21 سبتمبر.. ثورة الخلاص من الوصاية والعمالة
الوحدة نيوز – أبو عامر: قبل هذا الميلاد، كانت الجمهورية اليمنية على أعتاب فقدان ما تبقى لها من السيادة الوطنية وصنع القرار الداخلي، حيث بدأت تتحول إلى ملحق تابع للجوار، وطفا آنذاك للسطح مصطلح “دوني” يطلق على اليمن هو “الحديقة الخلفية” للمملكة العربية السعودية.
لم يكن ليصل اليمن إلى ذلك المستوى الهامشي والمحدود في الحضور الإقليمي والدولي لولا تراخي حكامه المتعاقبون على قيادته وارتهانهم لتوجيهات دول خارجية عربية وأجنبية عبر سفاراتها بصنعاء كالرياض وواشنطن، والسعي لاسترضائها وتنفيذ أجندات مشبوهة لها لا تشبه اليمن وهويته ولا تتناسب مع حجمه الكبير وعظمة مكانته التاريخية والحضارية الضاربة في أعماق الأرض والممتدة لآلاف السنيين مقارنة بتلك الدول التي حاولت على مدى عقود من الزمن تحجيمه وإضعافه وحشره في زاوية ضيقة لا يقدر على الحركة والتعبير عن وجوده كدولة، بحيث يبقى تحت عباءتها ومرهون لأمزجتها، وذلك لمعرفتها اليقينية أنها دون مستوى اليمن تاريخاً وعلماً وحضارة وشعباً وجغرافية وسياسة وثقافة وأدباً وثروة وقوة وذكاء وأنفة وعزة وكرامة.
ثورة الـ21 من سبتمبر تمثل منعطفاً استراتيجياً ومحورياً في مستقبل اليمن
وبالتالي أمعنت المملكة العربية السعودية على تغذية الصراعات الداخلية بين اليمنيين ودعمت أركان الفساد والنفوذ في البلد، إذ حاربت بكل قواها لاسيما المالية وأدواتها العميلة في الداخل من قيام دولة يمنية قوية ولا تزال حتى اللحظة تعمل على هذا النسق وعُرفت بسياساتها “الماكرة” تجاه اليمن في ابقاء حالة الاحتقان الداخلية واللا استقرار فيه، فنجدها ما تلعب على أوراق المذهبية والطائفية والمناطقية وتكرس هذه المفاهيم من منطلقات انتقامية واتباعاً لوصايا جدهم “عبدالعزيز آل سعود” لتفتيت النسيج المجتمعي اليمني بغياً منها إلى تقسيم جغرافيا اليمن إلى “كانتونات”، بحيث يظل مشتتاً ومجزأ يدور حول نفسه لا يقدر الفكاك والخروج من دائرة المتاهات ودوامة الصراع المتشابكة، لأن في ماهية المملكة أن وجود جار كاليمن مستقل وموحد وقوي سيشكل ذلك خطراً عليها، وهو ما يعد اعتقاداً باطلاً وتفكيراً غير منطقي لا يتسق مع نواميس الكون ولا مواثيق الأمم المتحدة ولا الأعراف والقوانين الدولية ولا الشريعة الإسلامية السمحة.
الانزلاق لمربع الفوضى
ففي خمسة أعوام وبالتحديد من 2011 حتى 2014، كانت اليمن تذبح من “الوريد إلى الوريد” وصار الوضع خطيراً ويتجه يوماً بعد آخر نحو الفوضى الأمنية؛ فبدأت سلسة الاغتيالات تنتشر بأشكال مختلفة في صنعاء وباقي المحافظات فقد اُستهدف خلال تلك الفترة الكثير من الرموز في السلك الأمني والعسكري والمدني والسياسي من ضباط وأكاديميين وصحفيين وأطباء وقضاة، ولعل حوادث سقوط الطائرات الحربية “المدبرة” إحدى تلك المخططات الخبيثة، وتلتها اغتيال شخصيات مدنية من ذوي العقول المتنورة فكريا وثقافياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً في شمال الوطن وجنوبه، وكان المنفذ لتلك العمليات الإرهابية آنذاك “الموتور السياسي” أو السيارات المفخخة، ومن ثم انتقلت موجة التصفيات إلى قوات الأمن المركزي في ميدان السبعين أثناء البروفات والتجهيزات للعرض العسكري بمناسبة العيد الوطني لقيام الجمهورية اليمنية في 2012، وأدى إلى مقتل 120 شخصا أغلبهم جنود، وجاءت بعد ذلك المجزرة البشعة التي نفذها عناصر إرهابية داخل وزارة الدفاع والمستشفى التابع لها “العرضي” واستشهد على إثرها الكثير من أفراد القوات المسلحة والأطباء والممرضات والقضاة والمواطنين الذين كانوا في المستشفى، أضف إلى ذلك الهجوم الإرهابي بسيارة مفخخة الذي استهدف كلية الشرطة في صنعاء وأدى إلى مقتل 35 طالباً وجرح 68 أخرين، وكان القتلى والجرحى يرغبون بتقديم أوراق قبولهم في الكلية. ولا ننسى أن أيادي القتلة امتدت أيضاً إلى دور العبادات، ففجر انتحاريان نفسيهما داخل مسجدي “الحشوش” و”البدر” في صنعاء أثناء أداء المصلين صلاة الجمعة بعمليتين منفصلتين زماناً ومكاناً، وكل تلك الجرائم البشعة سجلت “ضد مجهول”، وهكذا ظلت حلقة الموت تتسع فجوتها وتلتهم كل شيء يقف أمامها دون وجود رادع لها يوقف نزيف الدم إلا من بيانات الإدانة والاستنكار باعتبارهما سلاح الضعفاء.
وهذا ليس إلا نزر يسير لتوضيح حالة الانحدار الكارثي الذي كانت وصلت إليه البلاد، وهي مخططات مدروسة دولياً وإقليمياً أعدت سلفاً بتواطؤ قوى داخلية سياسية وعسكرية وشريكة في الحكم ذلك الحين، لينتهي الأمر بالعدوان على اليمن تحت مسمى “عاصفة الحزم” الذي كشف كل الأوراق والوجوه العميلة والمتسترة بغطاء الوطنية، حيث كانت متربصة تعمل وفق أجندات تفكيكية تتبع المخابرات خارجية لا علاقة لها لا باليمن ولا اليمنيين بتاتاً.
ثورة 21 سبتمبر.. الحصن المنيع
وجد اليمنيون أنفسهم مضطرون لإعادة الوضع إلى نصابه الصحيح وايقاف التدحرج الخطير الذي بات يجر اليمن إلى المجهول، فكانت ثورة 21 من سبتمبر 2014، هي الحصن المنيع والحامي والمنقذ للبلد من السقوط في الهاوية؛ فأفشلت السيناريوهات الإقليمية والدولية التي كانت تحاك وتطبخ على نار هادئة ابتداء من ما يسمى بـ”الربيع العربي” الذي كان “بوابة النفوذ” بالنسبة لـ”المحتلين الجدد” لإحكام السيطرة على اليمن ومكتسباته ومقدراته وثرواته وبحاره وموانئه وتجريده من السلاح والقوة وتفكيك جيشه وإغراقه في الفوضى من خلال تنصيب “حاكم كرتوني” وتعيين حكومة صورية لا يتعدى مهام وقرار مسؤوليها أبواب مكاتبهم، ولعل المحافظات المحتلة التي تخضع لإدارة “حكومة المرتزقة” حالياً شاهدة على ما سبق ذكره.
الثورة نقلت اليمن من “الحديقة الخلفية” إلى الواجهة العربية والإسلامية
جاءت ثورة الـ21 من سبتمبر في الوقت المناسب لقطع خيوط العمالة للخارج ورفض الفساد المستشري وإزاحة عصابات النفوذ والتقطع والتجبر والظلم التي كانت تسيطر على معظم مفاصل مؤسسات الدولة وكانت تمثل حجر عثرة في بناء الدولة اليمنية الحديثة وسبباً واضحاً في اختراقها واضمحلالها وتراجع أدائها وصارت قطاعاً خاصاً لطوع أمر العصابة المارقة وأسرهم دون الشعب كل الشعب إلا من سبح بحمد هؤلاء الفاسدين.
اليمن في ميزان القوة
حطمت ثورة 21 من سبتمبر الصورة النمطية الهزيلة التي تشكلت عن اليمن الجمهوري لدى الإقليم والعالم، فقاوم حرباً عدوانية شنت عليه من 17 دولة بقيادة المملكة العربية السعودية لثمان سنوات متتالية، وخرج منتصراً فيها. واليوم يخوض أشرف معركة في تاريخ الأمة العربية والإسلامية (طوفان الأقصى) نصرة وإسنادا للشعب الفلسطيني في غزة ضد الكيان الصهيوني الغاصب الذي يرتكب على مدى عامين أبشع جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ومحاولات التهجير القسري للفلسطينيين في القطاع بدعم أمريكي وتخاذل عربي وإسلامي.
امتلاك اليمن موازين الردع العسكرية في المنطقة من ثمار الثورة السبتمبرية
وبفضل هذه الثورة المباركة أصبح اليمن اليوم يمتلك جيشاً قوياً وترسانة أسلحة متطورة محلية الصنع فرض من خلالها معادلة توازن الردع العسكري في المنطقة وواجه أعتى القوى في العالم استخباراتياً وتكنولوجياً وعسكرياً كأمريكا وأرغمته على الانسحاب من البحرين الأحمر والعربي، وكشف هشاشة التباهي الصهيوني بقبابه الدفاعية الحديدة، حيث اخترقت الصواريخ والطائرات المسيرة اليمنية أجواء الكيان المحتل وحققت أهدافها بدقة ونجاح، وجعلت ملايين الصهاينة في حالة استنفار شبه يومي للهروب نحو الملاجئ للاحتماء فيها من الصاروخية الفرط صوتية وذات الرؤوس الانشطارية، كما تمكنت القوات المسلحة اليمنية من فرض حصاراً بحرياً منعت سفن الكيان الصهيوني والمرتبطة بها من المرور عبر الملاحة الدولية وعطلت ميناء أم الرشراش “إيلات”، وألحقت أضراراً اقتصادية فادحة بـ”إسرائيل”.
ثبات اليمن مع فلسطين
ولذوي الألباب التفكر وطرح التساؤلات المنطقية عن الأنظمة السابقة لو أنها استمرت في الحكم حتى يومنا هذا وواكبت التطورات الحاصلة حالياً في المنطقة، هل كانت ستتخذ مواقف جريئة قومية وإنسانية ودينية وأخلاقية في إسناد الفلسطينيين في غزة شعبياً وعسكرياً وسياسياً لمواجهة الكيان الصهيوني؟ هل كانت سترفض الإملاءات والضغوط الخارجية لغض الطرف عن القضية الفلسطينية كما يحدث في دول الجوار إلا من بيانات شكلية منددة ضرها أكثر من نفعها؟!
هنا، نجزم أنه لو واصلت أدوات تلك الدولة “الرخوة” في الحكم، لكانت اليمن الآن في طابور الانتظار العربي للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي.
إسناد اليمنيين لغزة لم يكن ليحدث إذا استمر وضع ما قبل الثورة
وبالتالي مثلت ثورة الـ21 من سبتمبر المجيدة منعطفاً تاريخياً ومحورياً في مستقبل اليمن السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي والعسكري، بل ونقطة تحول استراتيجية في المنطقة، إذ استعاد مكانته الطبيعية كدولة لها تأثير متعدد الأوجه لا يمكن تجاوزه البته رغم الصعوبات المحيطة به والحروب المختلفة الدائرة ضده داخلياً وخارجياً، وكل ذلك يعود للإيمان الراسخ والمتجذر بمسيرة الثورة ومبادئها وأهدافها وقيمها الدينية والإنسانية والأخلاقية التي منحت الشعب اليمني دافعاً قوياً للتمسك بها والصمود أمام جميع العواصف والتصدي للمؤامرات الخبيثة والدسائس الماكرة، وبفضل الله فشلت وتبعثرت أحلام المعتدين والمنافقين والمرتزقة أمام صلابة اليمنيين وإدراكهم العميق بما يراد لهم من مكائد دنيئة في ظاهرة الرحمة وباطنها العذاب.
وبهذه المناسبة الثورية العظيمة لا ننسى ما قدمه الشعب اليمني من تضحيات جسام وقوافل من الشهداء والجرحى في سبيل الدفاع عن الوطن والدين والعرض، حيث سطرت أروع الملاحم البطولية في دحر الأعداء وروت دماؤهم الطاهرة تراب الوطن ولا تزال هامات الأبطال تناطح جبروت الظالمين وتكسر شوكاتهم الاستكبارية في البحار والسهول والجبال والوديان، معلنين صرخاتها المدوية ضد الشيطان الأكبر “أمريكا” وربيبته “إسرائيل” غير أبهين باستعراضات القوة لديها، فقد وطأ هؤلاء اليمانيون بأقدامهم “الابرامز” وأحرقوا “ترومان” وأسقطوا ” أم كيو” باعتراف صريح من العدو بذاته من بأساء وشدة ما لاقاها الشيطان من تنكيل يماني لم يسبق له مثيل.
21 و26 سبتمبر.. واحدية الهدف
ومع حلول الذكرى الحادية عشر لقيام ثورة الـ21 من سبتمبر المجيدة، التي لها الدور الأبرز في اعتاق اليمن من وطأة الوصاية الخارجية وقوى الفساد والنفوذ وخلصته من براثن الاقطاعيات المستفحلة والاستحواذ على الثروات، فإنها تعتبر امتداداً طبيعياً وتصحيحياً لثورة الـ26 من سبتمبر الخالدة وأهدافه الستة التي اعترت مسيرتها العديد من الهنات والاخفاقات نتيجة أولئك الوصوليين والنفعيين الذين اتخذوا منها سلّما لتحقيق طموحاتهم الشخصية على حساب المصلحة العامة للبلد والشعب معاً، مما ترتب على ذلك أوضاع غير طبيعية نتج عنها الكثير من الانتكاسات والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية، وتقهقرت اليمن في مواكبة دول العالم وشعوبها في مجالات شتى لاسيما الخدمية والتنموية والتكنولوجية منها.
ثورتا 21 و26 سبتمبر خرجتا من رحم الشعب رفضاً للاستبداد وتطلعاً للحرية
ولا تعارض بين ثورتي 21 و26 سبتمبر؛ فكلتاهما خرجتا من رحم الشعب، رفضا للاستبداد وتطلعا إلى الحرية. غير أن أصحاب السلطة والمصالح فيما بعد هم من انحرفوا بمسارهما، وهم من افتعلوا التناقض وجعلوا هذه في مواجهة تلك. والأمر ذاته ينطبق على ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر؛ فهذه امتداد لتلك، وصاحبها واحد هو الشعب، وجوهرها واحد هو الحرية.
التصحيح والتغيير الجذري
وبالتالي فالثورة لا تقف عند تاريخ معين وذكرى مناسباتية نحييها سنوياً بالخطابات والاهازيج والمفرقعات فحسب، بل هي فعل ثوري مستمر يقود إلى التصحيح والتغيير الجذري وفق خطط محكمة قابلة للتنفيذ واقعياً تنموياً واقتصادياً وعسكرياً وثقافياً وتعليمياً وسياسياً واجتماعياً.
والخلاصة، أن قيم الثورة تتعاظم في ذوات الشعب ويزداد تمسكاً بها عندما يلمس آثارها الإيجابية كمنجزات حيوية وخدمية على الأرض ويجد أنها نقلته إلى وضع أفضل مما كان عليه، وحققت غاياته المرجوة وخلقت أمامه آفاق رحبة لتكوين مستقبله بأمان تحت مظلة الدولة الجامعة والعادلة وتضع لكيان مواطنيها قيمة بين الأمم.
Comments are closed.