فرح الروضي: حضرموت بين تعقيدات المشهد ومسؤولية القرار الوطني
ما تشهده حضرموت في هذه المرحلة الحسّاسة لا يمكن قراءته بوصفه حدثا معزولا عن السّياق العام للأزمة اليمنية، بل هو امتداد لمسار طويل من التّدخلات الخارجية، وتراكم الاختلالات في بنية القرار السياسي والأمني. فالمحافظة التي تمثل عمقا اقتصاديا واستراتيجيا لليمن، تجد نفسها اليوم أمام مشهد معقّد يتداخل فيه المحلي بالإقليمي والدولي، على نحو يفرض كثيرا من الأسئلة حول مستقبل الاستقرار فيها.
القوة المتقدمة نحو حضرموت تُقدّم في الخطاب الرسمي بوصفها قوة محلية تعمل على حفظ الأمن، غير أنّ الوقائع على الأرض تُظهر – في نظر كثيرين – ارتباط هذه التحركات بأجندات خارجية تتجاوز حدود المصلحة الوطنية. وهو ما يُثير المخاوف من تحوّل المشهد الأمني إلى ساحة جديدة لتصفية الحسابات الإقليمية، بعيدا عن احتياجات المواطنين الفعلية للأمن والاستقرار.
في المقابل، تبدو بعض القيادات المحلية عاجزة عن القيام بدورها الكامل في حماية المحافظة وصون قرارها، في ظل اعتماد متزايد على قوى خارجية لفرض معادلات السيطرة. هذا الواقع يضع علامات استفهام جدّية حول مفهوم السيادة، وحدود التفويض الممنوح لتلك القوى، ومدى انسجام ذلك مع تطلعات أبناء حضرموت في إدارة شؤونهم بأنفسهم.
ويُضاف إلى ذلك ما يرافق المشهد من هواجس اقتصادية متصاعدة، في ظل الحديث عن إدارة الموارد بعقلية الغلبة والنفوذ، واستمرار تدهور بعض الخدمات الأساسية، وهو ما يُضاعف من حجم القلق الشعبي المشروع إزاء مستقبل المحافظة ومعيشتها واقتصادها.
إنّ ما يجري في حضرموت اليوم يتجاوز حدود الخلافات الأمنية المؤقتة، ليصل إلى صلب معركة الحفاظ على القرار الوطني المستقل، وصون السيادة، ومنع تحويل المحافظات اليمنية إلى ساحات نفوذ متنازع عليها. وهي معركة لا يمكن حسمها بالقوة وحدها، بل بتعزيز التوافق الداخلي، وإعلاء صوت المصلحة العامة، وتحييد المحافظة عن صراعات المحاور الإقليمية والدولية.
حضرموت اليوم بحاجة إلى مقاربة وطنية جامعة، تُقدّم مصلحة أبنائها على حساب أي اعتبارات خارجية، وتعيد الاعتبار لمفهوم الدولة وحضورها العادل، وتفتح الطريق أمام معالجة متوازنة تحفظ الأمن والكرامة والسيادة في آن واحد.
Comments are closed.