“مؤتمر الأمن البحري”.. حماية الملاحة أم فك الحصار عن إسرائيل؟
نجيب علي العصار
أثار الإعلان عن إطلاق شراكة استراتيجية دولية في الرياض يوم (16 سبتمبر)، تحت مسمى مؤتمر الأمن البحري في اليمن، بمشاركة 40 دولة ومنظمة دولية، وبرعاية مشتركة من المملكة وبريطانيا، تساؤلات عدة منها ، ما الجدوى الآن من هذه الشراكة بعد أن فشلت أمريكا في تحالف سبق وأن أسسته من قوة حماية بحرية متعددة الجنسيات لدعم الملاحة في البحر الأحمر تحت اسم “حارس الازدهار”، ولم يحقق خلال شهرين من القصف الأمريكي سوى تدمير منشآت مدنية وبنى تحتية يمنية، ثم أي معان لشراكة تزج بها الأطراف الدولية باليمنيين للاقتتال بالوكالة من جديد بذريعة حماية الملاحة الدولية في البحر الأحمر، ألا ترى السعودية أن شراكة كهذه ليست سوى تصعيد للوضع مع حكومة صنعاء، قد يعيدها إلى حرب استنزاف جديدة.
أهداف خفية
وفي المؤتمر أعلنت دول عدة، في مقدمتها السعودية وبريطانيا، عن حزمة واسعة من التعهدات المالية المخصصة لدعم خفر السواحل لما يسمى بـ”الحكومة الشرعية” لتعزيز قدراتها العملياتية، إذّ خصصت الرياض 4 ملايين دولار لدعم تلك القوات لمواجهة وصفته بالتحديات المتزايدة لأمن الملاحة البحرية، وعلى رأسها مكافحة قضايا التهريب والاتجار غير المشروع بالبشر والأسلحة، كما هدف المؤتمر إلى تعزيز أمن البحر الأحمر وخليج عدن ومضيق باب المندب، وتعزيز قدرات خفر السواحل التابعة للحكومة اليمنية، لتمكينها من القيام بمهام حماية الملاحة والتصدي للتهديدات التي تواجه سلاسل التوريد في هذا الممر المائي الحيوي.
واللافت أن هذا المؤتمر الذي رعته الرياض ولندن، بمشاركة 35 دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول آسيوية وغربية أخرى جاء في أعقاب حرب حصار بحري خانق والأول من نوعه منذ عقود، تفرضه القوات المسلحة اليمنية، على السفن الذاهبة والقادمة من وإلى “إسرائيل”، رداً على المجازر وحرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة.
علاوةً على ذلك، يرى مراقبون أن “مؤتمر الأمن البحري” بشكل أو بآخر هو أحد التدابير التي تسعى إليها بريطانيا والحلفاء، ومن ضمنهم حلفاء الداخل ومن ورائهم الكيان الصهيوني، لمواجهة الحظر البحري الذي تنفذه القوات المسلحة اليمنية في صنعاء، بعد أن أخفقت العمليات البحرية العنيفة التي انخرطت فيها أيضاً بريطانيا”.
صنعاء تُحذّر
ورداً على الإعلان السعودي عن الشراكة مع بريطانيا في البحر الأحمر، حذرت صنعاء، الرياض من مغبة دعم الكيان الإسرائيلي في البحر الأحمر بطريقة مباشرة وغير مباشرة، مؤكدة أنها ستتعامل مع أي محاولات لكسر الحصار اليمني المفروض على الكيان، تحت أي ذرائع ومبرّرات، كجبهة إسناد متقدمة للعدو.
وأكد قائد الثورة، السيد عبد الملك الحوثي، في خطابه الأسبوعي، الخميس الفائت، أن الملاحة المستهدفة حصرا في البحر الأحمر هي التابعة للكيان الإسرائيلي، مشيراً إلى أن موقف اليمن البحري هو لنصرة الشعب الفلسطيني وضد عدو يستهدف الأمة كلّها، وهاجم كل من يعملون على إيقاف عملياتنا لحماية الملاحة الإسرائيلية.
وحذر قائد الثورة، المملكة بشكل مباشر من التدخل، قائلاً: “أتوجه بالنصح إلى النظام السعودي وغيره، بأن لا تورطوا أنفسكم في دعم العدو الإسرائيلي عسكرياً لحماية سفنه في البحار”، واصفاً ذلك بأنه “عار عليهم”، مؤكداً أن السعودية لن تنجح ولن تستطيع أن تأمن مرور وعبور السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر.
عسكرة البحر الأحمر
وعلى ضوء هذه المعطيات، أكدت وزارة الخارجية لحكومة التغيير والبناء في صنعاء، مرة أخرى على التزام اليمن الكامل بضمان أمن وسلامة الملاحة الدولية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، مشددة على أن حماية هذه الممرات البحرية الحيوية تتطلب الالتزام بالقانون الدولي وتعزيز التعاون بين دول المنطقة.
وأشارت إلى أن قواتها المسلحة أثبتت للمجتمع الدولي أن عملياتها في البحر الأحمر تستهدف كيان العدو الصهيوني ومصالحه، كوسيلة ضغط من أجل وقف ما يقترفه من جرائم إبادة وتجويع وحصار بحق الأشقاء في غزة، وتأتي في سياق موقفها الديني والأخلاقي والإنساني المبدئي والثابت في دعم وإسناد الشعب الفلسطيني حتى وقف ما يتعرض له من جرائم إبادة جماعية تُعدّ الأبشع في التاريخ.
صنعاء ستتعامل مع أي محاولات لكسر الحصار على الكيان كجبهة إسناد متقدمة للعدو
وقالت الخارجية في بيان لها منتصف سبتمبر الجاري، أن “موقف اليمن ينسجم تماماً مع القانون الدولي الذي يعطي الحق للدول في دعم القضايا العادلة، والتصدي للظلم والاحتلال، لا سيما عندما يفشل المجتمع الدولي في الاضطلاع بدوره وتتنصل المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة ومجلس الأمن من الاضطلاع بمسؤولياتها في هذا المضمار”.
فيما توعدت القوات المسلحة في صنعاء، إسرائيل ومن يقف خلفها بتوجيه أقسى الضربات، وذلك رداً على العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة.
مؤكدة أن كل الخيارات مطروحة على الطاولة، وأن الأعداء “سيرون بأم أعينهم ما لم يحسبوا له ألف حساب”.
ممر إستراتيجي
وللبحر الأحمر الذي يصل بين القارات الثلاث: آسيا وأفريقيا وأوروبا، ويربط المحيط الهندي وخليج عدن وبحر العرب بالبحر الأبيض المتوسط، أهمية اقتصادية وعسكرية وأمنية، إذ يمر عبره أحد أكثر طرق الملاحة البحرية الدولية حيوية في العالم، وتعتبر الدول المشاطئة له من أهم المراكز العالمية لإنتاج الموارد الطاقة، وتمثل مضائقه وجزره نقاطا إستراتيجية أمنية، مما جعله موضع صراع إقليمي ومحل تنافس بين القوى العالمية الكبرى، ومركزا لاحتشاد القواعد العسكرية الأجنبية.
طرق تصعيدية
وفي هذا السياق، برزت محاولات إسرائيلية للبحث عن طرق تصعيدية للتعامل مع الجبهة اليمنية في صنعاء، إذّ يشهد الكيان الصهيوني حالة من عدم الاتزان على كافة المستويات، وتنتاب مسؤوليه العديد من المخاوف من جراء استمرار العمليات العسكرية اليمنية رغم كل التحديات والظروف الإقليمية، خصوصاً في ظل فشل كل عناصر التفوق الحربي والتكنولوجي الإسرائيلي أمام صلابة الموقف والصمود اليمني طيلة الفترة الماضية، ما يدفع الكيان للبحث عن طرق ووسائل جديدة للتصعيد ضد اليمن، ولعل أهمها توجه الكيان لتحريك أدوات التحالف السعودي الإماراتي لتفجير معركة ضد صنعاء، من خلال التشكيلات العسكرية الموالية له على الأرض في اليمن.
وهو ما كشفه وزير الحرب الإسرائيلي السابق، “أفيغدور ليبرمان”، والذي لوح في تصريحات تداولها الإعلام الإسرائيلي، بأن هناك تحركات إسرائيلية للتواصل مع الحكومة الموالية للتحالف السعودي الإماراتي في عدن، بهدف مواجهة صنعاء قائلاً “يجب قصف البنية التحتية لليمن والتواصل مع الحكومة في عدن، كما يجب علينا أن نتواصل مع الجماعات المسلحة الأخرى في اليمن ونزودها بالتمويل والأسلحة”، مشيرا إلى أنه “يجب أن نشغل “الحوثيين” بالبقاء داخل اليمن، وليس بشن هجمات على “إسرائيل”.
ختاما، يرى مراقبون أن هذا التحرك في جوهره قد يكون استعداداً وغطاء لعملية استخباراتية صهيونية بواجهة “دعم خفر السواحل” لمرتزقة العدوان، لكن صنعاء بجيشها وأجهزتها الأمنية ولجانها الشعبية، تدرك كل شيء وتقرأ المشهد بكل أبعاده المختلفة، ولن تنطلي عليها هذه التحركات المنطوية تحت غطاء “الأمن البحري”، كما أنها تدرك أن الهدف الخفي لهذه الشراكة يكمن في رفع الحظر البحري عن الكيان الصهيوني الغاصب.
Comments are closed.