عاصم السادة: الطب في بلادنا ليس على ما يرام، لماذا؟
لأن المجتمع ينظر إليه من زاوية “جني المال” والتفاخر أمام الأخرين بأن لدينا “دكتور في البيت”، وأن التعليم الطبي والصحي صار “بفلوس” وليس قائم على الجودة المعيارية والكفاءة!
ولعل انتشار الكليات الطبية والصحية بهذا الشكل الكثيف، لأمر مخيف ومهدد لحياة السواد الأعظم من الشعب، حيث يتجلى ذلك في ضعف مخرجاتها التي تنكشف في أول اختبار لها عند ممارسة دور “ملائكة الرحمة” بعدم قدرتها على تركيب كانيولا أو “فراشة” على معصم المريض الذي يتألم من الوخز المتكرر في ظهرانية يده للبحث عن وريد رغم بروزها ككابلات الكهرباء، غير أن المحاولات تبوء بالفشل، فينسى المريض سقمه الذي أتى للتداوي منه، ويبدأ التوجع من وخزات “الدكتور” لالتقاط عرق وريدي لإيصال الشرنقة بأنبوب المغذية!
والمشكلة أن هذا “الدكتور” الذي ينظر للأشعة المقطعية أو الرنينية تجده يحملق إليها والحيرة ظاهرة في عينيه وتعتري مخيلته ريبة عن تشخيص الحالة المرضية، فيرتجل بتشخيص لا علاقة له لما في باطن الأشعة، وينصرف نحو كتابة الوصفة الطبية ويملئها “شخبطات” لا يقدر أكبر علماء الطب في العالم تفكيك رموزها، عدا الصيدلي الذي وعد الدكتور بنسبة معينة على كل مريض يتم تحويله إليه.
وفوق كل ذلك، لا يتحدث إليك إلا من “رأس أنفه” وكأنه يقدم خدمة مجانية لك، وإذا سألته أكثر من سؤال بالكاد يجيب عليك بكلمات محددة ومبهمة، وأحيانا فلسفية ومصطلحات طبية بهدف تتويه المريض وعدم افهامه ما الذي يعاني منه.
وثمة أطباء لا تستطيع الوصول اليهم إلا بعد المرور بمراحل متعددة، فيخصص له طاقم أطباء مساعدين مبرمجين على نسق معين في التعامل مع معظم المرضى، ومهامهم الاستماع لحالاتهم المرضية واحالتهم للمختبرات والاشاعات، ومن ثم العودة مجددا اليهم لتدوين التشخيص واسماعك نتائجها، وبعد ذلك يحيلك للدكتور المراد، فتسمع منه تشخيص مغاير للدكتور المساعد، فتصاب بحالة من الإرباك والتشوش، ويرصد لك أدوية “مليان الكيس” ويقرر لك عودة بعد مدة معينة، فتعود لذات الروتين السابق، وهكذا ارهاق لكاهل المريض دون أي جدوى أو تحسن في حالته، الأمر الذي يصل بأهل المريض إلى قناعة الاتجاه للعلاج خارج البلاد، وهناك تكون الصدمة من الواقع الطبي الهش في بلادنا وأن كل ما أجريته وخضعت له من تشخيص وعلاج كان خطأ بالمجمل؛ ونادراً ما يصادف تطابق تشخيص أطبائنا مع أطباء الخارج، هؤلاء الدكاترة في الداخل قلة معدودة بأصابع اليد بمهاراتهم الطبية والتشخيصية والعلاجية، ومشهود لهم وغالباً نجدهم تلقوا تعليمهم في الخارج!
نحن في واقع طبي يستدعي التوقف أمامه بكل جدية لمعالجة هذا القطاع الغارق بالأسقام والعلل، التي نتائجها أخطاء طبية كارثية ترتكب بحق المرضى وتعزى للقضاء والقدر، ولا اعتراض على أمر الله.
طبعا، أتحدث هنا عن أولئك الذين درسوا الطب بدافع التمظهر والكسب المادي، (وتركيب لوحة بانر عريضة بمحاذاة الشارع وعلى المباني، ومنشورات دعائية توزع على ابواب المساجد، وفي وسائل التواصل الاجتماعي)، وليس رغبة بتقديم خدمة إنسانية جليلة لها مكانتها العظيمة في انقاذ أرواح البشر وتطبيب جراحهم وآلامهم بكل أمانة واخلاص.
لن أتحدث عن دور الجهات الرسمية الرقابي لأداء مخرجات هكذا تعليم طبي وصحي، لأنها بحاجة إلى رقابة بحد ذاتها!
Comments are closed.