غزة في مواجهة الكارثة الإنسانية وامتحان العدالة الدولية

حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة وصلت إلى مرحلة كارثية غير مسبوقة، في ظل استمرار الغارات الإسرائيلية وما تسببت به من دمار واسع النطاق وخسائر بشرية فادحة. وأكد غوتيريش، في تقرير صادر عن الأمم المتحدة، أن أكثر من 80 في المائة من المباني السكنية والعامة في القطاع إما دُمّرت بالكامل أو تضررت بشكل بالغ، الأمر الذي أدى إلى انهيار شبه كامل للبنية التحتية الأساسية، بما في ذلك المساكن والمنشآت الصحية والتعليمية وشبكات المياه والكهرباء.

وأشار التقرير إلى أن الغارات المتكررة لا تزال تحصد أعدادًا كبيرة من المدنيين، وسط هشاشة شديدة في الوضع الأمني واستمرار أعمال العنف التي تهدد اتفاق وقف إطلاق النار الساري منذ أكتوبر الماضي. ورغم الحديث عن تحسّن نسبي في دخول المواد الغذائية إلى القطاع، شدد غوتيريش على أن هذا التحسن لم ينعكس بشكل ملموس على حياة السكان، إذ لا تزال غالبية العائلات تعاني من نقص حاد في الغذاء، خاصة مصادر البروتين الأساسية التي باتت بعيدة عن متناول معظم المواطنين.

ومع دخول فصل الشتاء، تفاقمت معاناة مئات الآلاف من النازحين الفلسطينيين الذين يعيشون في خيام تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الإنسانية. وأوضح الأمين العام أن ظروف الإيواء الحالية لا توفر الحماية من البرد والأمطار، في وقت يواصل فيه الجيش الإسرائيلي منع إدخال المنازل المتنقلة والمستلزمات الضرورية لتجهيز مراكز الإيواء. وأكد أن هذه الممارسات تزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية، خصوصًا في ظل الازدحام الشديد وانتشار الأمراض ونقص الخدمات الصحية.

وينص اتفاق وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ في أكتوبر الماضي، على إدخال ما يقارب 600 شاحنة مساعدات إنسانية يوميًا إلى قطاع غزة، غير أن الاحتلال الإسرائيلي لم يلتزم بهذا البند، إذ لا يسمح إلا بدخول نحو 200 شاحنة يوميًا كحد أقصى. واعتبر غوتيريش أن هذا الخلل الكبير بين ما هو متفق عليه وما يتم تنفيذه فعليًا يعيق جهود الإغاثة ويقوض قدرة المنظمات الإنسانية على تلبية الاحتياجات المتزايدة للسكان.

مظاهرات

وفي موازاة التحذيرات الأممية، خرجت تحركات شعبية في عدد من العواصم الأوروبية تعبيرًا عن التضامن مع المدنيين في غزة. ففي العاصمة السويدية ستوكهولم، شهدت ساحة أودن بلان مظاهرة شارك فيها مئات الأشخاص بدعوة من منظمات المجتمع المدني، احتجاجًا على استمرار الهجمات الإسرائيلية وانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار. ورفع المتظاهرون لافتات تندد بقتل الأطفال وقصف المدارس والمستشفيات، مطالبين بوقف ما وصفوه بالإبادة الجماعية في غزة، وإنهاء مبيعات الأسلحة السويدية لإسرائيل.

وأكد ناشطون مشاركون في التظاهرة أن هذه الاحتجاجات باتت تُنظم بشكل أسبوعي، في محاولة لإبقاء القضية الفلسطينية حاضرة في الرأي العام الأوروبي، والتأكيد على أن الحرب لم تنتهِ رغم الإعلان عن اتفاق لوقف إطلاق النار. وشددوا على أن استمرار سقوط الضحايا المدنيين يعكس فشل المجتمع الدولي في فرض احترام الاتفاقات وحماية المدنيين.

معايير مزدوجة

وفي سياق أوسع، سلط تقرير نشرته صحيفة “الغارديان” الضوء على أزمة عميقة تواجه النظام الدولي، تتمثل في تفشي ظاهرة الإفلات من العقاب. واعتبر المقال أن إدانة المحكمة الجنائية الدولية لأحد قادة ميليشيا الجنجويد في دارفور تمثل نجاحًا نادرًا، في مقابل عجز مستمر عن محاسبة قادة دول متهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وربط التقرير بين هذا الواقع وما يجري في غزة، حيث تُتهم الحكومة الإسرائيلية بارتكاب انتهاكات جسيمة دون أن تواجه محاسبة دولية فعالة.

 

وأشار التقرير إلى أن غياب العدالة والمساءلة يقوض الثقة في القانون الدولي، ويشجع قادة آخرين على الاستمرار في سياسات العنف دون خوف من العقاب. وحذر من أن استمرار هذا النهج لا يعني فقط إطالة أمد معاناة المدنيين في غزة، بل يهدد النظام الدولي برمته، ويفتح الباب أمام مزيد من الفوضى وانتهاك القوانين الإنسانية.

واختتم التقرير بالتأكيد على أن العدالة الدولية، رغم ضعفها وتناقضاتها، تبقى ضرورة لا غنى عنها لحماية المدنيين ومنع تكرار الجرائم الجماعية. وفي ظل ما يشهده قطاع غزة من دمار ومعاناة إنسانية متواصلة، يصبح السؤال المطروح بإلحاح: هل ينجح المجتمع الدولي في تجاوز سياسة المعايير المزدوجة وفرض المحاسبة، أم ستظل غزة نموذجًا صارخًا لعالم يفشل في حماية الأبرياء وإنصاف الضحايا؟

Comments are closed.

اهم الاخبار