات الأخيرة.
الحشود التي غطّت الميدان والشوارع المحيطة به رفعت المصاحف واللافتات، ورددت هتافات تؤكد أن الإساءة للقرآن ليست اعتداءً على المسلمين وحدهم، بل على القيم الإنسانية الجامعة. وبرزت في الشعارات رسالة واضحة مفادها أن الصمت الدولي تجاه هذه الإساءات يمثل تواطؤًا غير مباشر، وأن احترام المقدسات يجب أن يكون معيارًا عالميًا لا يخضع للاصطفافات السياسية.
وشارك في المسيرة علماء ومشايخ ووجهاء قبائل وشباب وطلاب، في مشهد جسّد وحدة نادرة بين مختلف مكونات المجتمع، وأكد أن قضية القرآن الكريم تتجاوز الانقسامات السياسية والاجتماعية، لتستقر في صلب الهوية الوطنية والدينية.

علماء اليمن: معركة الدفاع عن القرآن معركة وجود واليمن في طليعة المنتصرين للمقدس
في زمن التواطؤ والصمت المريب، يرتفع صوت اليمن عاليًا، مدويًا بالحق، ليؤكد أن القرآن ليس ورقة مستباحة، وأن المقدسات خطٌ أحمر لا يقبل المساومة. من صنعاء، جدد العلماء عهدهم بأن يكونوا في قلب المواجهة، حيث الكلمة موقف، والموقف فعل، والفعل جهاد في وجه الاستكبار.
عقدت رابطة علماء اليمن في العاصمة صنعاء لقاءً علمائيًا موسعًا تحت شعار: «مسؤولية العلماء في الانتصار لكتاب الله والمقدسات وتعبئة الأمة لجهاد أمريكا وإسرائيل»، في موقف يجسد الدور الريادي لليمن في الذود عن حياض الإسلام، في وقتٍ ترزح فيه معظم الأنظمة العربية والإسلامية تحت صمتٍ مخزٍ وتواطؤ مكشوف.
وخلال اللقاء، أكد القائم بأعمال رئيس حكومة التغيير والبناء، العلامة محمد مفتاح، أن الأعداء يواصلون مخططاتهم الهادفة إلى ضرب قدسية المقدسات في وعي الأمة، والعمل على تدجين الشعوب وتطبيعها مع الإهانة، واصفًا تلك التحركات بأنها مخططات صهيونية خبيثة تتطلب يقظة إيمانية وموقفًا حازمًا.
وأوضح العلامة مفتاح أن اليمن، بفضل قيادته الربانية الحكيمة والشجاعة، بات يتخذ قرارات مصيرية جعلت من موقفه المتقدم نموذجًا ملهمًا لشعوب العالم، مشددًا على أن موقف اليمن قيادةً وشعبًا وعلماء يشكل اليوم حجةً دامغة على بقية شعوب الأمة الإسلامية.
من جانبه، أكد مفتي الديار اليمنية ورئيس رابطة علماء اليمن، العلامة شمس الدين شرف الدين، أن المرشح الأمريكي الذي أساء إلى القرآن الكريم لن يفلت من العقاب، مشيرًا إلى أن يد المؤمنين والعقوبة الإلهية ستطال كل من يتجرأ على مقدسات الأمة.
غفلة
ولفت مفتي الديار إلى أن اليمن، قيادةً وحكومةً وشعبًا، كان في طليعة المنتصرين للمقدسات الإسلامية، وهو موقف يُحمد الله عليه، موضحًا أن هذه الإساءة الأمريكية جاءت في ظل غفلة واسعة تعيشها الشعوب الإسلامية عن دينها، ما شجع الأعداء على التمادي في عدوانهم على القرآن الكريم.
بدوره، أشاد أحد مشايخ الأزهر الشريف، العلامة سعيد سلامة، بالموقف اليمني الاستثنائي، معربًا عن أسفه الشديد لغياب أي موقف مشرف من مؤسسة الأزهر تجاه ما تتعرض له المقدسات الإسلامية، مؤكدًا أن الموقف الوحيد الذي يرقى إلى مستوى التحدي والمسؤولية هو موقف السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، الذي واجه مشاريع الاستكبار بثبات وشجاعة.
جسد بلا روح
وفي السياق ذاته، أكد نائب رئيس رابطة علماء اليمن، العلامة عبدالمجيد الحوثي، أن هذا اللقاء يأتي انتصارًا لكتاب الله، الذي يمثل أعظم القضايا التي ينبغي للأمة أن تنتصر لها في هذا الوجود.
وانتقد حالة الهوان التي وصلت إليها بعض شعوب الأمة، قائلًا: «ليس غريبًا على أعدائنا الإساءة لمقدساتنا وهم قتلة الأنبياء، لكن العجيب هو حال أبناء أمة الإسلام الذين تحولوا إلى جسد بلا روح، واستطاع الأعداء فصلهم عن القرآن»، مشددًا على أن اليمن، بقيادته الربانية، لا يزال الصوت الصادق المعبر عن الإسلام المحمدي الأصيل والمدافع الأول عن المقدسات.
وأكد علماء اليمن في ختام لقائهم أن معركة الدفاع عن المقدسات لا تنفصل عن معركة التحرر الوطني، وأن الخلاص من قوى الاستكبار وأدواتها هو الطريق الوحيد لاستعادة كرامة الأمة وصون مقدساتها، داعين إلى مواصلة التعبئة العامة حتى تحقيق النصر الكامل وتطهير الأرض من دنس العدوان.
بيان للأمة
وفي السياق ذاته، أصدرت رابطة علماء اليمن بيانًا شديد اللهجة أدانت فيه الإساءة الأمريكية الصهيونية للقرآن الكريم، مؤكدة رفضها القاطع لهذه الجريمة بحق أقدس مقدسات المسلمين، ومحملة الإدارة الأمريكية كامل المسؤولية وتداعيات هذا العدوان.
وأوضح البيان أن هذه الإساءة تمثل دليلًا إضافيًا على صوابية موقف الأحرار في معاداة أمريكا والعدو الصهيوني ومواجهتهما بثبات، داعيًا الأمة الإسلامية إلى عودة صادقة وجادة إلى القرآن الكريم، اعتزازًا واهتداءً وتطبيقًا لأحكامه.
كما دعا البيان علماء الأمة ومؤسساتها الدينية إلى القيام بمسؤولياتهم الدينية والأخلاقية تجاه هذه الانتهاكات الخطيرة، مشددًا على ضرورة إذكاء روح الجهاد والتعبئة العامة في مواجهة قوى الطاغوت، ومشيدًا بالموقف الإيماني التاريخي للشعب اليمني وخروجه المليوني في ميدان السبعين وسائر الساحات انتصارًا لكتاب الله.
وختم البيان بالتأكيد على أن اليمن، قيادةً وشعبًا وعلماء، سيظل حصنًا منيعًا في الدفاع عن القرآن الكريم والمقدسات الإسلامية، مهما اشتدت المؤامرات وتعاظم العدوان.

حين يتكلم القرآن يخرج اليمن كلّه إلى الميدان
في زمنٍ يُقاس فيه صدق الأمم بميزان الموقف لا بكثرة الشعارات، كسر اليمن جدار الصمت، واندفع إلى الساحات كما يندفع الإيمان إلى القلوب الحيّة. لم تكن الخروجات مشهدًا احتجاجيًا عابرًا، بل إعلان تاريخي بأن القرآن الكريم ليس نصًا يُستباح ولا رمزًا يُساوَم عليه، بل هو هوية شعب وعقيدة أمة وخط الدفاع الأول عن الكرامة والوجود. وحين ظنّ المعتدون أن الإساءة تمرّ بلا ثمن، جاء الرد اليماني شاملًا، واعيًا، ومفتوح السقف، ليؤكد أن المساس بالقرآن هو حرب على الدين قبل الجغرافيا، وعلى الإنسان قبل السياسة.
في مشهدٍ إيماني جامع، احتشد اليمنيون في أكثر من 1500 ساحة تحت شعار «نفير واستنفار.. نصرةً للقرآن وفلسطين»، من العاصمة صنعاء إلى عموم المحافظات الحرة، مجددين العهد مع كتاب الله، ومعلنين رفضهم القاطع لكل أشكال الإساءة الأمريكية والصهيونية للقرآن الكريم. تحولت الميادين إلى منابر موقف، واختلط الغضب بالعقيدة، والوعي بالفعل، لتخرج رسالة واحدة لا لبس فيها: القرآن ميثاق أمة وحبل نجاتها، وأي اعتداء عليه هو اعتداء مباشر على كرامة المسلمين وحقهم في العيش أحرارًا.
رسائل ايمانية
في العاصمة صنعاء، دشّن ميدان السبعين المشهد بمسيرة مركزية مليونية حملت ثقل القرار الشعبي، مؤكدة أن صنعاء تمثل قلب الموقف الإيماني ورافعة التفويض الشعبي للقيادة في معركة الدفاع عن المقدسات، وأن معركة الوعي الثقافي لا تنفصل عن معركة الأمة الكبرى. وبالتوازي، حضرت مديريات صنعاء الغربية بعشرات الساحات المستحدثة، متحدّية الجغرافيا، ومسجلة حضورًا يراكم الرسائل الإيمانية.
وفي الحديدة، تحولت 317 ساحة إلى منصات غضب واعٍ، عبّرت عن قدرة المجتمع المجاهد على تحويل الاستهداف إلى طاقة مواجهة، مؤكدة أن نصرة القرآن تبدأ بخيارات عملية، من الجهوزية الشاملة إلى المقاطعة الاقتصادية ومواجهة أدوات الحرب الناعمة.

رسالة يمنية للعالم: احترام المقدسات قاعدة للاستقرار الدولي لا استثناء خاضع للسياسة
أما حجة، فشهدت 312 مسيرة رسمت موقفًا لا يقبل التهدئة، ووضعت الانتماء الحقيقي للإسلام على محك الفعل لا الادعاء.
وفي إب الخضراء، خرجت 220 مسيرة لتؤكد أن الواجب الديني والأخلاقي لا ينتظر إذنًا من أنظمة صامتة، وأن التخاذل لم يعد خيارًا في زمن تُستباح فيه المقدسات والدماء معًا.
وفي عمران، عبّرت 155 مسيرة عن حقيقة أن الجريمة تستهدف كرامة أمة بأكملها، وأن الدفاع عن القرآن يتكامل مع إسناد المقاومة الفلسطينية بوصفها خط الدفاع الأول عن مقدسات الأمة.
وفي ريمة، حملت 100 مسيرة التزامًا عمليًا بتوجيهات القيادة، مقرونًا بالبراءة من كل تواطؤ أو خيانة، باعتبار الجبهة الداخلية ركنًا أصيلًا في معركة المقدسات.
أما المحويت، فشهدت 95 مسيرة شددت على وحدة الصف والجهوزية كخيار استراتيجي لحماية القرآن والدفاع عن فلسطين.
خيار المقاطعة
وعلى الشريط الساحلي، أوصلت تعز عبر 93 مسيرة قراءة واضحة لطبيعة المعركة، بوصف الإساءة حلقة في حرب شاملة تستهدف هوية الأمة، داعية إلى تحرك شعبي يتجاوز الجغرافيا ويستعيد الموقف الجماعي.
وفي الجوف، شهدت 50 مسيرة استعدادًا شعبيًا لتحمل تبعات المواجهة، مع تحميل صمت بعض الأنظمة مسؤولية تمادي الأعداء.
وفي ذمار، واكبت 50 مسيرة النفير الإيماني، معتبرة تعظيم القرآن فعل مقاومة بحد ذاته، ومؤكدة أن المقاطعة الاقتصادية الحد الأدنى من الرد الواجب، مع رفع الجهوزية لكل خيارات الردع.
وفي صعدة ، خرجت 45 مسيرة أعادت التذكير بجذوة النهج القرآني الذي وُلدت منه الثورة، فيما شهدت المدينة مسيرة مليونية أكدت أن القرآن خط أحمر لا يقبل المساومة، وأن الصمت الإسلامي والدولي شريك غير مباشر في الجريمة.
وتحت راية السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي حضرت المحافظات الحرة جنوبًا بقوة، حيث سجلت الضالع 17 مسيرة ولحج 3 مسيرات، مؤكدة الجهوزية لكل الخيارات، وربط الإساءة بمسار التطبيع والتخاذل بوصفه الوجه السياسي للجريمة.
وفي مأرب التاريخ، خرجت القبائل إلى 16 ساحة معلنة النفير العام لوقف العربدة الصهيوأمريكية، ومحمّلة الصمت العربي مسؤولية التمادي.
أما البيضاء، فقد شهدت 25 مسيرة أكدت المضي في إسقاط مكر الأعداء ومخططاتهم، مجددة أن نصرة فلسطين امتداد طبيعي لمعركة الدفاع عن القرآن.
هكذا، قال اليمن كلمته بوضوح لا يحتمل التأويل: القرآن قضية موقف، ومن يتخلى عن موقفه يتخلى عن هويته. وفي ساحات النفير، كتب اليمنيون فصلًا جديدًا من معادلة الردع الإيماني، عنوانها أن الأمة التي تحمي قرآنها، قادرة على حماية كرامتها وصناعة مستقبلها.
حرائر اليمن يتقدمن لحراسة القرآن وصناعة الموقف
في اللحظات المفصلية من تاريخ الأمم، لا تُقاس العظمة بعدد الجيوش ولا بضجيج الشعارات، بل بمَن يتقدّم الصف حين تُستهدف القيم وتُدنَّس المقدسات. وفي هذا المشهد الفاصل، خرجت المرأة اليمنية من قلب الوعي والإيمان، لا لتكمّل المشهد، بل لتقوده. خرجت حرائر اليمن وهنّ يحملن المصاحف كما تحمل الأمم راياتها الكبرى، معلنات أن الدفاع عن القرآن ليس فعل غضب عابر، بل عقيدة متجذّرة وموقف لا يلين.
لم تكن المسيرات النسائية في صنعاء والمحافظات الحرة حدثًا اعتياديًا، بل شهادة حيّة على أن المرأة اليمنية هي ذاكرة الهوية وحارسة الثوابت، وأنها حين يُستدعى الواجب، تكون في الطليعة، لا خلف الصفوف. أكثر من خمسين ساحة امتلأت بنساءٍ كسرن الصورة النمطية، وأعدن تعريف دور المرأة في معركة الوعي والمقدس، فصِرن عنوانًا لمرحلة، وصوتًا لا يمكن تجاوزه في معادلة المواجهة.
هنا، لم تخرج المرأة اليمنية بوصفها متضامنة فحسب، بل بوصفها شريكة في حمل الراية، وصاحبة موقف، وصانعة رسالة. خرجت لتقول للعالم إن هذا الشعب الذي يُستهدف في هويته، يملك نساءً ينهضن حين يتراجع الآخرون، ويجهرن بالحق حين يُراد للصمت أن يكون سياسة. من صنعاء إلى صعدة، ومن تهامة إلى مأرب، كانت الحرائر يكتبن فصلًا جديدًا من تاريخ اليمن الإيماني، فصلًا يؤكد أن المرأة ليست هامشًا في معركة الدفاع عن القرآن، بل قلبها النابض، وضميرها الحي، وسورها الذي لا يُخترق.

حرائر اليمن في أكثر من 50 ساحة: موقف إيماني موحّد نصرةً للقرآن وفلسطين
في أمانة العاصمة، احتشدت الحرائر في ساحة غرب حديقة الثورة، بعد أن تقاطرن من مختلف المديريات، فيما شهدت مديريات طوق صنعاء حضورًا واسعًا في سبع ساحات موزعة على بني حشيش، ونهم، وهمدان، وبني مطر، وسنحان، وصنعاء الجديدة، حيث رفعت المشاركات المصاحف تأكيدًا على التمسك بالقرآن والذود عنه، وإعلانًا لرفض أي استهداف لمقدسات الأمة.
وفي محافظة صعدة، خرجت الحرائر في تسع ساحات حاشدة، مزجن فيها بين نصرة الشعب الفلسطيني في مواجهة العدوان الصهيوني، وتمجيد القرآن الكريم، والتأكيد على التصدي لكل محاولات الإساءة إليه، معبّرات عن موقف إيماني ثابت ورفض قاطع لأي استهداف ديني أو ثقافي موجّه.
أما في محافظة حجة، فقد شهدت ثمان مسيرات نسائية كبيرة في عدد من المديريات، عبّرت عن التفاف شعبي وإيماني واسع حول قضية الدفاع عن القرآن الكريم، في مشهد اكتست فيه الساحات باللون الأسود المعبر عن الحشمة والهوية اليمانية، وعن حضور المرأة في ميادين الجهاد والدفاع عن الدين والمستضعفين.
وفي محافظة الحديدة، خرجت حرائر تهامة في أربع ساحات حاشدة، مؤكدات أن المحافظة، حارسة البحر الأحمر، حاضرة في معركة الدفاع عن المقدسات، ورافعـات شعارات البراءة من الأعداء، والتضامن مع الشعب الفلسطيني، والتأكيد على أن الدفاع عن القرآن واجب لا يسقط عن أي مسلم.
وفي مأرب، احتضنت مديرية صرواح مسيرة نسائية حاشدة، شددت المشاركات فيها على أن الخروج الواسع يجسد الموقف الإيماني الثابت للشعب اليمني بكل فئاته، وأن هذا الحضور يأتي انطلاقًا من هوية إيمانية راسخة في مواجهة مشاريع الهيمنة والاستهداف الثقافي والديني.
وامتدت المسيرات إلى محافظات الضالع ولحج والمحويت وريمة والبيضاء وعمران، حيث خرجت الحرائر في ساحات متعددة، موحّدات الموقف والرسالة من أقصى الشمال إلى المناطق الحرة جنوبًا، تحت راية القيادة الثورية، ومؤكدات أن المرأة اليمنية في طليعة ميادين الوعي والموقف.
بيان مسيرات حرائر اليمن: موقف واضح ورسائل حازمة
وأصدرت المسيرات النسائية بيانًا موحدًا أكدت فيه حرائر اليمن رفضهن القاطع والغاضب للإساءات الأمريكية والصهيونية المتكررة للقرآن الكريم والمقدسات الإسلامية، معتبرات أن هذه الإساءات تمثل جزءًا من حرب شاملة تستهدف الإسلام والمسلمين، تقودها الولايات المتحدة وبريطانيا والكيان الصهيوني.
وأكد البيان أن حرائر اليمن لن يسمحـن بتمرير هذه الجرائم تحت أي ذرائع زائفة، كحرية التعبير وغيرها من العناوين المخادعة، مشددات على أن هذه المزاعم تسقط أمام الجرائم الصهيونية المستمرة بحق الشعب الفلسطيني واعتداءاته على لبنان وسوريا وتهديداته لليمن، في ظل صمت وتواطؤ دولي مخزٍ.
وحمل البيان الولايات المتحدة وبريطانيا والكيان الصهيوني المسؤولية الكاملة عن هذه الإساءات، داعيًا الأمة الإسلامية إلى التحرك والاستنفار، والتعبير عن الغضب والرفض، ومقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية، والاعتصام بحبل الله المتين، والتمسك بالقرآن الكريم باعتباره مصدر العزة والكرامة وسبيل النجاة.
واختُتم البيان بتأكيد أن مشاركة المرأة اليمنية الكثيفة في هذه المسيرات تعكس صلابة الإرادة الشعبية ووحدة الموقف، وتثبت أن المرأة ليست متفرجة على ما يستهدف الأمة ومقدساتها، بل فاعلة وحاضرة في الصفوف الأولى دفاعًا عن القرآن الكريم والهوية الإيمانية.
أبرز الإساءات للنبي محمد ﷺ وللقرآن الكريم
إساءات للنبي محمد ﷺ
1989
▪ صدور رواية الآيات الشيطانية للكاتب سلمان رشدي
2004
▪ عرض فيلم Submission في هولندا
2005 (سبتمبر)
▪ نشر الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة في صحيفة يولاندس بوستن الدنماركية
2006
▪ إعادة نشر الرسوم المسيئة في عدة صحف أوروبية
2008
▪ نشر رسوم مسيئة في السويد
2011
▪ نشر رسوم مسيئة في مجلة Charlie Hebdo الفرنسية
2012 (سبتمبر)
▪ نشر فيلم Innocence of Muslims
2015 (يناير)
▪ إعادة نشر الرسوم المسيئة في Charlie Hebdo
2020 (سبتمبر)
▪ إعادة نشر الرسوم في فرنسا بالتزامن مع محاكمة متورطين سابقين
2023
▪ نشر رسوم وتصريحات مسيئة في منصات إعلامية أوروبية مختلفة
إساءات للقرآن الكريم
2005
▪ تقارير عن إساءة للمصحف في معتقل غوانتانامو
2010
▪ التهديد بحرق القرآن من قبل قس أمريكي (فلوريدا)
2011
▪ حرق نسخ من المصحف في الولايات المتحدة
2017
▪ إحراق المصحف خلال مظاهرات في السويد
2019
▪ تدنيس المصحف في فرنسا خلال احتجاجات
2022
▪ إحراق نسخ من القرآن في السويد
2023 (يناير)
▪ حرق المصحف أمام السفارة التركية في ستوكهولم
2023 (يونيو)
▪ حرق المصحف خلال عيد الأضحى في السويد
2023 (يوليو – أغسطس)
▪ تكرار حوادث حرق المصحف في السويد والدنمارك
2024
▪ محاولات تدنيس المصحف خلال فعاليات عامة في دول أوروبية
بيان المسيرة
البيان الصادر عن مسيرة ميدان السبعين عكس هذا الوعي، إذ أكد أن الإساءة للقرآن الكريم خط أحمر لا يمكن تجاوزه، وأن الشعوب الإسلامية لن تقف موقف المتفرج إزاء تكرار هذه الأفعال الاستفزازية.
وحمل البيان الدول التي تسمح أو تتغاضى عن هذه الإساءات المسؤولية القانونية والأخلاقية والسياسية عن نتائجها، داعيًا إلى تحرك عربي وإسلامي موحد للضغط باتجاه سن قوانين دولية تجرّم الإساءة للأديان والمقدسات. كما شدد على أن هذه الأفعال لن تنال من مكانة القرآن، بل ستزيد المسلمين تمسكًا به ووعيًا بقيمه.
اصطفاف كامل
بالتوازي مع المسيرات الشعبية، شهدت صنعاء وعدد من المحافظات وقفات احتجاجية نظمتها وزارات وهيئات حكومية، من بينها وزارة الإعلام، ووزارة الإدارة والتنمية المحلية، ووزارة الشباب والرياضة، والهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، إضافة إلى وقفات للسلطة القضائية والسلطات المحلية.
كل صمت دولي على هذه الإساءات هو تفويض ضمني بتكراره
كما عبّر علماء اليمن والمؤسسات الدينية عن رفض قاطع للإساءات، محذرين من خطورتها على السلم الاجتماعي العالمي، ومؤكدين أن مواجهة هذه الاستفزازات لا تكون فقط بالغضب، بل أيضًا بنشر الوعي القرآني، وتعزيز ثقافة الحوار، وكشف زيف الخطابات التي تتستر بالحرية لتبرير الكراهية.
ذاكرة احتجاج راسخة
يرى مراقبون أن ما يميز الموقف اليمني هو استمراريته التاريخية؛ فاليمنيون سبق أن خرجوا في مسيرات حاشدة خلال السنوات الماضية، خصوصًا عقب حوادث حرق المصحف الشريف في دول أوروبية، ما يعكس أن القضية ليست طارئة، بل جزء من ذاكرة جمعية تشكّلت حول رفض أي مساس بالمقدسات.
وفي خلفية هذا المشهد، يبرز سؤال مركزي يتردد بقوة في الخطاب اليمني: كيف يمكن لدول تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان أن تسمح بإهانة الأديان، بينما تفرض قوانين صارمة تجرّم أي إساءة تمس قضايا أخرى؟ هذا السؤال لا يُطرح في اليمن بوصفه جدلًا نظريًا، بل كاتهام مباشر لمنظومة دولية تُدار بمعايير انتقائية، تعكس تاريخًا طويلًا من التعصب الديني والاستعلاء الثقافي، بأدوات معاصرة.
لم يكن الموقف اليمني مجرد رد فعل عاطفي، بل رسالة سياسية وأخلاقية واضحة مفادها أن القرآن الكريم ليس نصًا عاديًا في الوعي الإسلامي، بل جوهر الهوية، وأن المساس به هو مساس بكرامة أمة كاملة.
رسالة تقول إن احترام المقدسات يجب أن يكون قاعدة حاكمة للنظام الدولي، لا استثناءً خاضعًا للأهواء السياسية، وإن تجاهل هذا المبدأ لن يؤدي إلا إلى تعميق الفجوة بين الشعوب، وإشعال صراعات لن تُجدي معها كل شعارات الحرية شيئًا.
Comments are closed.