عدنان درويش: المنافقون.. ذئاب في ثياب الحملان

في التاريخ والحاضر، يظل النفاق مرضًا اجتماعيًا وأخلاقيًا يفتك بالمجتمعات من الداخل، أخطر من عدو ظاهر السلاح. فالمنافق لا يحمل خنجره في العلن، بل يخبئه تحت ابتسامة كاذبة وكلمة معسولة، ينتقل بين المواقف كما ينتقل الذئب بين فرائسه، ويبدّل ولاءاته كما يبدّل الراعي عصاه.

النفاق ليس مجرّد كذبٍ في القول، بل هو تلوّن في المواقف، حيث يأكل المنافق مع كل ذئب إذا رأى في ذلك مصلحة، ويتباكى مع كل راعٍ إذا رأى أن الموجة قد تغيرت. ولأنهم بلا مبدأ، فهم يبيعون الحق إذا رأوا فيه خسارة، ويشترون الباطل إذا وجدوا فيه منفعة.

التاريخ الإسلامي حافل بأمثلة هؤلاء، ممن تظاهروا بالولاء للنبي ﷺ ثم انقلبوا في ساعة الشدة، أو من التفّوا حول علي بن أبي طالب عليه السلام حين كانت الأمور هادئة، ثم تركوه وحيدًا يوم اشتدّ القتال. هؤلاء لا يحفظون عهدًا ولا يرعون ذمّة، لأن معيارهم الوحيد هو مصلحتهم الشخصية.

والمجتمع الذي يتسامح مع النفاق أو يتغاضى عن المنافقين، يزرع في أرضه بذور الانقسام والضعف. فالذئب لا يعيش بين القطيع إلا إذا وجد من يحميه أو يغفل عنه، والمنافق لا يزدهر إلا في بيئة تغيب فيها المحاسبة وينتشر فيها الخوف أو الطمع.

قال الإمام علي عليه السلام: “ما أضمر أحد شيئًا إلا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه”، وهذه حكمة خالدة تؤكد أن النفاق مهما تجمّل، فلابد أن ينكشف. فالعبرة ليست فقط في كشف المنافقين، بل في تحصين النفوس من أن تصبح مثلهم، بالثبات على المبدأ، والجرأة في قول الحق، وعدم الانجراف وراء المصالح الآنية.

إن المنافقين أخطر من الأعداء، لأنهم يعيشون بيننا، ويعرفون نقاط ضعفنا، ويتقنون لعب دور الصديق حتى يحين وقت الطعنة. ومن أراد أن يحمي نفسه ومجتمعه، فليكن يقظًا، وليرفض السير وراء كل ذئب أو كل راعٍ، حتى لو كانت كلماتهم منمقة ووعودهم براقة.

المنافق يبدّل قناعه، لكن قلبه واحد، لا يعرف ولاءً إلا لمصلحته. والحق أن أشدّ ما تحتاجه الأمم اليوم، هو أن تميز بين الصديق الحق والذئب المتخفي، وبين الراعي الصادق والمنافق المتباكي.

 

Comments are closed.

اهم الاخبار