سالم عوض العولقي : غزة تُسقط معادلات الهيمنة
ها هي المعركة تُطوى صفحاتها، لتُختتم وفق شروط المقاومة، وبالطريقة التي أرادها المجاهدون والأحرار في غزة وفلسطين، بعد عامين من الصمود الأسطوري والتحدي غير المسبوق. عامان قدّمت فيهما غزة نموذجًا فريدًا في القوة والثبات والاستبسال، قدّمت فيها الدماء الزكية، والتضحيات العظيمة، وبذل فيها الفلسطينيون كل مقومات حياتهم ليحافظوا على شرفهم وكرامتهم وحرية أرضهم، فلم يساوموا على حقوقهم، ولم يخضعوا لإملاءات العالم، بل فرضوا معادلتهم من موقع القوة.
عامان حشدت فيهما قوى الاستكبار والصهيونية طاقاتها العسكرية والسياسية والإعلامية في محاولة لإبادة هذا الشعب الصامد، وإنهاء مقاومته، وسلبه كرامته. إلا أن كل تلك الجهود فشلت، وبقيت غزة شامخة، تُسقط رهانات العدو وتُربك حساباته. انتصرت غزة رغم خذلان القريب، وخيانة حكّام التطبيع، ومهادنة سلطة أوسلو، وتواطؤ الغرب. انتصرت رغم استشهاد قادتها، وسقوط آلاف الأبرياء من أبنائها، ودمار عمرانها وجمالها، لكنها صمدت وبقيت دماء الشهداء سداً منيعاً أمام المشروع الصهيوني، تغسل عار أمةٍ اكتفت بالمشاهدة واللوم، إلا من رحم ربي.
إن ما تحقق اليوم ليس مجرد اتفاق لوقف النار، بل هو نصر سياسي وعسكري ومعنوي للمقاومة الفلسطينية التي فرضت شروطها من موقع العزة، لا من موقع الضعف، وأجبرت العالم على الاعتراف بإرادتها الحرة، وبأنها الرقم الأصعب في معادلة المنطقة.
نبارك لأهلنا في غزة هذا النصر الذي سُطّر بدماء القادة وتضحيات الشعب، وبصبر الثكالى والجرحى والأرامل والأيتام، وبسواعد المقاومين الأبطال الذين حملوا لواء الأمة في وجه الطغيان.
ونوجّه التحية لكل شريحة من شرائح المجتمع الفلسطيني: للآباء والأمهات، للشباب والنساء، للأطباء والمسعفين، للمجاهدين والمقاومين… لكل من وقف في وجه العدوان بصبر وعزيمة. لقد صنعتم مجداً يليق بكم وبقضيتكم.
كما نخصّ بالشكر والتقدير كل أحرار العالم من أقصاه إلى أقصاه، بمختلف ألسنتهم وألوانهم وانتماءاتهم، الذين وقفوا إلى جانب غزة وقضيتها العادلة، وسجّلوا مواقف إنسانية وأخلاقية مشرفة في وجه آلة البطش الصهيونية. ونوجّه تحية الوفاء لأهلنا في اليمن ولبنان وكل الدول التي قدّمت من خيرة أبنائها دعماً للمقاومة، وساندت هذا الشعب في معركته المصيرية.
إن هذا النصر يُشكّل محطة مفصلية في مسار الصراع العربي–الصهيوني، ورسالة واضحة بأن إرادة الشعوب لا تُهزم، وأن المقاومة قادرة على فرض معادلات جديدة مهما تكالبت قوى الباطل.
نسأل الله أن يُتوج هذا النصر بالتحرير الكامل، وعودة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، وأن يكتب لأهلنا في غزة وفلسطين النصر والتمكين والحرية.
Comments are closed.