ذاكرة اليمن التاريخية في خـــــطر (صــور)
نجيب علي العصار
مثلما فعلت في قطاع غزة، من تدمير وتخريب ممنهج للتراث الإنساني وللآثار التاريخية، عمدت إسرائيل إلى تكرار التجربة ذاتها في اليمن، مستهدفة المتحف الوطني بصنعاء أهم وأكبر متاحف البلاد، إذ يضم مجموعات فريدة من ذخائر آثار اليمن ونقوشه، بعضها يعود للقرن العاشر قبل الميلاد.
وفيما لا يزال وضع المعروضات داخل المتحف الوطني الذي يقع في قلب العاصمة صنعاء غير واضح، جراء تعرضه لأضرار جسيمة عقب غارات العدوان الاسرائيلي على حي التحرير السكني وسط العاصمة صنعاء، لكن آلاف القطع الأثرية التاريخية معرضة لخطر التلف، وفقا لوكيل هيئة الأثار والمتاحف في صنعاء إبراهيم الهادي.
آلاف القطع الأثرية والتماثيل التاريخية المعروضة لأضرار بالغة جراء الغارة الإسرائيلية
وقال الهادي في حديث مقتضب لـ “الوحدة” أن ذاكرة اليمن المحفورة في حجر وجدران المتحف الوطني الذي تأسس عام 1971 في العاصمة صنعاء، تعرض لاستهداف ممنهج، مما أدى إلى تعرض آلاف القطع الأثرية والتماثيل التاريخية المعروضة لأضرار بالغة جراء الغارة التي نفذتها الطائرات الإسرائيلية، الأربعاء، لافتا إلى أن أضرارا جسيمة في الطابق الثاني من المتحف تعرضت لها قطع أثرية ونقوش من تاريخ ممالك اليمن القديم، وتعود لمملكتي حضرموت وسبأ وقطع برنزية ثمينة سبيئة، قتبانية، حميرية، أوسانية وحضرمية، أضافة إلى تعرض الفترينات التي كانت تحتضن تماثيل سبئية لأضرار جسيمة هي الأخرى .
إدانات
ودعت وزارة الثقافة والسياحة، منظمة اليونسكو إلى إدانة الهجوم والتدخل للمساعدة في حماية المبنى التاريخي وآثاره، وقالت الوزارة في بيان: “ندين الهجمات الصهيونية الإجرامية التي استهدفت معالم ثقافية وإنسانية مهمة في اليمن”.
وأظهر مقطع مصور نشرته ” الهيئة العامة للآثار والمتاحف في صنعاء،” تهشم نوافذ المبنى وتصدعات في واجهة المبنى التاريخي للمتحف، ولوحات فنية صخرية ضخمة، بديعة منقوش عليها بخط المسند مع رسوم لحيوانات ورموز تحويها بعض القطع قد طالها التدمير، بينما لا يزال مصير آلاف القطع الأثرية بداخله مجهولاً.
حجم الأضرار
من ناحيته، قال عباد الهيال، رئيس الهيئة العامة للآثار والمتاحف باليمن في تصريحات لـ “قناة المسيرة” مساء الخميس، إن “الانفجارات كانت هائلة، والحالة كانت مأساوية، بعد أن قصفت طائرات العدوان الإسرائيلي مبنى لصحيفتي 26 سبتمبر، واليمن، فكان للمتحف الوطني جزءا من آثار الدمار الذي لحق به كونه مجاورا للمبنى”.
وعن الأضرار التي لحقت بالمبنى جراء القصف الإسرائيلي، تحدث الهيال عن تضرر تمثال (ذمار علي يهبر) الشهير مفصول الرأس مع تضرر تمثال أبنه، (ثأران يهنعم).
يُشار إلى أن تمثال رأس من البرونز – يمثل الملك ذمار علي يهبر ملك سبأ وذي ريدان، ويعود تاريخه إلى القرن الأول الميلادي – يُحتفظ به في المتحف الوطني بصنعاء وقد تم اكتشافه عام 1931م في منطقة ” يكلأ ” النخلة الحمراء في محافظة ذمار – الحداء.
وأضاف الهيال: “لم نتمكن بعد من تقييم حجم الأضرار التي لحقت بالقطع الأثرية النادرة بسبب القصف الإسرائيلي”.
الهيال: أضرار جسمية لحقت بمقتنيات المتحف من نقوش وتماثيل أثرية وجار تقييم حجم الأضرار
وخاطب العالم والمؤسسات الحضارية والثقافية، قائلا: “بغض النظر عن الجهة الحاكمة في صنعاء، إلا أن المتحف الوطني تراث إنساني للأجيال اليمنية جميعا ولكل الأطياف، ويجب أن يندد كل القائمين على الثقافة والآثار في العالم بهذا العمل الإجرامي”.
كما دعا إلى “تقديم العون الغير المشروط، من أجل الحفاظ على هذا الموقع وبقية المواقع الأثرية في اليمن”.
لجنة طوارئ
من جهتها، دعت عالمة الآثار والأكاديمية الدكتورة عميدة شعلان، وزارة الثقافة، وكل المهتمين والآثاريين اليمنيين، إلى سرعة تشكيل لجنة طوارئ لحماية مقتنيات المتحف الوطني بصنعاء، ومنع أي عبث قد يلحق الضرر بمقتنيات المتحف الذي ضربتها يد التدمير الإسرائيلية الأربعاء الفائت.
وقالت شعلان في تغريده بمنصة “أكس” تابعتها “الوحدة”، “لقد طالت هذه الكارثة أحد أهم شواهد الهوية الحضارية والذاكرة الإنسانية المشتركة، مما يشكل تهديدًا مباشرًا للتراث اليمني والعالمي على حد سواء”.
وطالبت اليونسكو وكافة المنظمات الدولية المعنية بالتراث الإنساني بالتحرك الفوري والجاد لتوثيق هذه الجريمة بحق الثقافة، واتخاذ الإجراءات العاجلة لحماية وإنقاذ مقتنيات المتحف وصونها من الأخطار المحدقة بها من التدمير والضياع.
معتبرةً أن صون التراث ليس قضية محلية تخص اليمن وحده، بل مسؤولية إنسانية مشتركة، تمس ضمير العالم أجمع.
نداء استغاثة
وسبق أن وجهت الهيئة العامة للآثار والمتاحف – الجمهورية اليمنية استغاثة عاجلة عقب تعرض المتحف الوطني بصنعاء (دار السعادة التاريخي) لأضرار جسيمة في المبنى التاريخي وتعريض آلاف القطع الأثرية للخطر جراء القصف الجوي الإسرائيلي.
وأكدت الهيئة في خطابها أن المتحف الوطني يمثل أحد رموز الهوية الوطنية اليمنية وصرحاً ثقافياً وتاريخياً، وطالبت اليونسكو بـإدانة هذا الاعتداء الذي استهدف معلماً ثقافياً وإنسانياً والتدخل العاجل لحماية المبنى والمقتنيات المتضررة.
كما طالبت بتسجيل الاعتداء كجريمة ضمن الانتهاكات الموجهة ضد التراث الإنساني.
وزارة الثقافة: ما حدث جريمة بالتراث الإنساني أجمع وليس اليمن وحده
وأشارت الهيئة إلى أن حماية التراث اليمني هو حماية لذاكرة الإنسانية المشتركة، داعية المجتمع الدولي للاستجابة العاجلة والمسؤولة.
جريمة حرب
وفي ذات السياق، أدان مركز الهدهد للدراسات الأثرية، العدوان الصهيوني الذي استهدف المعالم الأثرية اليمنية من خلال قصف محيط المتحف الوطني الواقع في ميدان التحرير وسط العاصمة صنعاء بعدة غارات، أسفرت عن سقوط ضحايا من المواطنين وتدمير أجزاء من مبنى المتحف وملحقاته وتعريض آلاف القطع الأثرية للأضرار.
وأشار المركز في بيان له، إلى أن المتحف الوطني يعد من المباني التاريخية التي بنيت في فترة الوجود العثماني في اليمن، وتم تحويله في العام 1987م إلى متحف وطني يضم آلاف القطع الأثرية.
عميدة شعلان تدعو إلى تشكيل لجنة طوارئ لحماية مقتنيات المتحف
وأكد أن هذا العدوان ليس فقط جريمة حرب، بل يمثل انتهاكا صارخا للاتفاقيات الدولية التي تُجرم استهداف التراث الثقافي، مثل اتفاقية لاهاي 1954 لحماية الممتلكات الثقافية، واتفاقية اليونسكو 1972 لحماية التراث العالمي المادة 6 منها والتي تنص على (تعهد كل الأطراف الموقعة على الاتفاقية إلى عدم الإضرار بصورة مباشرة أو غير مباشرة بالتراث الثقافي في أقاليم الدول الأخرى الموقعة على هذه الاتفاقية)، والبروتوكول الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف 1977 المادة 85 الفقرة 4- د التي تنص على أن (شن الهجمات على الآثار التاريخية وأماكن العبادة والأعمال الفنية التي يمكن التعرف عليها بوضوح يعد انتهاكا جسيما ومخالفة للاتفاقيات والبروتوكولات الملحقة).
أضرار بالغة لحقت بالملك الشهير “ذمار علي يهبر” وأبنه “ثأران يهنعم”
لافتا إلى أن هذا العدوان يمثل تصعيداً على المواقع الأثرية اليمنية التي تمثل جزءا كبيراً من تاريخ وثقافة اليمن والعالم.
أقسام المتحف
يُذكر أن مبنى المتحف الوطني بصنعاء، الذي تأسس عام 1971 م، يقع في قلب العاصمة صنعاء وبالقرب من ميدان التحرير، وهو مبنى قديم مكون من خمس طوابق اربعة منها مخصصة كصالات لعرض التحف فيما الطابق الخامس تم تخصيصه لأغراض اخرى تخص المتحف وليس من بينها استقبال الزوار، ويعود تاريخ المبنى لحوالي قرنين من الزمن، بحسب أحد الخبراء في المتحف.
كما يضم المتحف عدداً من الاقسام، قسم ما قبل التاريخ ويحوي الاثار والتحف والتماثيل التي يعود تاريخها الى ما قبل الميلاد بقرون.
وقسم التاريخ القديم ويُضم عددا من الاجنحة المخصصة لدويلات اليمن القديمة كسبأ وحمير والجوف ومعين وحضرموت وجناح يخص خط المسند، كما يحوي المتحف قسما يخص التاريخ الإسلامي، وقسما أخر للصيانة.
Comments are closed.