حفيظ دراجي: الاستسلام ليس خياراً.. والاحتلال لم يبدأ مع حماس
في كل عدوان على قطاع غزة، تتعالى بعض الأصوات داعيةً إلى استسلام حركة حماس ووقف المقاومة، بحجة “الحفاظ على أرواح المدنيين”. وكأن الاحتلال لا يقتل إلا حين تُرفع البنادق في وجهه، وكأن الاستسلام كفيلٌ بإنقاذ الأرواح أو بإنهاء الاحتلال.
لكن الحقيقة التي يتجاهلها هؤلاء، أو يتناسونها عمدًا، أن إسرائيل احتلت أرض فلسطين وطردت شعبها من دياره قبل عقود طويلة من ظهور حركة حماس. فمجزرة دير ياسين كانت في عام 1948، وقصف غزة كان في خمسينيات القرن الماضي، قبل أن تولد حماس بعقود. فهل كانت فصائل المقاومة آنذاك هي من “جلبت العدوان”؟
إن دعوات الاستسلام تتجاهل أن المشروع الصهيوني لا يقوم على “رد الفعل”، بل على مخطط منهجي للإبادة والضم والطرد والاستيطان. فالمقاومة لم تُوجد الاحتلال، بل الاحتلال هو من أوجد المقاومة، ومن ظلّ يدفع الشعب الفلسطيني نحو خيارها الوحيد: الدفاع عن الوجود.
وها نحن اليوم أمام شاهد جديد يؤكد أن الاحتلال لا ينتظر مبررًا للعدوان، فقد أعلنت حكومة الاحتلال الإسرائيلي رسميًا نيتها ضمّ الضفة الغربية، وإنهاء ما تبقى من مظاهر “الحكم الذاتي” الذي منحته اتفاقيات أوسلو للسلطة الفلسطينية. تلك السلطة التي اختارت طريق المفاوضات والتنسيق الأمني، ورفضت الكفاح المسلح، ولكنها لم تحصد إلا السراب.
ضم الضفة يعني بكل وضوح: نهاية “الحل السياسي”، ودفن “حل الدولتين”، وإعلان أن كل الأراضي الفلسطينية، من النهر إلى البحر، باتت مستهدفة بالمصادرة والضم.
فهل من العقل، أمام هذا المشروع الاستعماري الاستئصالي، أن نطالب من يقاوم في غزة بالاستسلام؟
هل يعقل أن نطلب من المحاصَرين أن يلقوا سلاحهم، بينما المعتدي لا يتوقف عن قصفهم وتجويعهم وقتل أطفالهم؟
إن من يريد إنقاذ الأرواح فعليًا، فليطالب بوقف العدوان، ورفع الحصار، ومحاكمة مجرمي الحرب، لا بنزع سلاح المقاومة، لأنها آخر ما تبقى لشعب أعزل يُذبح أمام مرأى العالم.
*إعلامي جزائري
Comments are closed.