أكاديمي يمني يوجه دعوة مهمة بشأن وحدة الموقف الوطني

نجيب علي العصار

أكد الأكاديمي والسياسي الدكتور سامي أمين عطاِ، أن الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967، يعد الحدث الأبرز في التاريخ اليمني بل والعربي، الذي شكّل نقطة تحوّل مفصلية في مسار التحرر من الاستعمار البريطاني، معتبرا أن ذكرى الاستقلال ليست لحظة سياسية فقط، بل مشروع حضاري يحتاج إلى استمرار الوعي بقيم الحرية والعدالة وبناء الدولة.

جاء ذلك، خلال محاضرة فكرية نظّمها مركز آفاق اليمن للأبحاث والدراسات بصنعاء، محاضرة عنوانها” عدن وذكرى الاستقلال الوطني الـ 58″، تزامنا مع ذكرى الاستقلال الوطني ورحيل آخر جندي بريطاني من جنوب اليمن في الـ 30 من نوفمبر 1967م، استضاف فيها الدكتور سامي أمين عطا الأستاذ المساعد بجامعة عدن.

استهل الدكتور عطا محاضرته باستحضار مقولتين شهيرتين؛ الأولى لكارل ماركس حول تكرار الأحداث التاريخية مرتين “الأولى كمأساة والثانية كمهزلة”، والثانية لجورج سانتايانا “من لا يعرف تاريخه محكوم بتكراره”.

وانطلاقاً من هذه الرؤية، يجزم عطا أن “واقع الجنوب اليوم بوصفه ساحة لإعادة إنتاج مشاريع الماضي، لكن بصورة مشوّهة وفاقدة لروح التحرر والاستقلال الوطني.

ويرى الدكتور عطا الحاصل على الدكتوراه في فلسفة العلم في العام 2009، أن دراسة التاريخ ليست ترفاً، بل ضرورة لفهم ما يحدث اليوم. فالمأساة في التاريخ – كما يقول – تمثل الحدث الأصلي الجاد الملحمي، الثوري، الذي دفع الشعب ثمنه غالياً، بينما المهزلة ليست سوى محاكاة باهتة للحدث نفسه، تفتقد معناه وروحه، في إشارة لعودة شخصيات ورموز الماضي، ولكن في شكل كاريكاتوري يفتقر لروح المأساة الأصيلة وجديتها.

إعادة إنتاج الماضي

وفي هذا السياق، طرح تساؤلاً محورياً مهماً: هل نعيش اليوم نسخة جديدة من مأساة الاستعمار البريطاني، أم هي تكرار للمأساة الملحمية لثورة أكتوبر ونضال الاستقلال، أم هي أيضا مهزلة لمشاريع استعمارية كانت قد دفنت إلى الأبد؟

كما استعرض عطا في محاضرته “عدن وذكرى الاستقلال الوطني الـ 58″، المرحلة الاستعمارية باعتبارها “المأساة” الحقيقية، موضحا أن المشروع الاستعماري لبريطانيا خلال فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي في مدينة عدن، ارتكز على مشروعين هما، مشروع اتحاد الجنوب العربي رأى فيه محاولة صريحة لتفكيك الهوية اليمنية، وأشار إلى أن هذا المشروع، واجهتها ثورة 14 أكتوبر بتضحيات جسيمة وشهداء، باعتباره تهديداً وجودياً لمستقبل الجنوب.

أما شعار “عدن للعدنيين” فاعتبره عطا، مأساة اجتماعية كرّست الانقسام الطبقي والجغرافي، وظل أداة استعمارية لبريطانيا في عدن لضبط المشهد وفق قاعدة “فرّق تسُد”.

عطا الذي يعمل حاليا مستشارا لمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية اليمني، قال: “المناضل والمفكر اليساري عبدالله عبدالرزاق باذيب، أسهم إلى حدٍ كبير في إبطال رهانات الاستعمار، بإفشال مشاريع بريطانيا الاستعمارية “عدن للعدنيين، واتحاد الجنوب العربي”، في سلخ الجنوب عن هويته اليمنية.

مبينا أن بريطانيا من وراء إقامة الاتحاد هدفت إلى الإبقاء على وجودها في الجنوب اليمني وفي عدن على وجه خاص، ولمواجهة الأعباء والالتزامات العسكرية التي تواجه بريطانيا على الصعيد الدولي، خصوصاً بعد خروجها من مصر والعراق وغيرها من البلدان.

كما أنها كانت تسعى من خلال مشاريعها الاستعمارية إلى مواجهة الحركة الوطنية التحررية المناوئة للاستعمار ومحاصرتها وذلك بتوحيد السلاطين وممثلي الإقطاع والرجعية الموالين لها في سلطة سياسية ائتلافية موحدة.

وأضاف: “باذيب تفرَّد عن سائر رفاقه وأقرانه بوضوح الرؤية، وبالموقف النّاضج والمُتقدِّم زمنيّاً ونوعيّاً فكان بحق المفكّر الذي حمل القضية الوطنيّة وتطلّعات الشعب ووقف مدافعا أمام المحاولات البريطاني لطمس الهوية اليمنية “يمننة الجنوب” وسعى في سبيل ذلك إلى تقديم الرؤى بأُفُق سياسي رحب ووضوح نظري وتماسك منهجي.

ولفت الباحث السياسي عطا، إلى أن ما يحدث في المحافظات الجنوبية اليوم أحد تجليات سياسات قوى الهيمنة الدولية، وأن الصراع الدائر اليوم صراع إرادات بين فريقين، فريق يسعى إلى إعادة تصحيح المسار وفك التبعية عن قوى الهيمنة وتحقيق استقلال حقيقي، وفريق متواطئ يقاتل بهدف بقاء مشروع التبعية والارتهان واستمراره.

وأشار إلى أن المهزلة الحالية في المرحلة الراهنة في المحافظات الجنوبية هو إعادة إنتاج الماضي بصورة مشوهة، وليس فقط تكراراً للمأساة بل مهزلة سياسية تعيد إنتاج مشاريع الماضي دون مضمون أو روح وطنية.

ما بين الأمس واليوم

وتحدث عطا عن النسخة الاستعمارية ما بين الأمس واليوم، مبينا أنها كانت مشروعاً متكاملاً تديره قوة عظمى في إشارة إلى بريطانيا، بينما النسخة المعاصرة –كما يقول– ليست سوى شعارات تستند إلى دعم خارجي متذبذب، بلا مشروع دولة ولا سيادة حقيقية.

 واستدرك بالقول: “النسخة الأصلية (مأساة): مشروع استعماري بآلة عسكرية وإدارية كاملة، مدعوم من إمبراطورية عظمى بريطانيا).

  أما النسخة الحالية (مهزلة): شعارات يرفعها سياسيون يعتمدون على دعم إقليمي متقلب، دون مشروع دولة حقيقي، وفي خضم صراعات داخلية لا حصر لها. إنه “اتحاد” بلا مضمون، و”استقلال” بلا سيادة حقيقية.

ويُذكر عطا أن المأساة اليوم أشبه بالمهزلة، إذ تحولت المشاريع من تحرر وطني إلى أدوات لخدمة مصالح فئوية ضيقة، فيما قادة الأمس كانوا يحملون رؤية نضالية، بينما الكثير من قادة اليوم –حسب وصفه– مجرد “نسخ مقلدة تافهة” بلا شرعية ولا مشروع، لافتا إلى أن ما يجري اليوم ليس سوى ارتهان للخارج، لعبة بالوكالة، أكثر ضبابية وأقل مصداقية، حد تعبيره.

مشروع وطني جامع

واختتم الدكتور عطا محاضرته بالتأكيد على أن ذكرى الاستقلال يجب أن تكون مناسبة لرفض إعادة إنتاج مشاريع الماضي، سواء بصيغتها الاستعمارية أو بصيغتها المناطقية المعاصرة.

داعيا إلى مشروع وطني جامع يتجاوز إرث الماضي كاملاً، ويؤسس لدولة سيادتها حقيقية وقرارها مستقل، دولة تعترف بالجميع وتستلهم الروح الوطنية الأصيلة التي صنعت استقلال الأمس. محذّرًا من تكرار التاريخ في نسخته المهزلة ما لم يستوعب اليمنيون دروس المأساة الأولى.

وطالب السياسيين وصناع القرار والقائمين على مراكز أبحاث ودراسات، إلى بلورة رؤى ومقترحات لصياغة مشروع وطني جامع يسهم في بناء مستقبل واعد لليمنيين يرفض التبعية والوصاية.

مشدداً على أهمية تعزيز الوعي الوطني في الأوساط الأكاديمية والشبابية، والاهتمام بتوثيق ذاكرة اليمن التاريخية بما يضمن حفظ إرثها للأجيال القادمة، مؤكدًا أن إحياء ذكرى الاستقلال ليس مجرد مناسبة احتفالية بل فرصة للتأمل في مسار الدولة وتحديات الحاضر والمستقبل.

 

 

 

Comments are closed.

اهم الاخبار