عهد المحمودي : رحلة إلى أعماق الذات
قال تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}.
حين نخطو خطواتنا الأولى نحو الحياة، نحمل في داخلنا أحلامًا صغيرة تلمع أمام أعيننا كنجوم بعيدة نمد أيدينا نحوها بثقة الأطفال، معتقدين أن الطريق إليها سيكون مستقيمًا وسهلًا، لكن سرعان ما ندرك أن الواقع أكثر تعقيدًا، وأن الرحلة الكبرى ليست في الوصول، بل في الاكتشاف.
على درب الحياة، يمر كل واحد منا بتجربة تختلف عن الآخر، لكنها تتقاطع جميعها في نقطة واحدة: البحث عن الذات
يقف الإنسان في لحظة ما أمام تساؤلات عميقة عن المستقبل، عن الطريق الذي يسير فيه، وعن المسافة الفاصلة بين ما يريد تحقيقه وبين ما يفرضه عليه الواقع، يظن البعض أن الطريق يجب أن يكون واضحًا وممهدًا، لكنه في الحقيقة مليء بالمنعطفات التي تكشف لنا ما لم نكن نراه في أنفسنا.
وفي خضم هذه الرحلة، يبدأ الإنسان (امرأة كان أو رجلًا)في اكتشاف جوانب خفية في شخصيته لم ينتبه إليها من قبل ،يكتشف القوة التي تساعده على الاستمرار رغم الصعاب، ويجد الشغف الذي كان مختبئًا خلف مخاوف كثيرة وفي لحظات الضعف، وفي القرارات التي قد تكون مؤلمة ولكن ضرورية لنتعلم شيئًا جديدًا عن أنفسنا.
كل خطوة نقطعها، وكل منعطف نعبره، يضيف صفحة جديدة إلى حكايتنا الخاصة ،نتعلم أن قيمة الإنسان لا تُقاس بالإنجاز السريع، بل بالصبر والقدرة على النهوض بعد العثرات ونفهم تدريجيًا أن السعادة ليست محطة أخيرة بقدر ما هي إحساس يتشكل من الرضا عن تفاصيل حياتنا الصغيرة، تلك التفاصيل التي قد لا يلاحظها الآخرون لكنها تشكل جوهر رحلتنا
من الحلم إلى الإنجاز….
آية كانت تحلم بأن تصبح جرّاحة مخ وأعصاب، لكن الواقع لم يُمهّد لها الطريق بدلاً من ذلك، درست “فني عمليات”، ثم وجدت طريقها في تعليم وإخراج أجيال من الطلاب الذين أصبحوا يمتلكون شغفها بالطب، مؤكدّة أن الحلم قد يتغير شكله لكنه لا يفقد جوهره.
محمد الشاب في أواخر العشرينات، حلم بالدخول إلى الجامعة، لكن الظروف منعت ذلك لم يستسلم، فتعلم اللغة الإنجليزية بمفرده حتى أصبح مرجعًا لأصدقائه وناجحًا في مجاله، مثبتًا أن النجاح لا يحدده مكان الدراسة بل الإرادة والمعرفة المستمرة.
هذه القصص ليست استثناءً، بل هي صورة الإنسان أينما كان ما بين آية ومحمد تتكرر حكاية واحدة: حلمٌ يتعثر… وذاتٌ تقاوم كي تُكمِل الطريق.
الحياة لا تمنح الجميع فرصًا متساوية، ولا تنفتح طرقها بالعدل الذي نتمناه لكن ما يميّز إنسانًا عن آخر ليس ما حصل عليه، بل ما فعله بما لم يحصل عليه.
لذا لا تبحث عن الطريق بل اصنعه ، فالحياة لا تُقدّم الطرق جاهزة، ولا تعِد أحدًا بالعدالة لكنها تمنح كل إنسان شيئًا واحدًا: فرصة أن يقرر كيف ينهض بعد السقوط.
Comments are closed.