الصراع في حضرموت والمهرة .. تقاسم أدوار يكشف حقيقة مشروع تفتيت اليمن
خالد الصايدي
أكد سياسيون، أن موقف حكومة صنعاء تجاه ما يحدث في حضرموت والمهرة والمحافظات الجنوبية هو موقف وطني ثابت لا يقبل “التفريط ولا بشبر من الأراضي اليمنية”.
وقالوا في أحاديثهم لـ “الوحدة ” أن القيادة الثورية والسياسية تدرك أن هذه التحركات تأتي في سياق محاولات قوى العدوان الهاربة من استحقاقات الهزيمة، وذلك لإعادة ضبط مناطق الثروة والموانئ وإحلال أدوات جديدة محل أخرى فشلت في تنفيذ الأجندة المرسومة إقليميا ودوليا.
احتلال وتفتيت
قال المهندس لطف الجرموزي، عضو مجلس الشورى، “أن التشكيلات العسكرية والسياسية التي برزت مؤخراً في المحافظات اليمنية هي “أدوات وظيفية في أيدي قوى إقليمية” تسعى لفرض واقع جيوسياسي جديد يخدم مصالحها على حساب وحدة اليمن وسيادته”.
مشددا أن على صنعاء النظر إلى هذه التحركات باعتبارها “مشاريع لتفتيت البلاد وإعادة إنتاج الفوضى”، بهدف ضمان استمرار حالة الضعف والارتهان للخارج.
وأوضح الجرموزي، الذي يرأس تكتل الأحزاب السياسية المناهضة للعدوان، في حديثه لـ”الوحدة”، أن الأهداف الرئيسية لقوى العدوان، وتحديداً السعودية والإمارات، هي خدمة مصالحهما الخاصة، مما يؤكد أن هذه الأدوات تعمل لفرض واقع جديد يتقاطع بشكل مباشر مع وحدة اليمن وسيادته الوطنية.

الجرموزي: الوجود السعودي الإماراتي احتلال وتفتيت لليمن
وأشار إلى أن الموقف الرسمي الذي تتبناه صنعاء، يتسم إزاء ما يحدث “بالصلابة والوضوح”، لافتا إلى أن صنعاء ترى الوجود العسكري السعودي والإماراتي في حضرموت والمهرة “احتلالاً صريحاً” لا يستند إلى أي شرعية أو مبرر. مؤكدة باستمرار، على “حقها الطبيعي في تحرير كل الأراضي اليمنية” ورفض أي شكل من أشكال الوصاية الأجنبية.
ووصف الجرموزي، هذا الموقف بأنه مبدئي ويعكس قراءة استراتيجية ترى أن السماح بتجزئة البلاد تحت أي ذريعة هو “بمثابة خيانة وتفريط بالسيادة لا يمكن القبول به”.
تنافس تكتيكي
وفي تحليله لطبيعة الأدوار التي تتقاسمها الرياض وأبو ظبي على الساحة اليمنية، يرى المهندس لطف الجرموزي، أنها “علاقة تنسيق استراتيجي وتنافس تكتيكي”.
فعلى المستوى الاستراتيجي، يؤكد وجود هدف مشترك بين الطرفين يتمثل في منع قيام دولة يمنية موحدة ومستقرة مستقبلاً، حيث يعملان على إدامة الانقسام ودعم كيانات مسلحة موالية لهما.
أما على الأرض، يظهر التنافس على النفوذ بشكل جلي وفق الجرموزي، فـالإمارات تركز جهودها على المناطق الساحلية والموانئ الاستراتيجية، وتدعم تشكيلات مثل “النخبة الحضرمية والمجلس الانتقالي” لتعزيز هيمنتها على الممرات الملاحية الحيوية. في المقابل، تعمل السعودية على إنشاء منطقة نفوذ خاصة بها عبر دعم قوات “درع الوطن”، وشخصيات قبلية وسياسية في وادي حضرموت والمهرة، لضمان الولاء المباشر لهذه المناطق، وربما لكبح جماح النفوذ الإماراتي المتنامي.
مخططات خبيثة
وفي ذات الاتجاه، يؤكد عضو مجلس الشورى، نايف حيدان، أن التوترات الجارية في المحافظات الجنوبية والشرقية من الجمهورية اليمنية هي جزء لا يتجزأ من “مؤامرات ومخططات خبيثة” تستهدف البلاد ككل، مشدداً على أن هذه الأحداث يجب ألا تربط بمطالبات حقوقية أو توجهات انفصالية، فالقضية أكبر وأعمق بكثير.
وأشار حيدان في حديثه لـ”الوحدة” إلى أن القوى الإقليمية، وتحديداً دول الخليج، هي “أداة تسير وتحرك وتدعم توجهات بريطانية أمريكية صهيونية”. وتعمل هذه القوى على تحريك أدوات أصغر وتوظيف معاناة ومطالبات قديمة لتحقيق أجندات خارجية متعددة، تشمل تأزيم القضية اليمنية وإدخال الطرف الوطني في صنعاء في متاهات وتتويه وإضعافه. وأيضا النيل من صنعاء بسبب مواقفها القوية تجاه القضية الفلسطينية ومواجهتها للوجود الأمريكي والبريطاني والصهيوني.

حيدان: مخطط صهيو أمريكي يستهدف اليمن وموقفه المقاوم
ولفت حيدان إلى الوطنية العميقة لأبناء الجنوب، مستذكراً عبارة “الجنوب كنز وطني لم يظهر بعد”، ومؤكداً أن أبناء المناطق الثائرة تاريخياً هم الأكثر وطنية وتمسكاً بالوحدة، مستدلاً بحروب السبعينيات والتنازلات التي قدمت في عام 1990م.
عين على حضرموت
مؤكدا أن موقف حكومة صنعاء الثورية والسياسية تجاه ما يحدث في حضرموت والمهرة والمحافظات الجنوبية هو موقف وطني ثابت لا يقبل “التفريط ولا بشبر من الأراضي اليمنية”.
وشدد على أن ما يجري حالياً هو توجهات ضمن “مخطط استعماري بأدوات جديدة وتحت حجج مطلبية وعدائية للقوى الوطنية”. وأضاف أن “العين الأمريكية على حضرموت وعلى ثرواتها منذ وقت مبكر وحتى منذ ما قبل قيام الوحدة”.
وفي سياق الأحداث الأخيرة، تساءل حيدان حول دلالات زيارة وفد سعودي رفيع لحضرموت مباشرةً دون المرور أو الاستئذان من رئاسة وحكومة الفنادق، ولقائه بالمحافظ والسلطة المحلية وسط اشتعال الأحداث.
واعتبر أن هذا التصرف السعودي لا يمثل “شجاعة سعودية ومغامرة” بل هو “ثقة ومعرفة مسبقة وتوجيه وأن الأمر بأيديهم لا بأيدي هؤلاء أدوات الأدوات”.
واختتم حيدان حديثه بالتأكيد على أن هذا التخطي الواضح للبروتوكولات يكشف مدى العار والخزي الذي لحق بحكومة الفنادق، مشدداً على أن “الحديث عن خلاف وصراع سعودي إماراتي ما هو إلا لذر الرماد على العيون، فكل ما يحدث متفق عليه وخطط مبرمجة وموجهة من أسيادهم الكبار”.
تقسيم للثروة والنفوذ
أكد الكاتب والمحلل السياسي سند راجح ، أن التحركات الأخيرة في محافظتي حضرموت والمهرة، بما في ذلك التوترات القبلية والمحاولات الانفصالية، المتعلقة بالمليشيات، ليست صراعات عشوائية بل هي جزء من “فوضى مُدارة” تهدف إلى إعادة إنتاج واقع جديد يقطع هاتين المحافظتين عن الجسد الوطني.
وأشار راجح في حديثه لـ “الوحدة” إلى أن الهدف الأساسي من هذه الفوضى هو “تسهيل السيطرة الخارجية المباشرة على ثرواتها المتمثلة بالنفط، الغاز، الموقع الجيوسراتيجي، والممرات البحرية”.
لافتا إلى وجود “مخطط خارجي تُرسم ملامحه في أبو ظبي والرياض وواشنطن”، يسعى إلى إعادة هندسة الخريطة السياسية والجيوستراتيجية للمنطقة. وبحكم حدودهما الطويلة مع السعودية وعُمان وإطلالتهما على بحر العرب، أصبحت حضرموت والمهرة “ساحة للتنافس والنفوذ، وهدفاً لمشاريع التقسيم التي تمس الوحدة اليمنية والسيادة الوطنية”.
ونوه راجح بأن القيادة الثورية والسياسية تدرك أن هذه التحركات تأتي في سياق محاولات قوى العدوان الهاربة من استحقاقات الهزيمة، وذلك لإعادة ضبط مناطق الثروة والموانئ وإحلال أدوات جديدة محل أخرى فشلت في تنفيذ الأجندة المرسومة.
تقاسم أدوار
وعن الرواية الإعلامية التي تروج لوجود صراع وتنافس بين السعودية والإمارات في الجنوب، أكد راجح أن القراءة الواقعية للمشهد، خاصة في المحافظات الشرقية ، تكشف عن نموذج أكثر تعقيداً يمكن وصفه بـ”التنسيق ضمن تقاسم أدوار” لتحقيق أهداف استراتيجية مشتركة، وإن بأساليب وتفاصيل مختلفة.

سند: “فوضى مُدارة” تُعيد هندسة خريطة اليمن الاستراتيجية
واصفاً طبيعة الدور الإماراتي بأنه “دور استعماري مباشر” يتمثل في السيطرة العسكرية والأمنية المباشرة من خلال:
القواعد العسكرية: (مثل العند، الشحر، جزيرة سقطرى).
الميليشيات: التي تدربها وتمولها وتقودها فعلياً (مثل ألوية الحزام الأمني، والقوات الخاصة بمختلف مسمياتها، وميليشيات طارق عفاش).
هيمنة أمنية – سياسية
في المقابل، يرى راجح أن الدور السعودي هو “دور هيمني أمني-سياسي” يركز على حماية العمق الجنوبي للمملكة. فالسعودية تعتبر محافظتي حضرموت والمهرة، خاصة المناطق الحدودية الطويلة، عمقاً أمنياً واستراتيجياً لها، ولذا:
تحرص على ألا تخرج هاتان المحافظتان عن نطاق نفوذها.
ترفض أن تتحول هذه المناطق إلى نفوذ إماراتي خالص، بل تستخدمها “كواجهة لمشروعيتها” وثقل مضاد للنفوذ الإماراتي المباشر.
وأشار راجح إلى أن السعودية تفضل كل ما يضمن سيطرتها الأمنية دون تمزيق كامل للدولة، لأن “الدولة المفككة تشكل خطراً ديموغرافياً وأمنياً عليها على المدى الطويل”.
صراع إقليمي- دولي
يرى المحلل والكاتب السياسي الدكتور نبيل الدرويش، أن على الحكومة الوطنية في صنعاء، أن تتعامل مع التطورات الأخيرة في المناطق اليمنية الخاضعة للنفوذ الخارجي بقراءة متعددة المستويات، محذرًا من خطورة النظر إليها كصراعات محلية عابرة.
وشدد الدرويش في تصريح خاص لـ”الوحدة” على ضرورة ألا يُنظر إلى ما يحدث على أنه “مجرد صراعات مصالح بين الأطراف المحلية التي هي في الأساس أدوات للعدوان الخارجي على البلد منذ مارس 2015 وحتى اليوم”، بل يجب التعامل معه كامتداد “لصراع إقليمي ودولي على النفوذ في المناطق اليمنية الاستراتيجية”.
موضحا أن الصراع المفتعل بين السعودية والإمارات، الذي يبدو ظاهرياً كـ”حرب بالوكالة بينهما على الأراضي اليمنية”، يخفي باطناً يؤكد وجود “صفقة قذرة بين الدولتين لتقاسم النفوذ من خلال أدواتهما المحلية”. وأكد أن هذه الصفقة تخدم القوى الغربية الحليفة للكيان الإسرائيلي، والتي تسعى لـ “إيجاد نفوذ لهذا التحالف في منطقة البحر العربي والمحيط الهندي”.
السيادة والموارد
من زاوية اقتصادية، دعا الدرويش حكومة صنعاء إلى إدراك أن الصراع في حضرموت والمهرة يشمل الصراع على الموارد والمنافذ البحرية. فـ”حضرموت خزان الطاقة اليمني، فيما تمثل المهرة بوابة اليمن الشرقية على بحر العرب والمحيط الهندي”، مشيراً إلى أن خسارة أي منهما تعني “خسارة سيادة اقتصادية كبرى”.
على المستوى الأمني، لفت الدرويش إلى أن التطورات على الميدان تعكس “فراغًا أمنيًا متعمدًا”، ناتجاً عن سحب قوات إماراتية من مواقع لتحل محلها قوات موالية للسعودية أو العكس. وذكر أن هذا التكتيك يخلق حالة من “عدم الاستقرار والفوضى الدائمة التي تهدد بدورها خطوط التماس، بل وقد تستهدف زعزعة الأمن في المناطق الحرة”.
بدائل عاجلة
وفي ما يتعلق بالبدائل الاستراتيجية المتاحة أمام حكومة صنعاء، طرح الدرويش بديلين رئيسيين هما: “الدبلوماسية الهجومية” والتعبئة الداخلية والتحالفات الإقليمية.
أما البديل الأول “الدبلوماسية الهجومية” كبديل عاجل يرى أنه يجب من خلاله إنشاء مجلس أزمة خاص بحضرموت والمهرة برئاسة القائم بأعمال رئيس الوزراء، ويضم ممثلين عن القبائل والشخصيات الوطنية في المحافظتين المتواجدين في المناطق الحرة. بالإضافة إلى العمل على تنفيذ خطة اتصال مكثفة مع القوى المحلية والزعامات الوطنية داخل المحافظتين المناهضين للتواجد الأجنبي، والتشاور معها حول التدابير اللازمة لإنهاء التواجد والنفوذ الأجنبي على الأقل في هاتين المحافظتين كمرحلة أولى”.
“أما البديل الثاني يتمثل في التعبئة الداخلية وحشد القوى الوطنية المناهضة للوجود الأجنبي في كل ارجاء الوطن لإنهاء هذا التواجد بالتوازي مع بناء تحالفات إقليمية مع دول تشارك اليمن مخاوفها من الهيمنة الإقليمية مثل عُمان والصومال.

د. الدرويش: ما يحدث في حضرموت صراع على النفوذ والثروة
أما عن المخططات وراء افتعال هذه الأحداث يؤكد الدرويش، أن ” الدلائل على وجود هذا المخطط كثيرة ومنها الأدلة الجغرافية-الاقتصادي، حيث “نجد أن الموانئ التي تخضع لسيطرة إماراتية في حضرموت (الشحر) والسعودية في المهرة (نشطون) تشكل مثلثاً استراتيجياً مع ميناء عدن وميناء جبل علي الإماراتي، مما يخلق شبكة تحكم في طرق التجارة.
وثانيها الأدلة العسكرية-الأمنية، وتتجلى من خلال التقسيم الواضح للمهام: فالسعودية تركز على الموارد النفطية، والإمارات تركز على الموانئ والبنية التحتية. هذا التقسيم يشير إلى تنسيق مسبق رغم التنافس الظاهر”
ويتابع: هناك أيضا الأدلة السياسية، والتي تبرز من خلال صناعة كيانات موازية (المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن، والنخبة الحضرمية في المكلا، والمجالس المحلية في المهرة) جميعها تشترك في سمة واحدة: الولاء الخارجي وليس الوطني.
Comments are closed.