البحر الأحمر بين مشروع الهيمنة بالوكالة والردع اليمني .. قراءة تحليلية للباحث أنس القاضي

يشهد البحر الأحمر اليوم واحدة من أكثر لحظات إعادة التشكّل الجيوسياسي تعقيداً منذ نهاية الحرب الباردة بتحوّله إلى ساحة صراع دولي تتقاطع فيها مشاريع الهيمنة الغربية وصعود التعددية القطبية، وتنافس القوى الإقليمية على النفوذ المائي.

وعلى عكس التحليلات التقليدية، تتجاوز هذه الدراسة التحليلية الهامة السرديات الظرفية والحديث العام حول الأبعاد المتشابكة للصراع، لتقدّم تحليلاً مكثفاً يرصد ويقرأ ويفكك بدقّة معالم وتفاصيل خارطة الأحداث والتحركات والمؤامرات الغربية وفي مقدمتها بريطانيا والولايات المتحدة وأدواتهما الإقليمية والمحلية، خلال الفترة سبتمبر – نوفمبر 2025م، لفرض الهيمنة على البحر الأحمر، من مرحلة إعداد البنية التحتية للسيطرة إلى مرحلة التنفيذ العملي، بتوظيف الأدوات المتعددة، والعسكرة المباشرة، وبناء شبكات من العملاء المحليين، ومحاولة استغلال ” مشروعية القانون الدولي”، وتوجيه الحرب الإعلامية، في مقاربة مركّبة ومعقدة للهيمنة.

هذه التطورات المتسارعة العلنية والمستترة، التي تهدد الوطن اليمني عموماً ولا تستهدف “طرف يمني ضد آخر”، تجعل من الملحّ والضروري بناء استراتيجية وطنية متكاملة للتعامل مع هذا التهديد، وألا تقتصر المقاربة اليمنية على الردع العسكري فقط، بل يجب أن تتوسع لتشمل أدوات دبلوماسية وقانونية وإعلامية متزامنة، والاستفادة من التناقضات الدولية كإفشال الموقف الروسي والصيني في مجلس الأمن محاولة تمرير أكبر مشروع عقوبات بحرية، لتعزيز الموقف التفاوضي ومنع أي محاولة لفرض وصاية دولية على الممرات البحرية، والحذر من فخ السلام مقابل الأمن، ومراقبة الهيمنة بالوكالة عن كثب، وفضح دور الوكلاء المحليين المنفذين للأجندات الخارجية، والعمل على تفكيك هذه الشبكات سياسياً وإعلامياً.

كذلك، رفع الوعي بمفهوم السيادة البحرية، فالصراع اليوم لم يعد مجرد مواجهة عسكرية، بل هو معركة سرديات سياسية -إعلامية بالدرجة الأولى، للحفاظ على سيادة اليمن ومستقبل أجياله، بل وبناء الاستقرار في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن، وتفنيد السرديات التي تروج لها القوى الغربية ووكلاءها المحليين والتي تهدف إلى تصوير اليمن كمصدر تهديد لجيرانه وللملاحة الدولية، وتقديم الرواية اليمنية القائمة على حق الدفاع عن السيادة والأمن الجماعي.

وتبقى الرسالة الأهم وهي، أن الحفاظ على معادلة الردع التي تحمي سيادة اليمن يعتمد بشكل كبير على التماسك الداخلي ودعم القيادة السياسية والعسكرية، فالوعي الشعبي بهذه الحقائق يشكل خط دفاع أساسياً ضد محاولات الاختراق الخارجي.

Comments are closed.

اهم الاخبار