جمال حسن: حول الجمهورية وما أثير من جدل

كان هناك الكثير من الجدل حول برودكاست لشاب يمني على منصة سعودية، عُرف بأنه باحث. وأكثر ما أثار نقدا حول طرحه مسألتين، الأولى مقولة أن الجمهورية نظام حكم مستورد لافتا إلى أن ذلك سبب فشله. الأمر الثاني، هو ما أشار له حول استخدام الجيش المصري الذي ساند الجمهوريين في الستينيات، لأسلحة كيماوية. ولاحظت تعليق آخر بأن تلك حقيقة لأن شهادات قدماء تحدثوا عن ظاهرة حدثت في إحدى قرى أرحب لقي فيها مواطنون موتهم وماعز دون تأثرهم بإصابات.

وفي ما يخص النظام الجمهوري، فإن استخدام مقولة “نظام مستورد” يحملنا على أن هذا الشاب لا يتمتع بخطاب متماسك، بحيث أن مفهومه يقع تحت تأثير خطاب ما يمكن أن ننعته بالاستشراق، والذي بموجبه هذه المجتمعات الشرقية أو المتخلفة، لا يصلح لها أي نمط من أنماط الحداثة. ومصدر ضعفه، في كونه استجاب لبتر أو اجتزاء مسألة النظام الجمهوري، بكونها نظاما غير صالح لليمن، لأنه مستورد من الخارج.

لكن لماذا نجح إلى اليوم النظام الجمهوري في الهند، مع أنه نظام مستورد، نظرا لثقافتها.

أما ما يتعلق بفشل الجمهورية ونجاح الملكيات في المنطقة، فهذا يعتسف أيضا سياقا واسعا.

وهي آفة تواجه الباحث اليمني، لأنه ينظر للأشياء باجتزاء مدفوعا بتحيزاته الخاصة، ولا يعني أن الإنسان بأي حال معصوم من تحيزاته سواء الفكرية أو الذاتية. لكن منهجيته تتطلب شمولية أوسع في تحليل بنية الأشياء. وفي هذا الأمر، سأستند إلى مقولة الفرنسي مونتسيكيو، إذ اعتبر الفساد واعتساف القانون أكثر خطرا على النظام

الجمهوري أكثر خطرا منه في النظام الملكي، لأن هذا الأخير لديه مصلحة في الحد منه بوصفه يعتبر كل شيء ملكية تخصه. بينما في الحكم الجمهوري فإن هذا الحد من المصلحة يلتغي ويقود إلى فوضى. مع أنه في النظر الى الحكم الجمهوري بكل مساوئه في اليمن فإنه مقارنة بملكية الإمام يتسم بالعدالة.

هذا جانب، أما قياسه في نمط الحكومات الوراثية الخليجية فإنه لا ينفي نظرتنا إلى الرفاه الذي انتجه النفط، وأيضا وحدة الشرعية حول الملكية. أما في اليمن فانتجت الجمهورية أنماط نفوذ متداخلة، وهي قائمة في أنماط سابقة، وخاضعة لمنطق واسع يمكن النظر له بشكل تفصيلي في مواضيع أخرى. ويتعلق بأزمة الحكم بكونها أزمة مؤسسية عموما في اليمن.

أما ما يتعلق باللغط حول استخدام أسلحة كيمائية فإنه يعود الى ستينيات القرن الفائت، وتحديدا أثناء الحرب بين الجمهوريين والملكيين في اليمن. لكن على سبيل المثال الأمين العام للأمم المتحدة يو ثانت أكد وقتها بأنه غير قادر على التعامل مع تلك المسألة، وهذا يعني بافتقار الاتهامات إلى دلائل دامغة. وبالتالي لا يمكن أن تؤخذ بعين الاعتبار. ولا يعني ذلك نفي حدوثها بالمطلق، لكن أيضا لا يمكن تأكيدها.

وبالتالي فأي باحث أصيل يتكئ على منهجية علمية، استخدام لغة دقيقة، أي أن هناك شكوكا حول استخدام عبد الناصر أو الجيش المصري هذا السلاح المحرم. إذ أن السلطات المصرية تحدثت حينها عن أن الوفيات بسبب استخدام النابلم، ووقتها لم يكن سلاحا محرما. فتحريمه يعود إلى اتفاقية الأمم المتحدة عام 1980، بموجبها يحظر استخدام النابلم ضد المدنيين أو ضد أهداف عسكرية في مناطق مكتظة بالسكان.

من ناحيتي، أميل لاستبعاد استخدام مصر أي أسلحة كيماوية، نظرا لطبيعة النزاع وقتها،بحيث لن تورط نفسها في استخدام أسلحة تدينها دوليا. أقصد بأن طبيعة النزاع ومحركات النيل من ناصر السياسي المعادي للغرب كانت ستستوجب تحقيق إدانة أخلاقية، ولا شك بأنه كان هناك سعي لذلك، لكن الأمين العام للأمم المتحدة لم يجد أي ثبوت قانوني يخوله للتعامل مع المسألة. وهذا لا ينفي تماما حدوث ذلك، لكن تظل مسألة شائكة لما فيها من الثغرات.

بشكل عام أحاول القول بأنه ينبغي احترام مسؤوليتنا حين نرتدي صفة مثل كاتب أو باحث بقدر الإمكان. ولا يعني أننا لا نقع في الأغلاط، لكن تطوير هذه القيمة تشترط علينا الاستناد إلى نظرة علمية وعدم استغباء القارئ أو المستمع. لأننا في مرحلة يكثر فيها سرد الروايات وبأشكال معتسفة لمصلحة أطراف ما. بينما الحقيقة تتطلب اجتهاد وعمل شاق، يحترم وعي من نخاطبه. حتى في ما نرتكبه من أخطاء يسمح لنا الاستقراء الواسع وشمولية النظرة شكل من احترام الذات أولا، ثم احترام من نخاطبه. أو أننا نخلط بين التشنج والمكابرة. وعموما لا ينبغي علينا التعاطي مع تقرير دولي أو  أمريكي بوصفه موثوقا، وهذا يشمل مسائل كثيرة، تتطلب أن نسعى لفهمها. وقد أكون متحيزا هنا، لسياق كامل من المفاهيم، لكني لم انجر الى الغاء من أخاطبه، وأحاول بناء مساحة جدلية، أو مساحة من خلالها يتبنى تصوراته أو يسعى إلى تبنيها من خلال الدراسة أو البحث، وما إلى ذلك.

 

Comments are closed.

اهم الاخبار