محمد البخيتي: عندما تكون وقفة الشيطان لله

من الطبيعي أن نسمع انتقاد الجماعات الإسلامية للسيسي بسبب تمسكه بخط التطبيع مع الكيان الصهيوني بالتزامن مع المجازر المرتكبة في غزة، لكن ما يثير الدهشة هو دفاعهم المستميت عن إنبطاح أحمد الشرع له، مع أن الأول ورث نهج التطبيع عن أنور السادات، بينما الثاني يُعد أول حاكم عربي مارس الانبطاح.

هذه ليست مجرد مفارقة عابرة، بل تعكس نهجًا راسخًا ومتجذرًا في سلوك تلك الجماعات، نتيجة عقود طويلة من التدجين الأمريكي. فقد ترسخت لديهم قناعة ثابتة بأن ما يُحرَّم على الآخرين مباح لهم، وهو ما يتجلى بوضوح عند تقييم ممارساتهم في الواقع.

مثلا, عندما يُسرب مقطع يُظهر انتهاكًا بحق أحد المنتمين لهم، يحولونه فورًا إلى مادة إعلامية دسمة لإبراز مظلوميتهم وشيطنة خصومهم. هذا السلوك طبيعي في سياق الصراع، لكن ما يميزهم هو براعتهم في استثماره. غير أن المفارقة تكمن في أنهم ما إن يتمكنوا، حتى يتجاوزوا خصومهم في ارتكاب أفضع الجرائم، بل ويوثقونها وينشرونها متفاخرين بإرتكابها، لتتحول مشاهد الجرائم ذاتها إلى مادة اعلامية دسمة لإظهار مدى بطولاتهم وقوتهم مقابل إظهار مدى ضعف وهوان خصومهم.

وقد شهدنا هذه الممارسات بعد سيطرتهم على دمشق؛ من جرائم قتل وإبادة وسحل وإهانة، إلى نشر تلك المشاهد علنًا وتبريرها، بل والتفاخر بها. وكل ذلك على أيدي أشخاص طالما أطلّوا علينا باكين على حقوق الإنسان وحرية المعتقلين في سجون مصر والسعودية والإمارات. ومع إدراكنا لجرائم محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، إلا أننا نجزم بأنهم ما كانوا ليجرؤوا على ارتكاب مثل ما ارتكبته هذه الجماعات لو أنهم هم من سيطر على دمشق.

لقد شاهدنا استخدم نشطاء تلك الجماعات كل مفردات التخوين ضد الدروز والأكراد، لمجرد أنهم احتموا بأمريكا والكيان الصهيوني خشية أن يلقوا مصير العلويين والشيعة. لكنهم في المقابل يبررون تحالف جماعتهم نفسها مع أمريكا وإسرائيل لإسقاط نظام الأسد! وقد شاهدنا نتنياهو وهو يتفقد جرحى جبهة النصرة في مستشفيات الكيان، كما سمعنا يوسف القرضاوي ـ مفتي الناتو ـ يشكر أمريكا على دعمها لجماعته معتبرا ذلك “وقفة لله”. وهنا يظهر تناقضهم جليا في تحريمهم على غيرهم ما يحلّلونه لأنفسهم؛ فما كان لصالحهم عُدّ “وقفه لله”، وما كان لخصمهم عُدّ “وقوفًا مع الشيطان”. مع أننا نؤكد بوضوح أننا ندين أي يد تمتد نحو أمريكا أو الكيان، مهما كان الدافع أو المبرر.

واليوم، ورغم حملاتهم الإعلامية العنيفة على الأكراد والدروز بدعوى العمالة لأمريكا وإسرائيل، رأيناهم يحتفلون ويتفاخرون باتفاق الجولاني مع الكيان الصهيوني بإعتبار ذلك الاتفاق لصالحهم وعلى حساب خصومهم.

لكن الأخطر من كل ما سبق هو دورهم الحالي في الاصطفاف إلى جانب أمريكا وبريطانيا وإسرائيل لحشد العالم سياسيًا وإعلاميًا واقتصاديًا وعسكريًا ضد اليمن، بهدف إسكات الجبهة العربية الوحيدة التي ما زالت تساند غزة, ويتطلعون للاحتفال بإسكاتها كما سبق واحتفلوا بإسكات جبهة لبنان.

هل استوعبتم الان عدالة الله في جعل المنافقين في الدرك الاسفل من النار؟

قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا﴾

 

*محافظ محافظة ذمار

Comments are closed.

اهم الاخبار